تخلص

كل يوم عند بدء سقوط الشمس ثم تمددها على الجبال والأودية يتبع رعيته متأبطا مذياعه المغلف بغطاء جلدي بنّي اللون، تشقق من الأطراف، وفقد السير الذي يحمله به على كتفه، فكر واستبدله بحبل، مرت الأيام حتى أصبح رثّا هو الآخر، فتخلص منه خوفا أن يقع المذياع ويفقد مصدر اتصاله الوحيد بالعالم، يوثقه تحت إبطه ويمضي، تارة يتوقف يضبط التردد على محطته المفضلة، وأخرى يلتقط بعض الحصى يقذف بها على غنمه عند انحرافها عن المسار الصحيح. يصل إلى الجهة التي يقصدها يومياً، تنتشر الأغنام من حوله، وهو يتخذ ظل شجرته مقعدا حيث نسج الكثير من الأحلام وخط بعصاه الأشكال والأسماء ولا ينازعه عليها إلا الشمس أو المطر. حين يسند ظهره إلى جذع شجرته وينطلق صوت أم كلثوم من المذياع وهي تملأ الوادي بأغنياتها الشجية التي يحب يذهب إلى عالم آخر يغيب فيه عن كل شيء حوله، بل ينفصل تماما عن هذا المكان مع اسمها المكتوب بجانب اسمه في المنديل، يتخيل لحظة يكون إلى جانبها في منصة العروسين .. يغيب.. يغيب وهو يراها ترتدي فستان الزفاف والطرحة تحلق مثل جناحي حمامة وديعة. في هذا اليوم الضبابي كان الأمر مختلفا، نحّى أحلامه جانبا، وبقي يقظا خوفا من فقدان شياهه. يسمع صوت سيارة قادمة تقترب، لكن لا يتضح ما هي مع انعدام الرؤية، تتجاوزه إلى مكان آخر.. ينجلي الضباب نسبيا لدقيقتين أو أكثر.. يرى السائق الملتثم يهبط يفتح حوض السيارة الخلفي ويجر كيسا أسود يقذف به بين أغصان شجرة، ويتبعه بكرتون كبير في حركة سريعة وحذرة.. يغادر.. يحتار الراعي هل يذهب ويرى ما الأمر أم يعود ويخبر عمه!! يشعر بالخوف ربما كانت جثة أو كان لقيطا أو غير ذلك من الكوارث لكن في كل الأحوال كيف يمكن أن يثبت ألا علاقة له بما رأى؟ يعود من موجة التفكير التي عصفت به ليرى رعيته ملتفة حول المكان الشبهة.. يقرب وهو يشعر بالرعب.. يجد العديد من الكتب والمجلات في أفواه الشياه.