استهداف إسرائيل لوسائل الإعلام وقتل الصحافيين والمراسلين..

خطة صهيونية للتعتيم على جرائمها في غزة.

بمقتل الصحفيين مصطفى ثريا وحمزة وائل الدحدوح يوم الأحد الماضي في غارة إسرائيلية على سيارة بمنطقة ميراج برفح جنوب قطاع غزة ،يبلغ عدد الصحفيين الذين استهدفتهتم آلة القتل الصهيونية 109 إعلاميا، وذلك بهدف حجب الحقيقة أو قتلها والتغطية على جرائم الاحتلال تجاه المدنيين العزل. خطة التعتيم الإسرائيلية على مجازرها الدموية لم تجد القوات المحتلة التي قضت على الأخضر واليابس للتعتيم على جرائمها سوى باستهداف الصحافيين والمراسلين بشكل متعمد بلا هوادة ولا ضمير وعلى مرأى ومسمع من العالم الذي يشاهدون تلك المجازر الدموية بحق المدنيين العزل، لطمس الحقائق وعدم نقل ما يحدث على أرض الواقع من أحداث يومية مأساوية، ومنع توثيق جرائم الحرب التي لم تحدث قط سوى من قبل هؤلاء. أعداد مهولة قتلتهم إسرائيل عن عمد ما حدث يعد أكبر مجزرة شهدها تاريخ الإعلام في فترة لا تتعدى 3 أشهر، أكثر من 102 صحافي حتى الآن تم استهدافهم بدم بارد، استشهدوا فرادى أو بصحبة ذويهم حتى وصل عدد من قتل من ذويهم  أكثر من 350 فرداً، بلا ذنب سوى أنهم أسرة الصحافي أو المراسل، هذا بجانب تدمير منازلهم مما اضطرهم للجوء والاحتماء في الملاجئ والمستشفيات وساحات المدارس. سيطرة صهيونية على وسائل التواصل الاجتماعي لم تترك إسرائيل وسيلة إلا وسيطرت عليها حتى مواقع التواصل الاجتماعي التي تحذف وتوقف وتحظر كل من تسول له نفسه التعبير عن رأيه بأريحية عبر منشور أو من خلال نقل فيديو أو صورة متداولة تظهر المجازر البشرية المتعمدة التي لم تحدث ولم نسمع عنها من قبل. تدمير البنايات والمؤسسات الإعلامية المحلية والدولية لم يكتف الاحتلال باستهداف العنصر البشري فقط، بل تعمد تدمير أكثر من 65 مؤسسة صحافية عربية ودولية، بجانب توقف أكثر من 22 إذاعة محلية ودولية أيضا عن العمل بسبب القصف المتواصل، نتج عن ذلك رصد ما يزيد عن 150 صحفياً جريحاً حتى الآن، واختفاء عدد آخر غير معلومة وجهتهم أو ما تعرضوا له.  بالرغم أن ما حدث وما زال يحدث، هناك من يحاولون قدر المستطاع تسليط الضوء على ما يجري من جرائم يومية، لكسب تعاطف العالم تجاه القضية ولاطلاعهم على الأحداث عن كثب، بعيداً عن الروايات المزعومة التي يطرحها الاحتلال يوماً بعد يوم ويظهر من خلالها المظلوم والمعتدى عليه، حتى يبقى المتحكم الأول في توجهات الرأي العام الدولي. ظروف عمل صعبة وواقع مرير تعيشه وسائل الإعلام في غزة وخلال الفترة الأخيرة شاهدنا عدداً كبيراً من هؤلاء الفدائيين الذين يعملون وبجوارهم الأشلاء والجثث، بلا طعام ولا شراب ولا اتصالات، يعملون في ظروف طقس متقلبة تحت القصف، وبعد الفقد والحزن على خسائرهم الفادحة التي لن تعوض، ما زال القطاع يعطي العالم أجمع مثالاً يحتذى به في الصبر والجلد وتحمل المزيد في سبيل إظهار الحق والواقع الذي عتمته إسرائيل بأفعالها التي يجب أن تحاسب عليها دولياً. الصحافي الفلسطيني مناضل سيخلده التاريخ لا يمكننا القول سوى أن الصحافي الفلسطيني أرسى بالفعل قواعد جديدة وصعبة بالعمل الإعلامي بشكل عام لأنه صاحب الأرض والقضية والمهنية، لم يترك لغيره الخيار، قدم أمثلة سيخلدها التاريخ؛ فلدينا وائل الدحدوح الذي ما زال يناضل مرتدياً سترة ربما لن تحميه لكن إصراره وراء قوة تحمله وعطائه، هو وزملاؤه بجانب العمل في بيئة تحترف الكذب والتضليل. لولا هذا الإعلام المضحي الذي دفع ثمن دفاعه عن الكلمة دماء ما زالت تنزف على الأرض، لما عرف العالم حجم الجرائم وظلت القضية قيد المحلية فقط، فقد أثلجوا صدور العالم بعد تقديمهم جهداً كبيراً ومنقطع النظير.  استهداف وسائل الإعلام أمر ليس بجديد على الصهاينة من جانبها قالت الكاتبة ضحى عبد الرؤوف المل في حديث خاص لـ «اليمامة»: إن استهداف الصحافي في الحروب ليس بجديد؛ فالخطط في الحروب الشرسة غالباً ما يصاحبها في التخطيط انتزاع الإعلام كي تتم عملية التطهير بالنسبة لسير العمليات العسكرية بنجاح وأمان. وتضيف المل: بعد موت شيرين أبو عاقلة أصبحت أنظر للأمر كصحافة حربية يمكن أن تُرصد من العدو، فهي من إحدى المهام الأساسية في أي حرب بمعنى الرأي والرأي الآخر في مواجهات شرسة بعيداً من الأخلاقيات، فكيف لمن ينتهك حقوق الإنسان أن يحمي حقوق الإعلام. وتؤكد المل أن إحصاء مراسلي الصحافة الذين قتلوا في الحروب أمر صعب ولن تستطيع الانتهاء من تعداد الأسماء بدءاً من الحرب العالمية الأولى وصولا لحروب إسرائيل ومجازرها بحق الشعب الفلسطيني بشكل عام وغزة حاليا، فأفضل التقارير الحربية خرجت من صحافيين ماتوا وهم في أرض المعركة، فالصحافي الحربي يقوم بجهد خطير وكبير قد يفوق جهد التخطيط للحرب نفسها. الإعلام بإمكانه قلب الرأي العام وتشير المل خلال حديثها أن الإعلام بكل صورة يستطيع قلب الرأي العام حاليا خاصة بعد انتشار السوشيال ميديا، وأن استهدافهم من قبل إسرائيل لأنهم من الأهداف الأساسية لنجاح خطط القضاء على الأهداف التي ترسم في الحروب، فالعمل الإعلامي في ساحات المعارك هو من المخاطر الأولى التي قد يخسر الصحفي حياته فيها وهو يدرك ذلك، لكن مستويات الدفاع إنسانيا عالية في دمه، فتزويد الصحفي لوجستياً يحتاج لاستجابات من الطرف الآخر ولا يمكن لإسرائيل تزويد الصحفي الحربي لوجستيا بتفاصيل تجعله يضمن أمنه ويحقق أهدافه الوطنية. ولفتت المل أن الإعلام مستهدف مثل أي هدف قد يجعلهم يخسرون ورقة رابحة حتى لا يدرك العالم حجم ما يحدث فعليا على أرض المعركة، فالعمل الإنساني بالنسبة للصحفي الحربي أو (المراسل) مرتبط بالقبول بالمخاطرة لصالح مجتمعه وكي يفهم شعبه حقيقة ما يحدث على أرض المعركة.  محاكمة دولية وطالبت المل بمحاكمة كل من يحاول قتل المراسل أو المصور الصحفي واستهدافه مع طاقمه الإعلامي برمته، فالصحفي الحربي هو مشارك عسكري بشكل حصري إعلاميا لجانب ما، لكننا في العالم العربي تحديداً لا نملك لوجستيا خططا آمنة لحمايته، فالإعلام وطني أولا وقبل كل شيء،  وفلسطين دولة تم انتهاك سيادتها وأصبحت محتلة،  وبالتالي تعزيز أمن الصحافيين فيها صعب جداً، إن لم نقل من  المستحيل ذلك. احترام الاستقلال المهني وحقوق الإعلاميين مطلوب وتضيف المل شيرين أبو عاقلة أكبر مثال على ذلك، وهي التي اجتهدت كثيراً وبشكل وطني، وما زال صوتها في سمع  كل منا،  وقد أتقنت إنسانياً دورها الوطني قبل الإعلامي، فالقرار الصادر في 23 ديسمبر «كانون الأول» عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ينص على دمج الصحفيين في قانون النزاعات المسلحة مع المدنيين، مع ما يصاحب ذلك من أشكال الحماية، فاحترام الاستقلال المهني وحقوق الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم من تقنيين ومصورين هي من ضمن قرار 1738 وموجود في موقع ويكيبيديا. أما المصداقية، وبدون تزييف، فنحن اليوم أمام ما هو مباشر وعبر الانترنت وضمن شبكات التواصل كافة؛ فالتطورات التقنية زادت من مخاطر استهداف المراسل أو الصحفي أو حتى المصور الحربي؛ لأنه أصبح قادرا على قلب المعادلة، بالتالي زادت إمكانية استهدافه وقتله لاحتكار قيمة البيان الصحافي في الحروب وجعله في خدمة العدو. إسرائيل هدفها التعتيم لاستمرارية آلة الحرب الكاتب الصحافي والباحث السياسي منير أديب يرى استهداف الصحافيين منبعه الأساسي هو التعتيم على الجرائم التي يفعلها الاحتلال الصهيوني، والذي يقوم بإبادة جماعية في حق البشرية، وبالتالي الإعلام الذي يمثل هذه الجرائم، والذي سيسلط الضوء على آلة الحرب الصهيونية التي تستهدف المقرات الإعلامية التي تتمتع بحماية دولية. إسرائيل لا تحترم القوانين والأعراف الدولية ويضيف أديب في حديثه لـ «اليمامة»: كلما شعرت إسرائيل أنها باتت محاصرة بنقل الحقيقة، وكلما زاد تعاطف المجتمع الدولي، وعلمهم بأنها دولة احتلال لا تحترم القوانين الدولية، زادت في آلية التعتيم بكل الطرق المتاحة والغير متاحة فهي لم تتوانى لحظة عن اللجوء للتدمير والقتل في سبيل مصلحتها أولاً. التصعيد والمحاكمة الدولية الحل الأمثل ويؤكد أديب أنه يجب التصعيد والمطالبة بمحاكمة دولية؛ لأن محاكمتها أمر يتسق مع حجم جرائمها، في حق الصحافيين والمدنيين، فما تفعله مخالف لكل القيم والأعراف والقوانين، إسرائيل يجب أن تعاقب جراء استهداف الجرحى والمصابين، ودور العبادة والمقرات المدنية بشكل عشوائي وبدون إنذار، بالإضافة لاستهداف قيادات محسوبة على العمل العسكري، ومدراس الاونروا المحمية دولياً. ويضيف أديب: هناك قوانين تحمي المراسلين والصحافيين، وبخاصة في أوقات الحرب، ولكن إسرائيل ضربت بتلك القوانين عرض الحائط، فلا حماية لأحد طالما أنهم أمام آلة حرب لا تفرق بين مدني وغير مدني، آلة حرب قتلت وشردت الآلاف من النساء والأطفال الذي لا يمثلون أي خطورة أو خطر على أمن إسرائيل. ويؤكد أديب أن الإعلام هو الوسيلة الوحيدة لنقل ملامح وجه إسرائيل القبيح، إلى العالم من خلال الصورة والكاميرا والقلم، لكن في الوقت نفسه لا يوجد وسيلة لحماية أحد أمام دولة تتعامل بعشوائية وسلطوية، ولا تفرق بين أحد، بل وتزيف الحقائق حسب أهوائها ومصالحها. الكاميرا أداة توثيق تخيف العدو ولفت الكاتب الصحافي محمد عبد الرحمن بأن استهداف الإعلام بشكل عام ليس بجديد، لأن إسرائيل طوال الوقت عدو، تقتل وتبيد حتى في غير أوقات الحرب، ولأن الكاميرا هي أداة توثيق لا يمكن الاستغناء عنها، ولأنها تخيفها، فقد دمرتها وقتلت من يمسك بها. كل ما يحدث لن يقف أمام نقل الحقيقة ويضيف عبد الرحمن في حديثه لـ»اليمامة»: في هذه الحرب تحديدا، دور الصحافيين وسط الأحداث بدون تعب أو شكوى لا يمكننا وصفه، هذا بجانب استهداف منازلهم وأسرهم ، المفارقة أن كل ما يحدث لم يقف حائلاً أمام نقل الحقيقة من قبل الصحافيين، والمراسلين، والمدونين، والفيديو بلوجر، الذين ساهموا في نقل الصورة عبر منصات التواصل الاجتماعي، بجانب فيديوهات المقاومة ذاتها. ويعتبر عبد الرحمن أنه مهما حدث فقد بات من الصعب التعتيم على ما يحدث، ولكن للأسف الشديد، الجهات الدولية تكتفي بالإدانة فقط بدون إجراءات فعالة، لذلك لن تتوقف إسرائيل عن القتل إلا بتوقف الاحتلال عموماً. توثيق الواقع يقلب الرأي العام ضد إسرائيل وتدين لبنى ياسين الكاتبة الصحافية، والتشكيلية السورية ما يحدث قائلة: لا يمكن لإنسان عاقل ألا يدين، ويستهجن استهداف الصحافيين المحميين بموجب قوانين دولية، وأظن أن انقلاب الرأي العام كان بشكل غير مسبوق ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخروج الأسرى الإسرائيليين بأفضل حال ليدلوا بتصريحات أظهرت حسن تعامل الجهة الفلسطينية معهم، بعكس ما جرى مع الأسرى الفلسطينيين الذين خرجوا بحالة مزرية من الإصابات، وفقدان الوزن. إسرائيل هدفها الترويع والقتل والإبادة وتضيف ياسين في حديثها لـ اليمامة» أن كل ذلك جعل دولة الاحتلال في موقع لا تحسد عليه أمام الرأي العام عالمياً، فهي وإن كانت الحكومات تساندها، إلا أن الشعوب تقف على طرف النقيض من حكوماتها، بدا ذلك واضحا من اندلاع مظاهرات التنديد بالاحتلال في كل مكان، ودولة الاحتلال لا تستهدف الصحفيين فقط، بل تستهدف أهاليهم، وبيوتهم بالقصف، والترويع، كما تستهدف القنوات الإعلامية، ومراكزها في غزة. جدير بالذكر أن عدد الصحافيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية في قطاع غزة خلال شهرين تقريبا، يفوق عدد الإعلاميين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وكذلك في حرب فيتنام (1955-1975)، والحرب الكورية (1950-1953 ) أيضاً. وتؤكد ياسين على التصعيد الدولي وتقول: بالطبع هناك مسؤولية تقع على المنظمات المعنية بالصحافيين، أبسطها رفع دعاوى قضائية ضد الاحتلال، تمهيداً لمحاسبته بشكل جدي على خرق القوانين التي تحمي الصحافيين في أماكن النزاع من الاستهداف، ووضع عقوبات جدية وكبيرة لمن يقوم باستهدافهم على الصعيدين الفردي، والدولي. مطالبات بالتدخل الدولي لإنشاء شبكات رصد لانتهاكات وسائل الإعلام وتضيف أنه على الأمم المتحدة، أو المنظمات المعنية بحماية الصحفيين التدخل لإنشاء نظم وشبكات تعمل على رصد حالات انتهاك وسائل الإعلام، وتقديم تقارير بشكل دوري ومنتظم، كما يمكن أيضا توفير أدوات الأمان والحماية الحديثة، وإقامة مقرات آمنة لهم، وتوفير دعم قانوني بشكل يستطيع فيه الصحافي أن يتقدم بشكوى فور إحساسه بالخطر أو تهديده، كما يمكن إجراء تحقيقات فورية ونزيهة عند حصول أي اعتداء عليهم، وإعادة النظر في قوانين حمايتهم وجعلها صارمة وملزمة.