الحج قديماً في الصحافة السعودية (صحيفة اليمامة أنموذجاً)
كانت ولا زالت شعيرة الحج تحظى بالاهتمام من قبل حكومة المملكة العربية السعودية، وتسعى دائماً لخدمة حُجاج بيت الله الحرام على اختلاف مشاربهم، والتيسير عليهم لقضاء مناسكهم بكل طمأنينة وسكينة. كما أن الاستقرار السياسي الذي تمتعت به المملكة بعد توحيدها في عام (1353هـ/1932م) أوجد مناخاً ملائماً لألوان صحفية متعددة، وكان على الصحافة السعودية أن تقوم بواجبها ودورها الإعلامي في نشر ومتابعة الأحداث المحلية الهامة، والإسهام في نهضة البلاد ورُقيها، ومن أهم هذه الأحداث؛ موسم الحج. كانت الصحافة السعودية منذ نشأتها هي الذراع الإعلامي الأبرز - أن لم يكن الأوحد - في نقل أخبار موسم الحج وأحداثه، خصوصاً قبل بدء البث التلفزيوني في المملكة. وبإلقاء نظرة سريعة على بعض الصحف في عهد الملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله - نستبين ذلك. فقد كانت «صحيفة اليمامة» تُعلن عن دخول موسم الحج، وتحدد يومي عرفة وعيد الأضحى المبارك من شهر ذي الحجة، فعلى سبيل المثال أصدرت إعلاناً في عددها رقم (87)، وذلك (يوم الأحد، 9من ذي الحجة 1376ه الموافق 7يولية، 1957م)، ورد فيه ما يلي: «أذاعت المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر البلاغ التالي: نظراً لعدم ثبوت رؤية هلال ذي الحجة في ليلة الجمعة الماضية؛ فقد صدر الأمر الملكي الكريم باعتبار دخول الشهر ليلة السبت وعلى هذا فسيكون الوقوف بعرفة يوم الأحد، جعله الله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً»، وهنا تنقل الصحيفة الخبر بصيغته الرسمية، للقراء وعامة الناس حسب انتشارها. وفي مثال آخر أعلنت اليمامة عن ثبوت رؤية هلال شهر ذي الحجة في عددها رقم(175) والصادر (يوم الأحد، 8 ذي الحجة 1378ه الموافق 15 يونيو 1959م)، جاء فيه الآتي: «ثبت شرعاً أن هلال شهر ذي الحجة كان ليلة الأحد، وبهذا يصبح أول شهر ذي الحجة هو يوم الأحد، وسيكون الوقوف بعرفات إن شاء الله يوم الأثنين القادم تقبل الله من المسلمين حجهم، وجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً». كما تعلن صحيفة اليمامة أحياناً عن موعد عيد الأضحى، إذا صادف أن العدد يصدر قبل العيد بيوم ، ففي العدد رقم (87)، الصادر (يوم الأحد، 9 ذي الحجة، 1376ه الموافق 7يوليه، 1957م)؛ حيث جاء فيه: «يحتفل المسلمون غداً – بعيد الأضحى المبارك، متقربين فيه إلى الله بمختلف القربات من نسك وعبادة وحج، رجاء غفران ذنوبهم، وتطهير نفوسهم من الشرور والآثام، حقق الله لهم ذلك وأتم عليهم نعمته بالتأليف بين قلوبهم، ولم شعثهم، وتوحيد كلمتهم، وتطهير أوطانهم من الاستعمار وشروره، إنه على كل شيء قدير، وبهذه المناسبة تتقدم اليمامة إلى قرائها مهنئة مباركة بهذا العيد الميمون، وستحتجب عن الصدور يوم الأحد المقبل، ثم تستأنف صدورها في مواعيدها المحددة». وكانت صحيفة اليمامة تقوم بنشاط صحفي آخر وهو تتبع وتغطية أخبار شؤون الحج التي ترد في الصحف والمجلات السعودية الأخرى. ففي العدد (71)، الصادر (يوم الأحد، 8 شعبان، 1376ه الموافق 10 مارس، 1957م)، تطرقت لذكر العدد الخاص الذي أصدرته مجلة الحج السعودية في عام 1376ه/ 1957م حيث ذكرت أن «مجلة الحج في هذا العدد قد احتوت على ثلاثين مقالاً وبحثاً وقصيدة، شارك فيه كتَّاب من المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا ولبنان وفلسطين، ومع العدد ملحق «ريبورتاج» صحفي عن مشاريع توسعة الحرمين الشريفين، وبيانات عن مشاريع الحج، ومشاريع أخرى في اخراج أنيق، مكون من(170) صفحة». تتبعت صحيفة اليمامة أخبار الحج في الصحف الأخرى، فبين أيدينا خبران آخران عن أعداد خاصة أصدرتهما صحيفتا حراء والبلاد السعودية بمناسبة موسم الحج؛ الخبر الأول يقول: « أصدرت الزميلة «حراء» عدداً خاصاً بمناسبة موسم الحج؛ وجاء هذا العدد على درجة من الجودة والاتقان، وضم بين دفتيه كثيراً من الموضوعات الحية الشائقة لمشاهير وأدباء وكتاب هذه البلاد، فللزميلة الكريمة تهانينا الحارة وتمنياتنا الطيبة». والخبر الثاني « أصدرت رصيفتنا الكبرى «البلاد السعودية» عدداً خاصاً أيضاً بمناسبة موسم الحج؛ وقد شارك في إعداده لفيف من ذوي الأقلام في هذه الديار، فنرجو للرصيفة التقدم». كما غطت صحيفة اليمامة جانباً آخر من عدد خاص لصحيفة المدينة المنورة؛ ظهر في اليوم التاسع من ذي الحجة عام 1376ه/ 1957م، وكان موضوع العدد عن توسعة الحرمين الشريفين، وتضمن كلمة ألقاها الملك سعود بن عبد العزيز عن الحج، ومقالات تاريخية، وقصائد، وبيانات تتعلق بموضوع عمارة الحرمين، كما أحتوى على مصور (خارطة) للحرم المكي في عمارته الأخيرة على درجة من الدقة والوضوح، وفي الختام شكرت صحيفة اليمامة صحيفة المدينة على هذا العدد الخاص عن الحج معبرة عن ذلك بالآتي: « إننا اذا نهنئ الرصيفة الكريمة بتقدمها الذي عبر عنه هذا العدد الخاص، لنأمل أن نرى خطوات التقدم وأن نرى في كثير من المناسبات نشاط القائمين على اصدارها الأخوين الكريمين الأستاذين علي وعثمان ابني حافظ ما هو مؤمل من مثلهما من حرص على سمعة صحافتنا، وسعي متواصل لكي تساير غيرها بقوة ونزاهة قصد، وسموّ غاية، في حدود الطاقة والجهد»، ويتضح مما سبق التعاون القائم بين الصحف السعودية في ذلك الوقت، وعدم تحرجها من نقل خبر يصدر في صحيفة أخرى مع الإشارة لمصدره، والثناء على القائمين على الصحيفة. علاوة على ما سبق كانت الصحافة السعودية تقوم بتغطية الجهود التي يبذلها ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية؛ ففي عهد الملك سعود نشرت صحيفة اليمامة في عددها رقم (88) الصادر (يوم الأحد 23 ذي الحجة، 1376ه الموافق 17 يوليه، 1957م)، خبراً بعنوان «جلالة الملك المعظم يشرف على شؤون حجاج بيت الله الحرام» وكان نصه الآتي:» قام حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم بالإشراف على شؤون حجاج بيت الله الحرام، وتفقد جميع أمورهم، والعناية براحتهم، وقد بذل جلالته في هذا السبيل جهوداً موفقة ومباركة، مما اطلق الألسنة بالدعاء بأن يحفظ جلالته، وأن يطيل عمره نصيراً للإسلام والمسلمين، وحامياً للحرمين الشريفين، وحارساً للدين الاسلامي الحنيف». وهذا ليس بمستغرب على حكومة المملكة العربية السعودية فمنذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – وما لقب خادم الحرمين الشريفين الذي يتلقب به الملوك منذ عهد الملك فهد – رحمه الله - إلا دليل على صدق محبتهم لهذه المشاعر المقدسة. وإذا كانت الصحافة تقوم بدورها الإعلامي في مواسم الحج، فقد كان لها دور آخر لا يقل أهمية، فكانت بمثابة همزة الوصل وحلقة اتصال بين المملكة والدول الأخرى لتسهيل كافة الخدمات لضيوف الحرمين الشريفين، ودليل ذلك ما عرضته صحيفة اليمامة من نشرة أصدرتها سفارة باكستان بخصوص «حجاج بيت الله الحرام»، نشرتها الصحيفة في عددها رقم(160) الصادر (يوم الأحد، 6شعبان، 1378ه الموافق 15 فبراير، 1959م)، ورد فيه ما يلي: «صرح السيد ذو الفقار علي بوتو وزير التجارة الباكستاني في كراتشي بأن حكومة باكستان قد أتمت الاجراءات المتعلقة بأرسال عدد ينوف على تسعة آلاف من الحجاج عن طريق الجو والبحر هذا العام، وقال أن (5392) حاجاً سيسافر بطريق البحر، و(5005) بطريق الجو». أما من الضفة الغربية فيسافر لحج ذلك العام (2208) حاجاً بطريق البحر، ومائة حاج بطريق الجو. وجاءنا من ادارة الحج العامة ما يلي: تلقينا من التوكيلات الدولية من برنامج حجاج الملايو لهذا العام من سنغافورة ومبينا كما يلي: .....(اسم الباخرة انكنج، الحجاج (1180)، تاريخ الوصول (9 – 11- 1378ه الموافق 17 – 5 – 1959م)....»، ويتبين لنا مما سبق دور الصحافة في نشر كيفية وصول ضيوف الرحمن إلى مكة المكرمة وأعدادهم. ومن الأمور التي كانت تُعنى بها الصحف السعودية في كل موسم للحج القيام (بإحصائية لأعداد الحجاج من الداخل والخارج، ومستوى نظافة الحج وخلوه من الأمراض) حيث بلغ عدد الحجاج في عام 1376ه/ 1957م، - كما جاء في البيان الذي رفعه معالي المشرف على الحج لجلالة الملك المعظم بالعام نفسه، «ألف ألف حاج (مليون) منهم (215575) حاجاً من غير السعوديين، ويقدر السعوديون بنحو ثمانمائة ألف حاج»، كما أعلنت وزارة الصحة نظافة الحج في العام نفسه، وخلوه من جميع الأمراض المحجرية (الكورتينية)، ونشرت تقارير مختلفة تؤكد عدم حدوث شيء من الأمراض، وأن حالة الحجاج الصحية جيدة، وهذا ديدن المملكة في كل موسم حج، الحرص على سلامة وصحة ضيوف الرحمن وأمنهم. ختاماً؛ ليشهد التاريخ أن المملكة العربية السعودية منذ قيامها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز ومن بعده أبناءه البررة، تقوم بخدمة حجاج بيت الله الحرام بكل طاقاتها وجهودها، لا تدخر في ذلك وسعاً ولا ترجو جزاءً ولا شكوراً إلا من الخالق سبحانه. وقد كانت الصحافة في تلك الفترة المتقدمة، قبل بدء البث التلفزيوني وبالرغم من قلة الإمكانيات وضعف التجهيزات الفنية، تقوم بدورها الفعال في إيصال ونقل أحداث موسم الحج بكل اقتدار، فمن بدء الإعلان عن دخول شهر ذي الحجة إلى وصول الحجاج إلى المملكة براً وبحراً، إلى الوقوف بعرفات إلى دخول عيد الأضحى، وصولاً لتفويج حجاج بيت الله الحرام ومغادرتهم المملكة بعد قضاء مناسكهم، ثم معرفة أعداد حجاج الداخل والخارج، ومعرفة الحالة الصحية لحج تلك السنة بالتعاون مع المؤسسات الحكومية.