مع إعلان تسجيل المملكة لـ «المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية»، الواقعة جنوب غربي منطقة الرياض، في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) للتراث العالمي، تكون منظومة الثقافية الوطنية قد استطاعت تحقيق أحد مستهدفات رؤية المملكة 2023 في عدد المواقع السعودية المسجلة على تلك القائمة العالمية، مما يعزز سلسلة الإنجازات الوطنية في مجال التراث ببلوغ ثمانية مواقع ذات قيمة عالمية استثنائية. قيمة عالمية استثنائية خلال اجتماعات الدورة السادسة والأربعين للجنة التراث العالمي التي انعقدت بمدينة نيودلهي الهندية خلال الفترة من 22 إلى 31 يوليو، قامت اللجنة بدراسة اقتراحات إدراج 27 موقعًا على قائمتها، ودراسة حالة صيانة 124 موقعًا مدرجة على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. وقد أعلن صاحب السمو الملكي، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة التراث رئيس اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، نجاحَ المملكة في تسجيل «المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية» في قائمة التراث العالمي بوصفه موقعًا ثقافيًا يحمل قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني، وأشار سموّه إلى أن تسجيل المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية يعكس ما يحظى به التراث السعودي من دعم واهتمام كبيرين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء (حفظهما الله). وشدّدَ سمو وزير الثقافة على أن تسجيل عناصر التراث الثقافي بقوالبه المادية وغير المادية لدى اليونسكو يأتي انطلاقًا من عُمق المملكة التاريخي، ويُترجم دورها الريادي في خدمة التراث الإنساني العالمي المشترك، ولفت إلى أن مظلة رؤية المملكة 2030 تشدد على أهمية الاعتزاز بالهوية الوطنية التي يُعدّ التراث الوطني أحد مكوناتها الرئيسية، وأضاف سموّه: «تدرك المملكة أهمية التراث والحفاظ عليه، وتثقيف العالم به؛ لخلق أساسٍ صلب للحاضر، ورسم خارطة طريق للعمل نحو المستقبل، وتدعم هيئة التراث جهود تطوير الأصول الوطنية التراثية، وتوليها اهتماماً عالياً؛ لزيادة الوعي بها، والحفاظ عليها، لضمان استدامتها وتناقلها للأجيال القادمة». منطقة الفاو الأثرية يُذكر أن منطقة الفاو الأثرية الضارب تاريخها في جذور الزمن تقع في محافظة وادي الدواسر جنوب الرياض، وتمتد على مساحة محمية تبلغ 50 كيلومترًا مربعًا، وتحيطها منطقة عازلة بمساحة 275 كيلومترًا مربعًا، عند تقاطع صحراء الربع الخالي وتضاريس سلسلة جبال طويق التي تشكل ممرًا ضيقًا يسمى «الفاو»، وهو الطريق التجاري القديم المعروف بطريق نجران - الجرهاء، مما أكسبها أهمية بالغة في عصرها، وجعل منها مركزًا تجاريًا مهمًا للقوافل التجارية بين جنوب الجزيرة العربية وشمالها الشرقي. ويعود تاريخ «الفاو»، أو «ذات كهل» كما تشير المصادر والكتابات القديمة إلى ما قبل الإسلام بخمسة قرون، وكانت عاصمةً لمملكة كندة من القرن الرابع قبل الميلاد وحتى أوائل القرن الرابع الميلادي. وتشير الحفريات الأثرية إلى فرضية اشتغال أهل تلك المنطقة بالتجارة والزراعة، كما كان لها علاقات وثيقة مع الممالك التي كانت في جنوب الجزيرة العربية مثل: سبأ ومعين وقتبان وحضرموت وحمير، وكشفت الحفريات الأثرية أن المدينة تطورت من محطة مرور للقوافل الصغيرة إلى مركز تجاري وحضري مهم في وسط الجزيرة العربية. تحتوي المنطقة على مظاهر متنوعة تفاعل فيها الإنسان مع بيئته، تشكّلت بتشكيلاتٍ واضحة تتوافق مع التصنيفات الأثرية التي تعود إلى فترات زمنية قديمة، والأدلة الأثرية التي تعود إلى عصر فجر التاريخ، وقد بدأ اكتشاف ملامح قرية الفاو في أربعينيات القرن الماضي، وفي مطلع السبعينيات، قام قسم التاريخ بجامعة الرياض (الملك سعود حاليًا)، بعمليات تنقيب متعددة في تلك المنطقة، تحت إشراف الدكتور عبدالرحمن الأنصاري رحمه الله، وكشفت عن أطلال قصر ومعبد وسوق يضمّ عددًا من الحوانيت، وتبيّن أن هذا القصر كان مزيّنًا برسوم جدارية نادرة، كما تم العثور على منطقة لمزاولة شعائر العبادة وبقايا مائدة لتقديم القرابين، كما عُثر على العديد من النقوش التعبدية المنتشرة في المكان، وكذلك بقايا مستوطنات بشرية تمتد إلى 8 آلاف سنة، وأكثر من ألفي قبر تمثّل فترات زمنية مختلفة، وهناك واحة قديمة احتوت على مجموعة من أنظمة الري. تعزيز الحضور العالمي زيادة عدد المواقع المدرجة ضمن مواقع التراث الوطني واليونسكو يسهم في تحقيق عدد من المؤشرات المتعلقة بقطاعي الثقافة والسياحة ومنها الإسهام في زيادة أعداد السياح إلى المملكة للوصول إلى أكثر من 1.5 مليون زائر سنويًا لهذه المواقع. وبهذا التسجيل الأخير تصبح المواقع السعودية المسجلة على قائمة التراث العالمي 8 مواقع؛ وهي: موقع الحِجر الأثري (1429هـ/ 2008م)، وحي الطريف بالدرعية التاريخية (1431هـ/ 2010م)، وجدة التاريخية (1435هـ/ 2014م)، وموقع الفنون الصخرية بمنطقة حائل (1436هـ/ 2015م)، وواحة الأحساء (1439 هـ/ 2018م)، ومنطقة حمى الثقافية (1442هـ/ 2021م)، ومحمية عروق بني معارض (1445هـ/ 2023م)، المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية (1446هـ/ 2024م). يُذكر أن عملية تسجيل المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية قد جاءت نتيجة الجهود الوطنية الكبرى التي بذلها وفد المملكة لدى اليونسكو، بقيادة هيئة التراث، وبالتعاون مع اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وإمارة منطقة الرياض، وجامعة الملك سعود، والمجتمع المحلي لمحافظة وادي الدواسر. خلال السنوات الماضية صدرت جملة من المؤلفات عن منطقة الفاو الأثرية، من أبرزها: «قرية الفاو صورة للحضارة العربية قبل الإسلام» للدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، و»المشهد الطبيعي الأثري في قرية الفاو» للباحث علي بن سعيد الزهراني، و»المقابر الركامية في وادي الفاو - دراسة أثرية ميدانية» للباحث فالح بن نايف العتيبي، و»العلاقة بين الوظيفة والشكل في الزجاج القديم من قرية الفاو» للباحثة بدرية بنت محمد العتيبي، و»الرسوم الجدارية في قرية الفاو» للباحثة فوزية بنت عبدالله الحديثي، و»نقوش عربية قديمة من شعب الشقب في جبل طويق بقرية الفاو بالمملكة العربية السعودية» للدكتور سالم طيران، و»مجامر قرية الفاو» للباحثة منيرة بنت حمد التمامي، و»الفنون المعدنية من قرية الفاو - دراسة فنية مقارنة» للباحثة مها عبدالله السنان. تحقيق مستهدفات الرؤية شددت رؤية المملكة 2030 على أهمية الاعتزاز بالهوية الوطنية التي يُعدّ التراث بجميع قوالبه المادية وغير المادية كأحد مكوناتها الرئيسية، ويؤكد النجاح السعودي في تسجيل المواقع التراثية على قائمة اليونيسكو على الالتزام بالحفاظ على تراثها الثقافي الغني، وتأصيل الجهود المتواصلة لعناية المملكة بالتراث وتثقيف العالم به، إلى جانب ضمان استدامة المواقع السياحية والثقافية وتناقلها للأجيال القادمة. في هذا السياق؛ أكد الرئيس التنفيذي لبرنامج جودة الحياة، خالد بن عبدالله البكر، أن المواقع التراثية السعودية تحظى باهتمام وحرص قيادة المملكة (حفظها الله)، وأن تسجيل المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية في قائمة التراث العالمي يعدّ إنجازًا مهمًا في إطار تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، حيث يأتي ذلك في إطار التنوع الثقافي والتراثي الذي تزخر به المملكة، مما يشجع السياح والعلماء والباحثين على زيارة هذه المواقع، والتعرف عليها عن قرب، واكتشاف أبعاد تاريخية لتراث المملكة، كما سيسهم ذلك في رفع مستوى الأنشطة الثقافية في مدن المملكة، لتصبح مراكز إقليمية وعالمية جاذبة للسياح والمهتمين من كل أنحاء العالم. إشادات وتثمين في خطوة تعكس التقدير الدولي للجهود الثقافية السعودية، هنأت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، المملكة بمناسبة إدراج موقع «المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية» ضمن قائمة التراث العالمي لليونيسكو، وأشادت الإيسيسكو في بيان بهذا الإنجاز، واستحضرت بهذه المناسبة الشراكة المتميزة التي تجمع المنظمة مع المملكة في مجال العناية بالتراث الثقافي وحمايته، وتنسيق الجهود لوضع التدابير اللازمة لصون الموروث التاريخي والعمل على تطويره، لإبراز الدور الحضاري الإسلامي ومكانة بلد الحرمين الشريفين كمركز للتلاقي الحضاري والسلم العالمي. من جهتها؛ رفعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) تهانيها الخالصة للسعودية بهذه المناسبة، وأضافت في بيان أصدرته من مقرها بالعاصمة تونس، عن استعدادها لتقديم الدعم والعون لكل مجهودات صيانة التراث بمختلف أصنافه، مؤكدة أنها ستظل أبرز داعم لكل الملفات العربية المرشحة للتسجيل لدى اليونسكو. جديرٌ بالذكر فإن لجنة اليونيسكو للتراث العالمي هي إحدى الهيئتين الرئاسيتين لاتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، وهي تتألف من ممثلين عن 21 دولة تنتخبهم الدول الـ 195 الأطراف في الاتفاقية، وتضطلع اللجنة بمسؤولية تنفيذ اتفاقية حماية التراث العالمي، ودراسة الاقتراحات الجديدة للإدراج في قائمة التراث العالمي، وتقييم حالة صون المواقع التي سبق إدراجها في القائمة، بالاستناد إلى التحليل الذي تقوم به الهيئات الاستشارية لليونسكو، وتجتمع اللجنة مرة واحدة في العام في دورة انعقاد عادية.