عثمان أبو الليرات يبتكر الحنين في غيابه.

غادرنا قبل أيام أحد أبرز فوتوغرافيي القطيف تاركا إرثا كبيرا لو تسنى للدارسين أن يشتغلوا على أبعاده سوف يحققون رصدا و تحقيقا و منجزاً لما يكتنزه من الأصالة والإبداع في العمارة التي تحفظ القيمة الفنية للمكان وتاريخيته. أبو الليرات الحارس النبيل للمكان والمحب الذي رأى بقلبه قبل عينه صوّر لنا روح المكان والناس لأكثر من نصف قرن، شهد الكثير من التغييرات ؛ لكنه كان بمحبة عالية يقبض على كل لحظه متغيرة قبل وبعد في مناضرة للجمال والتطور الاجتماعي . صوَّر الطفولة ومراحلها، هوسها في اللعب بالأزقة ، كما صوّر الحارات و أعياد الفرح بكل مشاكسات الطفولة في القرى و المدن بعيون عذبة و متدفقة بالبساطة ، هكذا كان روحا محلقة وهكذا أخذنا في رحلة من الزمن عبر الأمكنة القريبة والبعيدة حتى رسمنا وتخيلنا الحارات مثل مهندس معماري أو صقر طائر رأى كل شي من الأعلى. لم يكن مصورا فوتوغرافيا فحسب بل كان فنانا تشكيليا يلون الصورة لتلمع وتخلد عبر الزمن، في ذات لقاء تكلم والدموع تكاد تسقط وهو يتحدث عن تفكك الحارات وتسلط الأسمنت على الأمكنة التي بنيت منذ مئات السنين بالطين ، ذلك الذي يذكرنا بالإنسان ويشعرنا بالحنين والمحبة الفائضة. أبو الليرات تعدد في براعته فوتوغرافيا ونجارا وساردا مسهبا يروي الحكايا و يستحضر الأمكنة بشخوصها التي مرّت به و عرفها بتفاصيل لامتناهية -كمن يمشي وهو يرسم- هكذا اختزل صور الأمكنة وقبض عليها، من النادر أن ترسم قرية أو مدينة و تبنيها بالخشب، الشوارع والبيوت، المآذن والساحات والأزقة، بهكذا عين ثاقبة رسم القطيف بيتا بيتا وحارة حارة و زقاقا إثر زقاق. من أين لذاكرة الناس المثقوبة في هذا العصر الراكض بجنون أن يتأنى ويرسم كل ذلك دون تعب؟! … بالأمس ونحن نقرأ خبر مرضه كنت أتذكر اللقاء الأخير معه برفقة أصدقاء دفعوني لعمل لقاء وحوار معه، و قد أخبرته بنيتي لعمل حوار ورحب بذلك وقال حياك بأي وقت، سرقنا الوقت ولم نلتقِ حتى قرأت قبل يوم وفاته عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حسابات مصورين وكتاب كانوا يعدونه أستاذا لهم. هكذا، سرق الوقت منا (سادن الضوء و عرّاب الكاميرا الصغيرة) الأستاذ عثمان أبو الليرات الذي أغمض عينيه حتى نلتقيه ثانية في مقام آخر، الرجل الذي ترك لنا آلاف الصور و الأعمال المخلدة لأكثر من ستين عاما ، ملوحا بضحكته المعهودة وكأنه يقول: تلك أمانتي لكم فحافظوا عليها. رحم الله الفنان عثمان ابو الليرات لقد كان وفيا وسادنا و أمينا على الصورة والمكان.