الحفلة في معدة وحش.

لنجرب حيلة صغيرة ولتكن محاولاتك دائماً المحاولة قبل الأخيرة، كنت أكترث قبل كل هذا الضعف لأقوال المتذمرين حتى لم يبقَ بداخل هذه الروح متسع. أتظنين أن تلخيص هول الأشياء أمرٌ سهل؟ حتى الاستطراد في بعض الأحيان معجزة! تقول أمي: لا تصبحي كديانا، لا تعطي الحب كثيراً حد الرضا بالهامش، إن ديانا قدمت لهم الحب حد استرخاص حياتها على وجه هذه الأرض. إياكِ أن تكوني ديانا أخرى. حينها شعرت فعلاً أنني على ذات الطريق في جسر ألما، وأنني الصحفية الوحيدة التي ستتسبب بقتلي، وقبل الحادثة التي كانت ستتكرر على غرار لعنة الحوادث، والآثار، وغرائب هذا الكون وكي لا أكون لعنة ديانا الأولى؛ تداركت الأمر، وانتصرت لنفسي من فرط هذا الحب الذي يجعلني أتوارى للموت. أي عزلةٍ هذه التي حتمت عليَّ أن أقبع في رحمٍ لا أعرف ما ينتظرني خارجه؟ وتناديني أمي: لا تخرجي يا صغيرتي فأطرافك دون مخالب، وأندادك مكتملو النمو، لا تخرجي فكل الأحلام لا تتحقق، وكل الاستحقاقات لا تتم، لا تخرجي فإن الرياضيات التي برع فيها الخوارزمي، وتفوق فيها فيثاغورس رمتني أصارع داخلي ألف عالمٍ، وألف محاربٍ، وكون شتاتٍ، وخوف. أركلها؛ لأستنطق العاطفة فتهمس: ما زالت الحفلة يا صغيرتي في معدة وحش، وما زال الغراب يواري سوءة أخيه، بعض الحقيقة على قرن ثور كلما غضب تشتتت، وبعضها على جناح عصفور كلما فزع تبعثرت في أرجاء كونٍ فسيح، لا تجادلي في وقت الرقص على الرفات، لنساير فقط الأحداث فالحفلة لم تنتهِ بعد، لا تتساءلي عن المستقبل وعن الفضاء المجهول، إن معدة الوحش آمنة من مواجهته، تحركي معي بحذر وكوني رقيقة ولنعشق الهررة والكلاب التي تؤكل عند بعض الشعوب فتنتقم من سكوتنا على ذلك شر انتقام، بعض الفخاخ يجب أن نمشي بجوارها، هذا جنوني لإنقاذ حياة ولكنه يمنحنا السيطرة؛ فنحصل على أمنياتنا دون مغامرة. إنما الدهشة أن تعيش طويئفة الوحشيات بسلام، وأما الطبيعي فهو كل ما يحدث الآن. هل ترويض الأسد يلغي هواجسه وأطماعه وحيوانيته؟ السكوت من أمي بعد هذا السؤال ليس علامة الرضا، وأنتِ يا جميلتي تعلمين ذلك جيداً.  لكن! أخبريني عن النافذة التي أحبها هل ما زال النيل يستلطفها ويخصها بالنسيم؟ أخبريني عن العازف في البلدة القديمة هل ما زال ينشر الفرح؟ ماذا عن صوت البائع المتجول الذي نتسابق للشرفة؛ كي نسرق من ملامحه القصص؟ أما أنا سأخبرك عن التيه وكيف أنه كلما كانت نهاية الأمور حتمية السوء تصبح رغبة الانتقال للبرزخ حتمية التكاثر، حتى مع أصوات المحدثين بالمحاكمة المخيفة التي تتم؛ سيبقى عالمٌ وردي مقابل العناكب والوحوش التي تلتهمنا وتلفظنا لأيامٍ أسوأ. آه يا أخيتي كم من حبٍ لا يُكتب، يعتقه السهر ويحمل النهار صرخته، وكم نحن ملوثون بهذه المشاعر التي تعكر صفونا. أتذكرين الصباحات الجميلة التي تتزين بالموسيقى؟ التحليق الروحي معها في جماليات الشعور دون باعث أو مفسد حقاً مختلف، لا تتواتر الأفراح ولا تدوم لذلك لا عليك حين تسوء الأيام، فهي استنطاقٌ للكتابة، وإيذانٌ للمستحيل بالتبدد وللأفكار بالولادة. الآن ونحن في العزلة سننتشي حرية؛ لأن سعادة المرء وسعة دنياه تبدأ من الداخل وإن لم تبدأ فكل الحريات سجن يا صغيرتي كل الحريات سجن. هذه الزوبعة من الأفكار، الأشياء الحتمية والحياة بكل جمالها لا تترفق بنا، هذا المد التنفسي الذي ينطلق بزفرةٍ من أعماقي للسماء؛ ينهي تعقلي حقاً. أتعلمين أن حلم الأمس الذي جعل ذاك الجميل يتسلل إليَّ بلهفة؛ حكم عليَّ بالنوم طويلاً؟ يلطف المصائب العظيمة ويمنحني الحياة، ومازالت الحفلة في معدة وحش كما تقول أمي، وما زال الغراب يواري سوءة أخيه.