كفى

ما الكتابة؟ ما الشعر؟ ما اللغة المستباحة، تلك التي تستحيل رمادا إذا قلتها؟ ما انتظارك للأمس؟ أفرغ فؤادك من كل ماضيه، من كل أشواقه وخيالاته ووديانه المترامية القاحلة، وما فيه من لؤلؤ نسي الدهر أن يسحقه، وصور لنفسك، في نشوة جامحة، بركة من ضياء القمر، وتغارق بها، ناثرا فوق سمعك كل حنين المواويل، وكل ابتسامات لقيا المحبين فوق شواطئ أحلامهم. كن مليئا بنفسك، وبمن زرعوا في فؤادك أشجارهم، والذين يجيئون من كل نبع بلا أقنعة. ثم أصفق الباب خلفك، لم يبق ما يستجيب لرؤياك في الأرض. ما الذي سوف يأتي، وقد جف نهر الزمان، وغاضت من البحر زرقته، وتوارى الأمل، خجلا من تسوّله المستحيل؟ غير أن الجذور التي في حناياك ما زال يوقظ فيها الربيع براعمه، فتكتظ أغصانها بالثمار. املأ الكأس غيلان، خذني إلى ربع خولة، تلك التي لا تزال مجللة بالغياب، وبالزهر ينثره الحالمون على طيفها، ودعني بحشرجة الانتظار، ثم انسني عند غرغرة الليل بالفجر، حيث تجيء الأماني كما يشتهي الشعر، سربا من القبل الحارقة. غيلان لا تنتظر خطو صبحك، لن تستجيب الشناشيل مهما سفحت من الانتظار، كن معي، فارغا من تذكر كل بنات القمر، نستمع لهديل الأباريق، وندعو الذين تشظت قلوبهم : لا تبالوا بكل الذي كان، حينها تتدلى العناقيد، فرحة اثر فرحة . تشبث بنسيان صحوك غيلان، صب الحريق على الذكريات، واطفئ مصابيح سقراط، ومن سار في دربه المتعرج، لا تكترث بالذين بنوا برج بابل، والمدن الفاضلة، فهم مقعدون، لاذوا بظل التمني، وأن تنبت الكلمات الشجر. غيلان لم يزل الفكر منهزما، فاسلم جناحيك للوهم، فارسا لا يرى سيفه الغمد، لا تكترث بالوعود تعيق خطاك، فالوهم مرفؤك الرحب، فاستبق الكأس قبل جفاف الينابيع، فأنت هنا فوق جسر بلا وجهة آمنة. ما الذي قد جنيت من العمر؟ هل كان صوتك يغرس في السامعين الذي قد تمناه، أم كان يغرس فيها الصمم؟ غيلان لا تلتفت، ليس ذنبك أن يستبد الغرق، وقد كنت في صانعي الأشرعة. غيلان أسرع بنا نحو لا شيء.