مازلت أتذكر جيدا وقائع الاحتفالية الكبرى التي أقامتها مؤسسة دار الهلال عام 1992م، بمناسبة مرور قرن كامل على صدور مجلة الهلال- أطول المجلات الثقافية عمرا في الوطن العربي- وأصدرت مجلة المصور عددا تذكاريا يليق بمكانة شقيقتها الكبرى، وأعادت الدار طباعة أعداد السنة الأولى النادرة وعرضتها للبيع، وصدرت بعض الكتب المهمة بهذه المناسبة الثقافية، وأقيمت بعض المعارض والندوات التي تناولت بإسهاب دور مجلة الهلال الريادي، وما قدمته من روائع الفكر والأدب خلال مسيرتها الطويلة. ومضت السنون سراعا على هذا الحدث الثقافي المهم وكأنه بالأمس القريب، ومن دواعي سعادتي أنني مازلت محتفظا بهذا العدد التذكاري من ضمن مقتنياتي الخاصة. وها هي مجلة المصور اليوم تستعد لحدث كبير في شهر أكتوبر القادم وهو الاحتفال بمناسبة مرور قرن على صدورها (1924- 2024م) دون انقطاع. صدر العدد الأول من المصور في عام 1924م عن دار الهلال، وكانت أول صورة تنشر على غلافه هي صورة الملك أحمد فؤاد مرتديا الطربوش وشاربه مفتولا إلى الأعلى، وكان ثمن العدد 10 مليمات! وكانت المصور - ولم تزل- تعنى بالصورة عناية فائقة، وقد استطاعت مواكبة الأحداث السياسية والاجتماعية بالصورة والكلمة معا خلال قرن، مما جعلها تمتلك أضخم أرشيف صحفي على مستوى الوطن العربي. وقد عاصرت حروبا وجيوشا وسقطت دول وحكومات، وقامت ثورات وانقلابات أطاحت بملوك وزعماء وبقيت (المصور) صامدة رغم أن عددا من الصحف والمجلات توقفت أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بسبب شح الورق ونفاده من المستودعات. وظلت لسنوات طويلة -أثناء العهد الملكي- تهتم بنشر صور كريمات الملك فاروق وشقيقاته وبعض أفراد الأسرة المالكة، وتضع صورهن على أغلفة المجلة، وكانت تحتفل في كل سنة بأعياد ميلادهن، وكان يوم مولد كريمته الأميرة فريال حدثا كبيرا تناقله كل أفراد الشعب المصري بسعادة غامرة في طول البلاد وعرضها، وشغل الصحافة آنذاك، ويقال إنه منحت نحو 1700 أسرة من الأسر التي صادف مولود لها مولد الأميرة فريال جنيها واحدا! ويعد عهد الصحفي النابه الأستاذ فكري أباظة من أطول عهود المجلة وأكثرها ازدهارا، وهو العصر الذهبي لهذه المجلة التي حققت انتشارا كبيرا وشعبية طاغية؛ ففي عهده صدرت مجموعة من الأعداد الخاصة والتذكارية التي أصبحت نادرة الآن، وبعضها يباع بمبالغ باهظة مثل: الزواج الملكي، وتذكار الزواج الملكي، وعهد فاروق الأول، وأبناء الملوك، والعدد الخاص بزيارة الملك عبدالعزيز إلى مصر. وسأستعرض في هذا المقال بعض ما صدر من أعداد خاصة عن المملكة، فلقد اهتمت المصور بإصدار بعض الأعداد الخاصة عن كل دول الخليج بعد ظهور النفط وتدفق المال وتغير الحال، فأصدرت أعدادا عن دولة الكويت بعد أن نالت استقلالها، ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد قيام الاتحاد، مشيرة فيها إلى أبرز مظاهر التطور والرقي في تلك البلاد، ومدى ما وصلت إليه من نهضة كبيرة في كل المجالات والأصعدة. وكانت تصدر عددا خاصا ضخما كل سنة اسمه (نحن العرب) يعد مرجعا عن دول الخليج في بدايات نهضتها، واستمر منذ الخمسينيات من القرن الميلادي المتصرم، ثم توقف فجأة قبل 30 عاما، وربما يكون بسبب ما آلت إليه أوضاع مؤسسة دار الهلال؛ إذ انخفضت نسبة الاشتراكات كثيرا، وقلت المبيعات، وازدادت الديون المتراكمة على الدار، مما اضطرها منذ عامين إلى دمج بعض المجلات مع بعضها وتقليل كمية النسخ المطبوعة؛ لضغط النفقات وترشيد الاستهلاك. ثم عرضت مؤسسة دار الهلال جزءا من أرشيفها الضخم للبيع بعد ثورة 25 يناير 2011م على بعض تجار سور الأزبكية بثمن زهيد، فتسربت كميات كبيرة من هذا الأرشيف المتميز إلى خارج مصر! وللأسف، فإن مجلة المصور ما زالت تطبع على مطابع قديمة انتهى عمرها الافتراضي منذ زمن بعيد، فظهرت الطباعة باهتة والألوان متداخلة والحرف صغيرًا. وأود أن أشير هنا إلى أن الصحفي الشهير محمد رفعت المحامي يعد من أوائل الإخوة الصحفيين الذين زاروا المملكة والتقى بالملك عبدالعزيز- رحمه الله- في أخريات حياته، وسجل مشاهداته وانطباعاته في كتاب لطيف عنوانه “أسد الجزيرة قال لي” وهو في الأصل مقالات صحفية سريعة نشرت في مجلة المصور. واضطرت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة أيام الاحتفالات الكبرى بمئوية المملكة العربية السعودية إلى أن تكلف الأخ د. حمد بن ناصر الدخيّل بمراجعة الكتاب والتعليق عليه، وتصحيح ما ورد به من أغلاط في التواريخ وأسماء الأشخاص والأماكن وبعض المواضع، فجاءت الطبعة الثانية أفضل بمراحل من الطبعة الأولى النادرة. ومن (الخبطات) الصحفية التي حققتها مجلة المصور هي نشرها لمذكرات الأمير طلال بن عبدالعزيز - رحمه الله- عام 1962م، بعد خروجه من منصبه وزيرا لوزارة المالية والاقتصاد الوطني، وهي مذكرات جريئة استطاع الحصول عليها الصحفي عبدالمنعم الجداوي. وقد استمرت هذه المذكرات تنشر على مدى 19 حلقة، وحسب معلوماتي فإنها لم تجمع في كتاب حتى الآن. وكانت مجلة المصور تهتم بنشر أخبار زيارات بعض الأمراء إلى مصر، وما يحظون به من حفاوة الاستقبال أثناء قدومهم، إضافة إلى نشر أخبار زيجاتهم، مثل: خبر زواج الأمير طلال بن عبدالعزيز من السيدة منى الصلح، ووثقت (المصور) هذا الزواج السعيد بالكلمة والصورة. وسأشير هنا إلى عددين خاصين - من مقتنياتي- صدرا عن المملكة، الأول صدر عام 1954م، وتبلغ صفحاته 66 صفحة، وقد صدر ابتهاجا بزيارة الملك سعود إلى مصر بعد توليه مقاليد الحكم بمدة قصيرة. ويشمل العدد تغطية كاملة عن تلك الزيارة التاريخية، مع التركيز على جهود المملكة الكبيرة في خدمة الحرمين الشريفين ورعاية الحجيج، والتعريف بعدد من رجالات الدولة من أمراء ووزراء وأعيان ، إلى جانب نشر بعض الإعلانات التجارية عن بعض السلع التي تنتجها المصانع المحلية. والعدد الثاني صدر في عهد الملك فيصل عام 1964م، وهو العدد الثاني في سلسلة “التوعية العربية” ، وتبلغ صفحاته 130صفحة، وقد افتتحه الملك فيصل - رحمه الله- بكلمة ضافية إلى كل العرب في كل مكان. ومن المقالات المهمة في هذا العدد ما كتبه الصحفي أحمد جودة السحار بعنوان: “ فيصل كما عرفته”، وما كتبه الناقد عبدالله عبد الجبار عن النهضة الأدبية في المملكة، وهي لمحة سريعة للتعريف بالأدب السعودي وأبرز رواده. وقد جاء العدد شاملا لكل مناحي الحياة في المملكة وما حققته من وثبات على جميع المجالات: تجاريا واقتصاديا وزراعيا وصناعيا وتعليميا وصحيا وإعلاميا، إلى جانب الحديث عن شبكة المواصلات الحديثة، مما أكسبه أهمية كبرى، وجعله من المراجع المهمة التي تضاف إلى إنجازات مجلة المصور وهي تحتفل ببلوغها 100 عام من عمرها المديد بإذن الله.