سالفةُ الذئابِ البيضاءِ

سمعَ كثيراً عن الذئابِ البيضاءِ، وأنَّ موطنَها قممُ الجبالِ، حلمَ أن يبلغَ مداها، وتذكَّر أنَّ كبارَ السنِ في قريتهِ يهجِسونَ بشيءٍ خفيٍّ عنها، يصمتُونَ إذا جاءَ ذكرُها، حتَّى باحَ له أحدُهم بخبرِ رجلٍ حاصرته ذئابٌ بيضاءُ، فصعدت حبيبتُه إلى قمةِ الجبلِ تبحثُ عنه، وأكملت صعودَها بنفسٍ متقطعٍ، غير أنَّ همتَها كانت تتصاعدُ، فهمُّها الكبيرُ أن تنقذَه، ولما رأته منكفئاً على نفسِه، شاردَ الذهنِ، فاقدَ البصيرةِ رمتهُ بحصاتِها، فرفعَ بصرهُ ببطءٍ، ثم أقبلَ نحوهَا: - من أنتَ؟ - حبيبتُك. - لا أظنُّ أنَّ أحدًا أحبَّني، فمن سيحبُّ رجلاً ستينيَّ العمرِ، عاجزاً عن إنقاذِ نفسِه. - أنا من تهواكَ، من ستهزمُ ذئابكَ، من ستعيدُك إلى شغفِ الحياةِ. شعرَ أنَّ من واجبِه أن يسألها عن حالها، وكيفَ وصلت إليهِ، وكيفَ شعرت أنَّه في خطرٍ، لكنَّها قطعت تفكيرَه: ألستَ القائلَ: صباحٌ تنزلَّ بالبشائرِ وجهُها وأضفَى على الصُّبحِ المنيرِ مشاعلُ - سيدتي، أنا لم أشعر بما قلتِ، فقد كنتُ بين يقظةٍ ومنامٍ. ألستَ القائلَ: قوامٌ ما له كسرٌ يصدُّ الريحَ وهو يميلُ لا عليكِ سيدَتي، كانت صبواتٍ عاشقٍ. ألستَ القائلَ: يا قلبَها لستَ وحدك بل في الهوى قلبي معك كنتُ أعزّي قلبي فحسبُ. وحتى إن أنقذتني فلن أنجوَ من سطوةِ الذئابِ البيضاءِ. *** لحظتَها قامت حبيبتُه بجرِ السَّحابةِ نحوَه، وصعدتْ به إلى مدارجِ البركاتِ وملتقى الألوانِ، فاختلطَ بياضُ الذئابِ بألوانِ الطَّيفِ التي تصنعُ البهجةَ وتلغي الانكفاءَ!!