كالظل أسير إلى جوار البحر .
أصحو على صوتِ الأذانِ يرنُّ في أذنيَّ، أفتحُ مقلتي، فأرى خيوطَ الفجرِ تعكسُ لونها فوقَ الأريكةِ، في الصباحِ يمرُّ عمالُ النّظافةِ، يحرصون على الهدوءِ، وليس من عاداتِهم أنْ يطرقوا الأبوابَ إلا خفّةً، وأنا هنا كالظلِّ لا ألوي على شيءٍ لأفعله، فهذا اليوم يوم السبت، لم أذهبْ إلى عملي، ولن ينتابني قلقُ المضي إلى الكتابة. *** أمشي على كورنيشِ جدةَ، موقنا أنَّ المدائنَ ليس تشبه بعضها؛ مثل النساء، وليس كلُّ مدينةٍ تعطيك بهجتها كما تعطيك جدةُ، فتنةً، عشقاً، غواياتٍ، نساءً ليس يشبهن النساءَ، قصيدةً في الحبِّ، تعطيك الذي تصبو له، وأنا هنا أمشي جوارَ البحرِ مسرورا من الألوان فوقَ الرملِ، بالأطفالِ يلهوا بعضُهم بالماءِ، ضحكاتِ الصبايا الحاسراتِ الرأسِ، لكنّي أصابُ للحظةٍ بالانكسارِ، وأبتغي نفسا جديدا ليس يرقب خطوتي، من حيثُ ألمحُ بعضَ عُمّال البناءِ مُكدسين على السلالمٍ، في ملامحِ بعضهم حزنُ الفراقِ لأمهِ، شوقُ المحبِّ، ورهبةُ الرجلِ الغريبِ إذا تساورهُ الكآبة. *** أمشي جوارَ البحرِ لا ألوي على شيءٍ، فأنظرُ في النساءٍ على الممرِ يسرْنَ في خَفَرٍ، ويقصصنَ الحكاياتِ الحميمةَ، ربما أبدو فضوليا لأنْظرَ مرغماً فأرى هنا الجسدَ الرشيقَ، وآخراً بضّاً، أرى الألوان؛ تبهجني، فأمكثُ في المكانِ، غوايةٌ هنّ النساء غوايةٌ، وأنا المتيُمُ بالنساءِ، أسيرُ محفوفا بعطرِ العابراتِ من الصبايا، بالمواعيدِ التي في البالِ، بالموجِ الذي يأتي ندياً هادئاً مثل السحابة. *** أمشي جوار البحر في هذا الصباحِ محملا بالذكرياتِ، أرى عباراتٍ على الجدرانِ، بيتا للمعرّي، حكمةً في الفقرِ، قولا موغلا في القبحِ، لا أهتمُ بالمعنى، ولا أدري أصوتُ الناي للعشاقِ أشجى أم ترى صوتُ الربابة.