من ذاكرة معلمة: دانة وحكاية الأمل والتحدي

غادرت الشمال بعد سنوات من حكاية امتدت بالدهشة والجمال تشبه في تفاصيلها جمال السواحل وشموخ الجبال وسعة المدى الذي يشبه سعة القلوب هناك ، لكن بقيت القصص تسكنني استرجعها ذات صورة تمر على الذاكرة ، ذات بحث في أوراقي التي أتعاهد ترتيبها ذات بحث في القلب عن دهشة لا تشبه غيرها وحكايا غرست في الروح المعنى والبحث عن المعنى قضيتنا الأولى الحياة بلا معنى وجود كالعدم . تلك القصص ليست في المناهج ولا دفاتر التحضير ولا الكتب، بل حكايات وجوه صادفتها في طريقي، تركت أثرًا ما زلت أحمله بدعاء، وحنين، وامتنان. من بين تلك الوجوه… تبقى" دانة" لم تكن تجمعني بها علاقة تدريسية لكن كنا ننتمي لنفس المكان المجمع تعليمي. دانة كانت على كرسي متحرك وما كان يؤلمني فعلاً، أن عيونها كانت على كرسي من يأس وهي دانة لا يليق لروحها إلا أن تضيء وتلمع مثل اسمها. اشتريت كرة صفراء صغيرة، عليها وجه مبتسم، وكنت يوميًا أستقبلها عند الباب، أخرج الكرة من جيبي وأقول لها:“ابتسمي يا دانة مثل هذا الوجه الصغير.” لم أكن أنتظر نتيجة سريعة على مدى فصلين دراسيين بل كنت أسبر بخطوات متأنية جدا، لكن شيئاً في ملامحها بدأ يتغيّر. كانت تبتسم في البدء بخجل، ثم صار وجهها يضيء كلما رأتني من بعيد . أتذكر صعودي بفرحة غامرة لغرفة المعلمات وأردد كأكبر إنجاز "ابتسمت دانة" وأتذكر تعجبهن وتأثرهن بعد أن رويت لهن الحكاية ، نعم كنت أبحث عن إنجازاتي الخاصة في التفاصيل التي لا تُرى من الجميع لكن يراها الله وحده يعلم مدى كفاحي الخاص لأصل لها وأعتبرها نجاحي الذاتي بجانب المهني وبالله عون وسعة ومدى . وكنت عندما أنزل في إجازة للمدينة حيث الحبيب ﷺ ثم بعده الأهل والأحبة أحضر معي قصصًا لها أسردها لها عن “دانة الشجاعة” وأحرص أن تكون بطلة القصة اسمها دانة وكأنها تقرأ عن نفسها من زاويةأخرى إذ طالما آمنت أن أعظم ما تهديه أي شخص في الحياة أن تهب له نورا في زاوية من روحه تضيء له شيئا تأخذ بيد قلبه لفضاء أوسع . لا أعرف إذا كانت دانة تذكرني الآن بعد هذه السنوات ربما نسيت تفاصيل الكرة والقصص والشجرة لكن أنا أذكرها تمامًا. وأذكر رسمة أهديتها لها، كلها أمل وألوان وضوء وكرسي يتحول إلى وردة . تركت الشمال، وتركت دهشة بداياتي فيه . يا رب احفظ دانة أينما كانت،واجعل الابتسامة لاتغيب عن ملامحها، ومستقبلا يشبه ما أبصرته فيها من شجاعة ويا رب، كل دانة في مدارسنا و في حياتنا و في كل درب نسير فيه تلقى من يحملها إلى السعة في كل شيء . من قلب معلمة… ما زال ينبض بحب كل من مرّ في ممرات المدرسة أينما كانت و سارت في البدء شمالية واستمرارها مدينية هنا بجوار المعلم الأول صلى الله عليه وسلم ، وتظل فكرة الأثر لها قداستها في روحي ويارب تركت في الشمال وأهله أثرا وفي كل من أمر بذاكرته في أي حكاية أثرا ولو بسيطا ، أثر له امتداد اللون الأخضر لون الربيع والبهجة يشبه في تفاصيله دهشته هذا الوطن الذي نحبه ويحبنا وهو قصيدتنا التي تعلمنا كيف نلقيها بدهشة تشبهه. * موظفة في إدارة تعليم تبوك "سابقا"