تمثّلات الذات!

-١- يحاول الجيل التقني جاهدا أن يتنكّر لسابقيه من صناع المعرفة وصانعي الجمال في كل المجالات، بدعوى - أو بعدوى- ما يسمّى بالتفكير الناقد واستقلال الشخصية، متناسيا هذا الجيل الرقمي الخالي من المعارف الراسخة أن ذاكرة الإنسان مختلفة عن ذاكرة الآلة الصمّاء، وأن الخوارزميات لا تصنع عقلا راسخا عدا ما تتيحه من معلومات تحتاج إلى نسق منظّم من الأفكار الجديدة. -٢- كلٌّ منا يسير في الطريق إلى نموذجه الخاص الذي تصوغه له تجارب الحياة، وهذا معنى من معاني (كلٌّ ميسرٌ لما خلق له)، فليس للمرء إلا أن يصدق مع ربه في الطريق إلى ذاته ليجد متعة التحقق في صيغة لا تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها بعيدا عن إملاءات الأصدقاء وإكراهات الأوصياء! -٣- كن أنت وستجد العالم يسير برفقتك واضعا لك علاماته وإيماءاته، لأن نموذجك الكامن في الوجود لا دليل إليه سوى حدسك، ولا طريق إلى اكتشافه سوى صدقك مع تجربتك الفردية، دون أن يعني ذلك أن تسير وحدك، أو أن تعتمد على حولك وطولك، فلا حول إلا بالله ولا قوة ولا نجاح ولا فلاح إلا بعونه وتوفيقه، ولا توفيق لمن لم يضع رضا الله نصب عينيه، ورضا الله، بلا ريب، ليس هو رضا الأحزاب والأصحاب، ولا رضا قطاع الطرق المعرفية الناقمين على التنوّع والجمال، إنما هو أن تعمر هذه الأرض بما يستحقّ الحياة، وتزهر برؤية واسعة لا تضيق بها المسالك والدروب. -٤- حين تطمئنّ إلى أنّ لك نموذجك الخاص، وأنّه لا علاقة لنجاحك بتتبّع الآخرين والحذو على منوالهم ستجد الطريق مفتوحة إليك، وستتسع لك الآفاق والدروب، ولن تكون محكوما بإطار يضعك حيث يريد أن يضعك الناس، وإنما بأفق يرفعك حيث تنفتح لك مدارج السماء ومعارجها نحو قدرك الأمثل ونموذجك المسطور في ذاكرة الغيب. -٥- لا يعني تمثّل الذات في نموذجها الفردي الاستغناء عن التجارب، والانبتات من التراكم السابق؛ فكل ذات إنسانية هي امتداد لذوات أخرى في سلسلة من النسب المعرفي والإنساني، والعالم كلّه نصوص متلاحقة يمدّ بعضها بعض في حركة أفقية تنتهي بانتهاء الأثر في نهاية الطريق!