ثقافتنا.. من ناقة القرقاح إلى ناقة الجاسر !!
لسنا بحاجة هنا لاجترار قصة فيلم (ناقة) لمشعل الجاسر ، السينارست والمخرج والمنتج والمصور والممنتج والمسوِّق والمشوِّق و.. أرجو أن يعذرني إن نسيت أي حاجة من كل حاجة؛ لجهلي وليس لأي حاجة قضاها يعقوب أو لم يقضها !! وبعيدًا عن كل الفرقعات (الهوليوودية) للأكشن (البوليوودي) نسأل : هل هذه القصة جديدة في الساحة السعودية ؟! عام 2006م في مهرجان الجنادرية ، فاز فرع جمعية الثقافة والفنون بالمدينة المنورة بجائزة (أفضل عرض) عن مسرحية (ذُهان) لكاتب السطور ، وتحكي مأساة شاب وفتاة يفاجآن – وهما في لحظة حميمية في السيارة – بشاحنة (تريلة) ، يتلافاها (هو) ، ولكن حبيبته تدخل في غيبوبة (كوما) من شدة الروعة! فاضطر لطلب الإسعاف ، ولأنه ليس نذلًا كبطل (ناقة) ؛ سلّم نفسه بشجاعة ؛ إذ لا يرى في الحب عيبًا أو جريمة ! لكن الآخرين (أبوه وأخوه وأبوها وأخوها) لم يقبلوا بهذه الفضيحة ، وقرروا أن يدخل (هو) مستشفى الأمراض العقلية : فإن ماتت (هي) يخرج ويهاجر خارج المملكة ، وإن عاشت فيستحيل أن يتقدم لها لأنه (مجنون رسمي) اختطف البنت وكاد يقتلها ! ولكن الغيبوبة تطول لسنوات ثقيلة يقبع (هو) خلالها في المستشفى إلى أن يتمكن من الهرب ويخطف حبيبته ، ويحاول أن يهرب بها إلى الخارج ليجري لها اول عملية استنساخ بشري !! وتنتهي المسرحية دون أن تخبرنا بنهاية واضحة ! ثم اقترح الفنان المختلف (إبراهيم بادي) أن نقلب المعادلة ؛ فتكون الحبيبة هي من تنجو ، وهو من يدخل في غيبوبة ! وبدلاً من الآخرين تكون الأخريات : أمها وأختها وأمه وأخته ! فكان له ما أراد ، وكان نص (الحب بالقهوة السعودية) أول نص سعودي نسائي بالكامل !! وإذا كان مشعل الجاسر لم يسمع بهذه التجربة ، فإن بطل فيلمه الفنان القدير (جبران الجبران) كان يسمع ويرى !! وهو خير من نواجهه بأسئلتنا الموجعة كشوكة انغرزت بين الظفر واللحم : كيف لم تنتبه – وأنت البدوي العريق الغريق في الهياط – إلى أن أسطورة (الجمل حقود) خاصة بالذكر وعنوان فيلمكم أنثى ؟! وكيف توصف الناقة بأنها مغلوثة - مسعورة – وهي لا تأكل اللحم ؟! وهل يظهر حقد الجمل إلا إذا اعتدى الإنسان على شهوته (فحولته) وحرمه من أنثاه التي أمضى نهارًا كاملًا – وربما أكثر – في مغازلتها لتمنحه تلك اللحظة الحميمية الحولية ؟! وحين يعميه الحقد فإن الجمل يثأر لنفسه بقتل عدوه لا بأكله وشرب دمه ! لن يجد الناقد البصير تفسيرًا غير أن الثقافة الذكورية الحاقدة على المرأة هي التي (سلقت) الفيلم ، وهي التي احتفت به في مهرجان البحر الأحمر ، لتقدم للعالم أسوأ صورة رجعية عبثية ! أما من يريد صورتنا الحقيقية فليفتح (يوتيوب) على أغنية ( المقناص ) من تلحين وتوزيع وغناء (مطلق مخلد الذيابي) ، وهو رائد تنويري حداثي ضخم فخم قبل أن يولد الجبران والجاسر وكثير من القائمين على المهرجان ! ومن يتمعن قصيدة الفارس (فرّاج القرقاح) سيدرك أن مايمثلنا ليس الجمل ولا الضب ولا الصقر ؛ بل الإنسان الصادق الكريم الوفي حتى مع حيواناته وسلاحه ! وسيدرك – بالتالي – أن عيب التجارب الإبداعية المحلية ليس في صدامها مع الجمهور، او قطيعتها البذيئة مع النخب المثقفة ؛ وإنما في هذا التعلق الأعمى بالمتلقي الخارجي ، وهذا التهافت المسعور على تحقيق شروطه مهما كانت سخيفة سمجة ! فمتى نهاجر إلى الداخل ونكتشف ذواتنا ونقدم اجتهاداتنا التي تشبهنا نحن سواء أعجبت الأجنبي ام لم تعجبه ؟؟؟