تشكلات الماء في شعر محمد العلي. 

ما دخل الماء في قصيدة إلا أضاف إليها حركة وتجددا، وليس غريبا أن نطلق ( ماء القصيدة ) تعبيرا عن الجانب الحيوي للكتابة الشعرية . وفي موروثنا الأدبي حضر الماء في المعلقات حضورا فنيا، فامرؤ القيس ربط الزمان والمكان في لوحة زمكانية واحدة عندما شبه الليل بموج البحر  ، أما طرفة بن العبد فقد مزج بين حركتي مراكب النساء والسفينة التي تشق أمواج البحر . وهذا  تفاعل بين الببئتين الصحراوية والبحرية . ولشاعرنا الكبير محمد العلي علاقة حميمية مع الماء، فهو ابن  الينابيع الأحسائية وابن الخليج  وضيف على النهر  . ولقد انعكس ذلك في كتاباته  فعموده الصحفي الذي كان يكتبه أسبوعيا في صحيفة اليوم (كلمات مائية )  واسم ديوانه ( لا ماء في الماء ) الذي كتبت قصائده في أمكنة وأزمنة مختلفة، إلا أن النفس هو نفس واحد في كل مرحلة من مراحله . ١- البحر صورة الواقع : اختار الشاعر  البحر  هنا، ليعبر عن التحولات التي تمر بالطبيعة وعن قيودها، إلى درجة أن يصف البحر بالطلل، كل هذا يأتي في سياق التعبير عن الواقع الذي يتضرر منه الإنسان . النوارس تسأل : من قلد البحر  هذا اللجام  وأسكت لون الصهيل بأمواجه . وكيف تدجن، واستسلمت مجامر لؤلؤه للرماد ؟ ٢- البحر المهاجر : في أكثر من قصيدة  عبر الشاعر  عن هجرة البحر  في لحظات وجودية  معبرا عنه كالحزن المتسع دون انتهاء،  عندما ينأى الخليج الذي يحمل القلب، يسأل عن الزرقة التي علمتنا الأناشيد، وكأنه السياب الذي ضاعت منه اللؤلؤة في أنشودة المطر . ٣- صفات البحر : يصدمنا محمد العلي بجموعة من الصفات المأساوية للبحر  فهو امرأة  ثاكلة  ، وهو صاحب النفس الذاهلة، وهو الجواد الذي غاب فارسه، وهو الطلل وهو الحجر أيضا  وهو الشاعر  الذي لم يزل في المخاض .  ٤- الماء مادة التأمل : أطال محمد العلي وقفته التأملية  أمام الماء، ليس كما ( نرجس ) وأسطورته، لكن بنبرة مرتفعة تعبر عن آلام البشرية ومعترك الحياة متخذا موقفا مجابها ضد العبثية والطغيان :  سوف أبقى  .. أحدق في الماء  .. لا لأنظر  وجهي فيه .. بل لأصرخ في وجهه : كيف لا يعرف الخجلا ؟  كيف لا يستحي من تدفقه وهو. يروي الفناء . يروي الطغاة الذين أبادوا معانيه .. ٥- جغرافية الماء :  كان للبحر نصيب وافر من قصائد العلي متأملا في زرقته النائية بهواجس الفقدان، ونجد حضورا آخر للنهر الذي يرجع القهقرى،  وفي صورة أخرى ما يفعله النهر الذي يشبه فعل الحب في الكون  والعناق الذي يلتقي فيه كل الجحيم . وفي التقاطة أخرى :  الفراتان شاخصان وعشتار. تغني  مما يليها الجنان، كذلك يحضر. نيل مصر وروشة لبنان . محمد العلي كائن مائي، قد يبدو أكثر تشاؤما عندما يفتح النافذة السوداء، لكنه شاعر يحس بنفسه وبالكون قاطبة عندما قال لنا بصيغة العارف : لاماء في الماء