وجدت كابوسا محبوسا بكافة تفاصيله في كأس ماء قضى ليلته على الطاولة بجانب رأسي، كل يوم أضع كأس ماء تحسبا للعطش، لكن يبدو أني أثناء النوم ارتشفت من الكأس فانزلق الكابوس إليه. وبهذه الطريقة عرفت كيف أجمع الكوابيس، كل ليلة انصب له مصيدة في كأس الماء ثم اخرجه لسطح البيت يكمل ليلته تحت ضوء القمر، هذه كانت وصية امرأة شابة رأيتها في الحلم وأوصتني أن أتجنب الليالي المقمرة، لأن البدر سيحول الكابوس إلى ذهب وألماس وأحجار كريمة! ولم أفهم حينها لماذا أتجنب ذلك، لماذا توصيني هذه المرأة الغريبة وصية خائبة كهذه، وأنا على بعد خطوتين من الثراء، لقد عاكست وصيتها وصرت أترقب ليالي منتصف الشهر لأضع مصيدة الكوابيس تحت ضوء القمر، أول كابوس اصطدته منتصف الشهر صعدت به مسرعة لسطح المنزل ووضعت الكأس في مكان اعتقدت أنه مكشوف تماما تحت ضوء القمر، وكان القمر تلك الليلة، ساحرا ومضيئا بضوء ازرق خافت، ولم أنزل بل سهرت بجواره أراقب التجربة، أظن أني رأيت داخل الكأس خيطا كهربائيا رفيعا سرعان ما اشتعل وانطفأ، وبقيت بجواره حتى طلوع الفجر لكن شيئا لم يحدث، ونزلت خائبة لغرفة نومي. وأنا أفكر ما الشرط الذي اختل في تلك الليلة، هل لأني عاكست الوصية؟!. ثم قررت الشهر التالي أن أسلط كاميرا دقيقة على موقع الكأس وأختبيء، لأرى ما الذي يحدث بالضبط. لكن الخيط الكهربائي اشتعل وانطفأ بسرعة كبيرة لا يمكن ملاحظته لو لم أبطيء التسجيل، كان يلوب مثل مخاض مبكر أو هو مثل إعصار صغير فيه نار ويختفي داخل الكأس ليعود سطح الماء للركود. ظللت على ذلك تسعة أشهر، إما أني لا أرى كابوسا، أو أن أنسى أن أشرب في اللحظة المناسبة لانزلاق الكابوس داخل الكأس، أو أن شيئا لا يحدث تحت ضوء القمر. في الشهر العاشر ظهرت المرأة صاحبة الرؤيا وهي تمشي بكسل خلف تورم بطنها المتضخم فيبدو كما لو كانت حامل لكني لست متأكدة هل هي الحامل أم أنا، راحت تدور في غرفتي ثم خرجت دون أن تتحدث. جاءتني فكرة وأنا أشاهدها تخرج من باب الغرفة، لماذا لا أجعلها تنزلق في الكأس واصطادها حتى تجيب على كل اسئلتي وتخبرني بطريقة تحويل الكابوس لذهب وألماس وأحجار كريمة. لكنها انقطعت عن زيارتي عامين متتالين، وأنا أكمل ما بدأته من اصطياد الكوابيس كل منتصف شهر وأحيانا أجمع كابوسين أو ثلاثة في كأسٍ واحدة حتى تتكلس أطراف الكأس ويتحول لون الماء إلى اللون الأحمر اللزج، ثم وبعد عامين من زيارتها الأولى عادت لرؤياي ومعها طفلة ابنة عامين تشبهني في طفولتي، هل عقلي اللاوعي يعيد انتاج ذاتي؟ أم أنها تشبهني دون هدف محدد، أم هي ابنتي؟. نجحت في شرب الماء في الوقت المناسب، انزلقت البنت وليس المرأة. ووضعت البنت تحت ضوء القمر فرأيت يديها تتحول لذهب وعنقها لزمرد أخضر وقدميها لعقيق ولبست من الثياب الحرير الأبيض، كانت في جنة صغيرة داخل الكأس الكريستالي ووثقت كل ذلك بالكاميرا، تأكدت أن التصوير مازال يعمل ثم خرجت من مخبأي لألتقط الكأس وما أن لمسته بأطراف أصابعي حتى تجمدتُ وبدأت أتحول بدوري، فعيني صارتا حجرين كريمين ويدي من ذهب وعنقي زمرد اخضر، وقدمي عقيق. تجمدت تماما وشعرت بتلك المرأة الغريبة تطوف من حولي بهندام مبعثر وشعر أشعث كانت مثل المجنونة طافت حتى الفجر. وهكذا لم يكتشف أمري أحد إلا بعد عقود حين تحول بيتي لمزار ومتحف ترعاه الدولة ويجذب السياح والزوار، يلتقطون الصور للتمثال النفيس النادر ويتحدثون عن عبقرية الفنان الذي نحتني ثم كساني بماء الذهب والأحجار النادرة، ولا أظن أن أحدا اكتشف سر الكاميرا التي اتلفتها عوامل الطقس وأشعة الشمس.