مجموعة إنسان.

 وكانت مأساتها الحقيقية تتمثل في قلبها، إذ أنها تعيش كل المواقف والأحداث بقلبها المرهف، وبمشاعرها شديدة الحساسية. فالمواقف التي قد لا تحرك ساكنًا في غيرها، أو لا تثير اهتمام سواها، تكون كفيلةً بجعلها حزينةً باكيةً ومكتئبةً لأيامٍ أو أكثر.  ومن التناقضات المدهشة فيها، أنها رغم تلك الهشاشة والرهافة الخفية أحيانًا والظاهرة أحيانًا أخرى، لكن لن تراها في الغالب إلا شامخةً مكابرةً صابرةً ومتحديةً لكل ما يحاول المساس بكرامتها وكبريائها.  تستطيع مواساة الجميع، ولكنها لا تقبل المواساة والعطف من أحد، تعطيك بسخاء، بينما تحرم نفسها أحيانًا كثيرةً من أشيائها المفضلة مُؤثِرَةً الآخرين على نفسها.  تتظاهر بالغباء وعدم الفهم في كل موقف تشعر بأنه سيسبب حرجًا أو انكشافًا لحقيقة أناسٍ تحبهم، ولا تريد أن تشاركهم لحظة تعريهم تلك، أو حرجهم، لأن ذلك يؤلمها كما يؤلمهم وبقوةٍ.  شديدة الملاحظة، وما أتعس من هم كذلك، تقرأ مابين السطور، وتعرف ما يجول في العقول قبل أن تنطق بذلك ألسنة أصحابها، لا لأنها تعلم الغيب أو ساحرةٌ يساعدها الجن في ذلك، إنما لكثرة ما خَبُرَت الناس، ورأت منهم. ليست شغوفةً بالتجمعات والظهور، ولا تهتم بالتعرف على الآخرين، لأنها منشغلةٌ بنفسها، غير مسكونةٍ بالفضول، ومراقبة الناس. عصبيتها وسرعة انفعالها لا تأتي عبثًا، ولا نتيجة موقفٍ واحدٍ، فهي تكون قد احتملت كثيرًا قبل أن تنفجر غاضبةً، ومع ذلك فمن جميل سجاياها، وكريم خصالها أنها سريعة الرضا كما هي سريعة الغضب حين تتلقى الاعتذار المناسب والموازي للموقف الذي أغضبها.  لا تستطيع ادعاء مشاعر المحبة الكاذبة لأشخاص لا تحبهم حقًا، وفي المقابل لن تظهر بغضها لمن تبغض إلا إذا استدعى الأمر ذلك. جريئةٌ في خوض غمار الحياة، ومترددةٌ في اتخاذ القرارات، شجاعةٌ للغاية، ومسكونةٌ بالمخاوف، متفائلةٌ بدون أسبابٍ واضحةٍ ومحددةٍ، رغم كم الإحباطات التي تعيشها بصمت، وذلك لحسن ظنها الكبير بخالقها. لا تعاتب، لأن ما يأتي بعد العتاب وعن طريقه يغدو مصطنعًا بلا قيمةٍ ولا روح، وهي تكره التمثيل والتصنع أيما كره.  أَلِفَتْ السير في دروب الحياة وحيدةً، حتى باتت ترهبها جموع البشر، فتلوذ بوحدتها وتأنس بها، وتخشى من اقتحامهم حماها. تعيش بوجهٍ واحد، ويصدمها أصحاب الوجوه المتعددة، والأقنعة المزيفة.  تعشق الغروب، وتفتح عينيها للصباح بتثاقلٍ متمنيةً لو أنه لم يأتِ.  هي تلك الروح الطائفةِ في الحياة، ولا ترعبها فكرة المغادرة قط.  الخلاصة أنها مجموعة إنسان تجمع في أحيانٍ كثيرةٍ بين الشيء وضده، والصفة وعكسها.  * رجال ألمع