نادي (برايل فاين آرت)..

أنامل تـرى وتبـدع..

من يقومون بتسهيل حياة المكفوفين هم أفراد ملهمون ومؤسسات رائدة تجعل من مهمتهم دعم هذه الفئة وتمكينها من التغلب على التحديات وتحقيق الإبداع، وبفضل جهودهم يتحول الظلام إلى فضاء مليء بالأنوار والألوان . من بين هذه الفئة الملهمة نجد نادي «برايل فاين آرت» الذي يسخر القائمون عليه مهاراتهم وإمكاناتهم لابتكار تقنيات وأساليب تعليمية متقدمة، تمكن المكفوفين من تعلم الرسم وفنون التعبير البصري، وبفضل الإرشاد الحثيث والتوجيه المستمر، يُخط للمكفوفين طريقًا من نور، حيث يصبحون قادرين على رؤية العالم بأعين جديدة، معتمدين على حواسهم الأخرى وإبداعهم الفطري، فطوبى لهؤلاء الذين يبنون جسورًا من الأمل والطموح، ويزرعون الثقة في نفوس المكفوفين، مؤكدين لهم أن الإبداع لا يعرف حدودًا، وأن بإمكانهم أن يكونوا جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الفني والثقافي، مساهمين بأعمالهم وإبداعاتهم في إثراء حياتنا جميعًا. جسر من الأمل يتبع نادي «برايل فاين آرت» لجمعية أندية الهواة (هاوي)، إحدى مبادرات برنامج جودة الحياة المنبثقة من برامج رؤية المملكة 2030، وهو مُصرّح من وزارة الثقافة، ويهتم بتنمية وتعزيز مواهب ذوي الإعاقة وأصحاب الهمم، لا سيما من فئة المكفوفين وضعاف البصر، عن طريق تطويع الفن بطريقة برايل، تلك الطريقة التي اخترعها لويس برايل في فرنسا عام 1809م، التي سميت على اسمه، وأحدث بها ثورة في حياة فاقدي وضعاف البصر، وتهدف للتحفيز على القراءة والكتابة وتوطيد التواجد الفعلي لهذه الشريحة في مجتمعاتهم، والتعرف على المشكلات التي قد تواجه فاقدي البصر أو من يعانون من الضعف البصري الحاد. أسست النادي الأستاذة زهريه عبدالرحمن العواد، وهي معلمة لمادة الرياضيات، وكانت بداية عملها مع ذوي الإعاقة في البداية كمتطوعة، قالت في حديثها لمجلة (اليمامة) إنها تعلمت طريقة برايل أثناء عملها كمعلمة في إحدى مدارس الجوف على يد معلمة متخصصة بطريقة برايل في حصص الفراغ لمدة سنة كاملة، وأضافت: «بعدها حصلت على دورة بمعهد النور بجدة وبعد أن اجتزتها تم اعتمادي كمعلمة لطريقة برايل لتدريس الرياضيات في نفس المدرسة لطالبتين في المرحلة الابتدائية، واحدة كانت كفيفة والأخرى من ضعاف البصر». لفتت العواد إلى أنها فنانة موهوبة منذ أن كانت طالبة بالمرحلة الابتدائية، حيث كانت معلمة التربية الفنية داعمة أساسية لها، من خلال وضع رسوماتها بلوحة الشرف، وهو ما ساهم كثيرًا في إبراز موهبتها»، وتضيف: «وبحمدالله بدأت خلال السنوات الخمس الأخيرة بالتركيز على الرسم، وكان الدافع لذلك هو ما نراه من اهتمام من قيادتنا في دعم المواهب والذائقة الفنية لدى فئات المجتمع، ومع ازدياد اهتمام الحكومة بالمواهب بعد اطلاق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية 2030، انزاح الستار عن مواهب مدفونة من خلال ممارسة الهويات بكل سهولة وأريحية بشكل نظامي من خلال منصة هاوي، وكوني معلمة لذوي الاعاقة وفنانة في نفس الوقت، جاءتني فكرة الدمج بين الفن وطريقة برايل للمكفوفين، ومن هنا نشأت فكرة تأسيس النادي». من التحديات تُولَد الفرص يمثل نادي «برايل فاين آرت» نموذجًا يحتذى به في كيفية تحويل التحديات إلى فرص، من خلال تقديم الدعم والتدريب والموارد اللازمة لفاقدي وضعاف البصر، ليس فقط لتحسين حياتهم اليومية، بل ولإطلاق طاقاتهم الإبداعية الكامنة، مما يساهم في إثراء المجتمع بإبداعاتهم وإنجازاتهم. تشير العواد إلى أن الهدف من إنشاء النادي هو: دمج الفن بطريقة برايل من خلال لوحات يتحسسها المكفوف أو خلال لوحات للمبصر يرى النقاط ويتعرف على طريقة برايل كوسيلة لتعليم المكفوفين، إلى جانب دعم المواهب من ذوي الإعاقة بجميع فئاتهم من خلال الفعاليات والورش والدورات التي يقيمها النادي ودمجهم مع باقي فئات المجتمع. تضيف العواد: «تم دمج المكفوفين بفعاليات النادي من خلال استضافتهم ضمن أنشطتنا وفعالياتنا لتعريف الزوار بطريقة برايل من خلال كتابتهم العبارات الترحيبية لهم ببطاقات خاصة، ومشاركة عدد من الفنانين للمكفوفين بمعارض وفعاليات النادي، وتشجيعهم على إقامة الورش الفنية أمام زوار الفعاليات من خلال الرسم المباشر وتعريف الجمهور بطرق يستخدمها الكفيف للرسم، بالإضافة إلى تشجيع مواهب ذوي الإعاقة ومنهم المعاقين عقليًا وحركيًا بممارسة هواية التصوير واعتمادهم في تغطية فعاليات وانشطة النادي وتوثيقها». تشير العواد إلى أن «النادي تمكن من توسيع نشاطتها من خلال إضافة لهواية الخط والحرف اليدوية كالسدو والعسيب والأشغال اليدوية مثل التطريز وغيره، جميع هذي الأنشطة كانت دافع لذوي الإعاقة لتعزيز الثقة بالنفس والانتماء والعمل مع باقي الاعضاء بروح الفريق الواحد»، وأضافت: «أقام النادي العديد من الأنشطة والفعاليات بالشراكة مع عدد من المؤسسات ساهمت بشكل كبير في نجاح وظهور وإبراز دور النادي كداعم لفئة ذوي الإعاقة، وكان الدعم الأكبر للنادي ما حظي به في بداية تأسيسه بعمر الشهر من دعم من سمو أمير منطقة الجوف فيصل بن نواف بن عبدالعزيز، من خلال اقتناء جميع لوحات معرض مهرجان الزيتون كدعم للنادي في بداياته، فكانت هذه الخطوة هي الدافع الأكبر لنا للعطاء والاستمرار والوصول لأكبر عدد من مناطق المملكة والمشاركة في محافل فنية عالمية بمواهب وفنانين من ذوي الإعاقة». وتشير العواد إلى أن «الحلم الأكبر لنا هو إنشاء مركز للفن الحديث يهتم بمواهب ذوي الإعاقة بجميع فئاتهم، والاستفادة من مواهبهم وتعزيز دورهم في المشهد الفني والثقافي عربيًا وعالميًا». نورٌ يضيء الظلام تكمن أهمية طريقة برايل في كونها الطريقة المستخدمة للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، والتي يتم من خلالها إذكاء الوعي لأهميتها بوصفها وسيلة للتواصل مع المكفوفين وضعاف البصر، وتقوم هذه الطريقة برايل على لمس بعض الرموز الأبجدية والرقمية، عن طريق استخدام 6 نقاط، وهذه النقاط تقوم بتمثيل العديد من الحروف والأرقام، والمرتبة في عمودين، ثلاث نقاط رأسية في جهة اليمين وثلاثة على اليسار، والخلية الواحدة يمكن أن تستخدم لتمثيل الأحرف الأبجدية مع العدد أو علامات الترقيم أو حتى الكلمة بأكملها، ومن هذه النقاط الست تتشكل جميع الأحرف والاختصارات والرموز، ومع دخول جهاز الحاسب الآلي دخل نظام النقاط الثمان؛ ليعطي مجالًا أشمل لاستيعاب عدد كبير من الإشارات والرموز. وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية؛ هناك ما يقارب 39 مليون شخص يعانون من العمى، كما يعاني 253 مليون شخص من ضعف حاد في الرؤية، وأنَّه كل 5 ثوانٍ في العالم يتحول شخص إلى فاقد للبصر، بينما الأطفال كل 60 ثانية على مستوى العالم، و65% من المصابين بضعف النظر هم فوق سن الـ 50 عامًا، وتتوقع التقديرات أن يرتفع عدد فاقدي البصر إلى 75 مليون شخص. جديرٌ بالذكر، أن المملكة قد قطعت خطوات ملموسة منذ وقت مبكر لخدمة وتطوير برامج العمل للمكفوفين في مجالات كثيرة، حيث أنشأت المعاهد والدورات والبرامج المختلفة، إلى جانب تهيئة المدارس والجامعات عبر برنامج وطني والذي يضمن حق المكفوفين في العلم والمعرفة، وكانت طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل إحدى أهم الدلائل على مدى الاهتمام بفئة المكفوفين، حيث تتميز بأعلى مواصفات الجودة شكلًا ومضمونًا، وذلك بعد أن خضعت للتدقيق والمراقبة الشاملة من قبل المختصين في هذه الطريقة، ناهيك عما تقوم به وزارة التعليم لخدمة هذه الشريحة من المجتمع بتطوير تعليمهم وفق أحدث طرق التدريس، ودمجهم بشكل كامل في المدراس، بما ينسجم مع رؤية المملكة 2030.