معارض الكتب.. نظرة أخرى.
مع الحديث عن معرض جدة لهذا العام، كان لي حوار مع أحد الناشرين الذين لم يتمكنوا من الحضور للمعرض الذي يقام حالياً في مدينة جدة، وذلك بسبب سوء التنسيق والترتيب ومنح التراخيص اللازمة، ومما شكا منه ذلك الناشر أن الكثير من زملائه الناشرين من بلدان عربية عديدة لم يتمكنوا هم أيضاً من الحضور، وذلك بسبب مشكلة الموافقات والتراخيص، وهي إشكالية ربما غابت عن منظمي معرض جدة، حيث لا يجدي منح الترخيص قبيل المعرض بأيام معدودة، في ذات الوقت الذي يتطلب فيه شحن الكتب أكثر من عشرين يوماً. مسألة أخرى بدأت ملحوظة بوضوح خلال المعارض الأخيرة في الفترة الماضية، وهي سيطرة الهدف الاستثماري بصورة طغت فيها على الرسالة الأساسية للمعرض، وهي تقديم الثقافة والكتاب للمجتمع. لقد كان مما شكا منه صديقي الناشر أن تكلفة المتر المربع الواحد في المعرض - الذي تنظمه، وتشرف عليه، وتستثمر فيه، شركة لا علاقة لها بالثقافة وتفاصيل معارض الكتب - تبلغ أكثر من مئتي دولار للمتر الواحد، وهذا يعني، خلاف السكن، والمصاريف، وكلفة الشحن، الزيادة في سعر الكتاب، وبالتالي.. هل الزيادة في سعر الكتاب ستحقق الهدف الذي دائماً ما يأتي كعنوان لأي معرض كتاب؟ سؤال أخر أكثر أهمية، وهو: ما الحاجة إلى المبالغة في الأناقة والصورة البصرية لمعارض الكتب؟ صحيح إن هذا الشيء يُعطي عنواناً جاذباً للمعرض، ولكن سيكون وبالاً على رسالته وجوهره كمناسبة سنوية للكتاب، وتقديمه للمجتمع. الاهتمام البارز بالصورة البصرية والمبالغة في أناقة معارض الكتب ستنعكس حتماً على سعر المنتج النهائي، وهو هنا الكتاب. أجد أن معارض الكتب لدينا بحاجة إلى إعادة رسم السياسات بشأنها، وتخفيف سطوة الجانب الاستثماري نوعاً ما، مع إيماني المطلق بجدواه، وأهميته كعنصر نجاح وديمومة، ولكن ليس بالطريقة التي يطغى فيها كمفهوم على حساب الرسالة الأساس لأي معرض كتاب/ الموسم السنوي الوحيد الذي يكون متنفساً للقارئ السعودي الذي بات علامة فارقة كجمهور قرائي في كل معارض الكتب العربية. وإلا فلتكن هناك معارض كتب استثمارية تسطو فيها البهرجة، وتدعى لها دور النشر التجارية التي لا يهمها سوى الربح، وتستفرغ الرديء من الإصدارات والمؤلفين البلداء، ومعارض أخرى للكتاب نفسه، للجوهر الذي يبحث عنه القارئ، ولتكن في خيام! كقارئ.. راضٍ تماماً بسوق للكتب الجيدة والنوعية، ولو كان مكشوفاً في الشارع.