الملك سلمان وعلامة الجزيرة:

علاقة علم ورحم وفاء.

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله - هو الملك القارئ والمثقف المتابع ،وعاشق التأريخ ، وتشهد بذلك مجالسه وامسياته وحواراته مع المثقفين والمفكرين والمختصين في التأريخ الوطني من داخل المملكة وخارجها ، هذا الملك العظيم له دور كبير في نشأة وتأسيس العديد من المؤسسات الثقافية التي ما زالت تنير الطريق في المشهد الثقافي السعودي والعربي فهو سيد المبادرات وداعم المبادرات الثقافية كما فعل مع مؤسسة حمد الجاسر الخيرية (الثقافية) فقد رحب ايده الله بفكرة تأسيسها وشرفها برئاسته الفخرية وحضر اجتماعاتها السنوية مما جعل منها انموذج للمؤسسات الثقافية الوطنية المؤثرة ، ومما أتذكره ، في هذا الشأن لما توفي علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله، في 16 / 6 / 1421هـ ، ولما عاد الملك سلمان من سفره آنذاك بادر رعاه الله بزيارة منزل حمد الجاسر “ دارة العرب “ بحي الورود وقدم العزاء لأسرته و محبيه وتلاميذه، مما كان لهذه الزيارة الميمونة الحانية من مدلولات أخلاقية عالية، وفي ذات الزيارة ، دار حوار بين بعض الأوفياء من الحاضرين حينها حول إيجاد مشروع لتخليد ذكرى الشيخ حمد الجاسر ، فأيد الملك المبدأ على أن يتم الاجتماع لعدد من المهتمين بهذا المشروع ويرفعون له ما يتم التوصل إليه من أساليب عملية لتنفيذ هذه الفكرة بعدها وافق الملك سلمان على على إطلاق مؤسسة حمد الجاسر الخيرية ، ثم شرّف حفل اعلانها المؤسسة في قاعة الملك فيصل بفندق انتركونتيننتال عام 1421هـ وتبرع بمليون ريال وقال – أيده الله – في كلمته في الحفل آنذاك : “ كانت تربطني بشيخنا حمد الجاسر علاقة خاصة ومتينة وصلتي به رحمه الله قوية فقد كنت أستعين به وأستفيد منه في كثير من البحوث والكتب التأريخية التي أرجع إليها وأستنير برأيه حولها فكان رحمه الله ذا رأي دقيق ورؤية علمية صحيحة “ ولما بدأت اللجنة التنفيذية للمؤسسة بالخطوات العملية لإطلاق المؤسسة الخيرية عرضوا على الملك سلمان الرئاسة “الفخرية” للمؤسسة فقبل حفظه الله كعادته لدعم سبل الخير وتقديرا منه لعلامة الجزيرة وعندما تم تكليفي رئيسا لمركز حمد الجاسر الثقافي عام 1423هـ وقفت بنفسي على خارطة علاقة خادم الحرمين الشريفين رعاه الله بالمثقف والمثقفة السعودية دعما وتوجيها بل كان يحرص رعاه الله أن يحضر الاجتماع السنوي لمجلس أمناء المؤسسة في منزل الفقيد حمد الجاسر كما كان يحرص عند حضوره اجتماعات المجلس أن يصطحب بعض أبنائه الأمراء لحضور مثل هذه المجالس الثقافية و أذكر أن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله قد حضر بعض من تلك الاجتماعات بمنزل حمد الجاسر رحمه الله. وكان معالي الدكتور ناصر الداوود نائب وزير الحرس الوطني، يحضر اجتماعات مجلس أمناء المؤسسة في معية خادم الحرمين الشريفين الرئيس الفخري للمؤسسة حمد الجاسر الثقافية عندما كان معاليه مديرا للمكتب الخاص لأمير منطقة الرياض آنذاك، إبان تولي الملك سلمان -أيده الله _ إمارة منطقة الرياض وقبل انعقاد مجلس الأمناء على مدار ثلاث سنوات، كنا في اللجنة التنفيذية للمؤسسة نزور الملك سلمان في مكتبه بمقر إمارة منطقة الرياض، لنعرض عليه التقرير السنوي للمؤسسة وجدول اعمال اجتماع مجلس الأمناء. وفي هذا الطقس الثقافي المميز على مدار ثلاث سنوات إبان ادارتي لمركز حمد الجاسر الثقافي تشرفت بزيارة الملك سلمان في إمارة الرياض اكثر من مره برفقة اعضاء اللجنة التنفيذية للمؤسسة برئاسة معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر وزير الدولة رحمه الله رئيس مجلس الأمناء ونائبه معالي الدكتور ابراهيم العواجي وعضوية المهندس معن الجاسر رئيس المؤسسة ، والاستاذ حمد القاضي أمين عام مجلس أمناء المؤسسة و الدكتور احمد الضبيب والدكتور عبدالرحمن الشبيلي رحمه الله والاستاذ محمد رضا نصرالله ومن خلال زياراتي المتكررة للملك وحضوري لمجلس الأمناء الذي يرأسه بشكل سنوي خلال فترة ادارتي للمركز، عرفت عن كثب ورأيت وسمعت كيف يدير حفظه الله تلك الاجتماعات وكيف عنايته الفائقة بالتاريخ السعودي وكيف كانت علاقته الأصيلة بالمثقفين العرب وحرصه الكامل أن يمنح مثل هذه المؤسسة الناشئة من وقته وجهده لتسهم في الوفاء لرجالات الوطن أمثال حمد الجاسر الذي وصفه الملك سلمان – أيده الله في كلمته عند رئاسته للاجتماع الثالث لمجلس أمناء المؤسسة المنعقد في 2 ربيع الآخر 1426هـ بقوله : “ مثل حمد الجاسر لا يُصنع بل يصنع نفسه ، إنني أشبّه الشيخ بالمعدن الثمين ،كلما طال عليه الزمن زادت قيمته فقد طرح الشيخ -رحمه الله – أفكارا لإصلاحية متقدمة عن وقته لكن بأسلوب محبب إلى النفوس “ ، وفي لفتة كريمة منه – رعاه الله – وجه في ذات الاجتماع بإقامة احتفالية خاصة بمناسبة مرور أربعين عاما على صدور مجلة العرب . ومن خلال اجتماعات الملك التي حضرتها فترة رئاستي لمركز حمد الجاسر الثقافي رأيت وسمعت كيف كان الملك في تلك الاجتماعات ينصت لهموم المثقفين وطموحات المفكرين ويصحح ما يخص تاريخ الوطن من خلال ذاكرته الموسوعية التي تحفل بأحداث التاريخ السعودي وإنجازات رجالات الوطن •مدير مركز حمد الجاسر الثقافي سابقا