(وعي).

موسيقى «تشايكوفسكي» تتسرب بهدوء من الشاشة وتصل إلى سمعي بينما أشرب فنجاني هذا الصباح، أتأمل ورقات البوتس الصغيرة بجواري وهي ترقص مع إيقاع الموسيقى، فيخطر ببالي تساؤل عن الوعي الذي تمتلكه نبتة رقيقة كالبوتس أو نباتات وأزهار وأشجار أخرى كثيرة في الخارج، أُدرك جيداً نها تعي لكن كيف؟ لا يمكنني أن أعرف ذلك فلست نبتة بعد! لكني أدرك أن لها وعيها الخاص الذي يجعلها تدرك ما حولها، وبالتأكيد طريقة وعيها مختلفة عن بعضها بعض. والوعي بالشيء قد يكون إدراكه والإحاطة به، وإدراك وجود الشيء يترتب عليه الكثير من الأشياء؛ فكل ما يأتي بعد إدراكك مرتبط بلحظة الإدراك تلك؛ أي ما يتشكل لديك من أفكار ومعتقدات بناء على مرحلة الوعي التي توصلت إليها.. وبعد كل مرحلة وعي قد تكون موعوداً بقفزة أخرى فالوعي عملية لا تتوقف أبداً حتى النهاية، لكني أعتقد أن الكثير من الناس لا يدرك ذلك، أي لا يدرك أنه الآن يعي الأشياء بطريقه مغايرة عما هي في السابق، وهذا ما يتسبب له في الكثير من الشتات فبقدر ما يكون ذلك الوعي نعمة قد يكون لعنة! نظن نحن البشر بالمجمل أننا نمتلك الوعي ذاته بالوجود، بالذات بالحياة بالفناء بالقضايا بالوقت بالموسيقى حتى، والحقيقة أننا نتقاسم الإدراك ذاته بالوجود ونختلف اختلافاً جذرياً في نوعية الوعي الذي نمتلكه إزاء كل شيء، فالوعي هو الذي يشكل الأفكار وما أنت إلا ما تفكر به. ومنذ سقراط حتى الآن والآراء والتعريفات حول الوعي تتعدد وتختلف، فكل فيلسوف يشرح الوعي بحسب وعيه هو، فاختلفت المفاهيم والنظريات حول ذلك حتى وقتنا الحاضر. قد يكون الوعي لحظة تشبه الومضة، تتبدل فيها القدرة على فهم أمر ما، وتتسع بشكل عجيب في ثوان، وكأن أبواباً فُتحت داخل دماغك فجأة، لحظة تتبدل فيها نظرتك لتشعر وكأنك تنتبه لهذا لأول مرة، وإن كنت قد مررت به مراراً إلا أن هذه الومضة الحدسية ستجعلك ترى الأمر بطريقة لم تكن تره بها من قبل، وهذا ما يسميه المتصوفة بالفتوحات، وهي نفحة إلهية لا شك في ذلك. فالوعي هو عملية مستمرة إما بسبب الخبرات والتجارب أو لأسباب حدسية تقود الإنسان إلى ذاته وإلى ربه، وتدله على مواطن الجمال، وتزيد من قدرته على إدراك كل الأشياء من حوله بطريقة متجددة دائماً، ولولا ذلك الإدراك المستمر والمتغير للأمور لفقد المرء لذة أن يتقدم في العمر، وخسر معنى أن تتضح له الأمور التي كانت يوما معضلات بالنسبة إليه، ولما استطاع أن يتخطى عقباته التي كان يكرس نفسه من أجلها سابقاً.. ولا أجد طريقة يمكنها أن تساعد في زيادة الوعي سوى التفكر والتفكير، بالتفكير وحده يكون الإنسان حراً محلقاً يصل إلى أقصى ما يمكن لكائن بشري الوصول إليه، فلا تسمح أبداً لأي شخص أن يضع أغلاله على عقلك.