
المسجد النَّبوي الشَّريف مَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْم، والصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وهو آخر مساجد الأنبياء، وثاني المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلاَّ إليها؛ وذروة سنامه الرِّواق القبلي وفيه الحجرة النبويَّة الشريفة التي تضم قبر النبيِّ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه أبي بكرٍ الصِّدِّيق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وفيه الرَّوضة المطهَّرة التي هي روضةٌ من رياض الجنَّة ما بين بيته ومنبره صلَّى الله عليه وسلَّم، ويشمل الرِّواق كامل مساحة المسجد النبوي الشَّريف أيَّام النبي عليه الصَّلاة والسَّلام. شرَّف الله المملكة العربيَّة السعوديَّة بأن جعلها مهبط الوحي ومنطلق رسالة الإسلام الخالدة ومولد النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ومنشئه ومبعثه. كما جعل بها أقدس مساجده المسجد الحرام والمسجد النبوي الشَّريف، وعلى أرضها تتم شعائر فريضة الحج، الركن الخامس للإسلام، وكُتبت الصفحات الأنصع من التاريخ الإسلامي. وشرَّف الله قادة المملكة منذ العهود الأولى للدولة السعودية، وبالأخص ابتداءً من عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود بخدمة الحرمين الشريفين وعمارتها. وكانت العناية بالمسجد النبوي من أولى اهتمامات الملك عبد العزيز رحمه الله، ومنذ انضواء المدينة المنورة تحت لوائه، فبادر بالأمر عام 1347ه بتشكيل لجنةٍ خاصَّةٍ للإشراف على المسجد النَّبوي الشِّريف وإصلاح وتعمير ما تصدَّع منه. وتمَّ في عام 1348ه تنفيذ أعمال تحسين الأرضيات والأروقة والمداخل والمآذن وإصلاحها، وتطويق الأعمدة المتصدِّعة بأحزمةٍ حديديَّةٍ تحفظها من زيادة التصدًّع والسًّقوط. كما أمر الملك عبد العزيز، حال علمه بحاجة المسجد النَّبوي الشَّريف عام 1365هـ إلى عنايةٍ عاجلةٍ إثر ملاحظة تصدُّعٍ في بعض أعمدته بالأمر بإجراء الإصلاحات والترميمات اللازمة. وكانت تلك بدايةً لدراسة وضع المسجد النَّبوي الشَّريف، صدر بعدها إعلان الملك عبد العزيز عام 1368هـ عن توسعة المسجد النبوي الشريف. وابتدأت الدراسات بالاستعانة بخبراء متخصَّصين من الباكستان ومصر، ومن ثمَّ البدء بتنفيذ المشروع عام 1370هـ. وصدر في ضوء ذلك أمره عام 1372ه وبالاستئناس بآراء المهندسين والخبراء من مصر والباكستان باستمرار العمل وفق المخطَّط المعدِّ والذي يقضي بإبقاء الرُّواق القِبلي وهدم الأروقة الثَّلاثة الأخرى، ووجه رحمه الله، في التفاتةٍ عمرانيَّةٍ مبهرة، بأن يُلاحظ في ارتفاع الأبنية الجديدة ألاَّ تعلو على ارتفاع المسجد الحالي. تمَّت أعمال التوسعة بإشرافٍ مباشرٍ من ولي العهد الأمير (الملك) سعود رحمه الله، الذي وضع حجر أساسها في 13 ربيع الأول 1372ه، واكتملت في عهده عام 1375هـ. وتابع أبناء الملك عبد العزيز العناية بالمسجد النَّبوي الشريف وعمارته حتى كانت التوسعة الكبرى في عهد الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله. ولم يخل عهد ملكٍ من ملوك المملكة من عنايةٍ واهتمامٍ وزيارةٍ للحرمين الشريفين. ويحظى المسجد النبوي الشَّريف اليوم بعنايةٍ فائقةٍ من خادم الحرمين الشَّريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، تمثَّلت في العديد من مشروعات تطوير السَّاحات واستكمال أعمال التوسعة، بالإضافة إلى العناية بأمن المسجد النبوي الشَّريف وتطوير خطوات زيارته للقادمين من بقاع الأرض. أعطت العناية بالمسجد النبوي الشَّريف اعتبارًا خاصًّا للرواق القبلي فعنيت بالحفاظ على معالمه وعدم المساس بأسسها، وترميم الزَّخارف والشبك المحيط بالحجرة النبويَّة الشريفة. ولعل في قرار الملك عبد العزيز عدم إزالة الرُّواق القبلي دليلاً على حساسيَّة العناية وعمق الاهتمام. تمتد العناية بالمسجد النَّبويِّ الشَّريف والرُّواق القبليِّ تحديدًا لتشمل مهام التَّشغيل والإدارة والحرص على توفير أمن وسلامة الزَّائرين والمصلِّين عبر خططٍ متكاملةٍ لتعزيز الأمن وإدارة الحشود وتقديم الدَّعم الإنساني والخدمات المساندة، والعمل على تحقيق انسيابية المتشرِّفين بالسَّلام على رسول الله صلى الله وعليه وسلَّم، وتنظيم الدُّخول إلى الرَّوضة المُطهَّرة والصلاة فيها. وفي ذلك الإطار جاء إنشاء “الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشَّريف”، لتتولَّى اختصاصات ومهمات وأعمال الخدمات والتشغيل والصيانة والتَّطوير المتَّصلة بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشَّريف، من خلال خططٍ وبرامج وتطبيقاتٍ استفادت ببراعةٍ من التقنية الحديثة في التَّسهيل على الزُّوَّار والمصلِّين. لم يشهد المسجد النَّبويُّ الشَّريف خصوصًّا، والحرمان الشَّريفان والمشاعر المقدّسَة عمومًا عبر التاريخ عنايةً كالعناية السعوديَّة، التي تتجاوز كلَّ الحدود من أجل تقديم خدمة تليق بالمكان المتشرِّف بساكنه عليه الصَّلاة والسَّلام. وسيبقى التاريخً شاهدًا صادقًا على تلك العناية المبتغية وجه الله قبل كلِّ شيء، وستستمر العناية السعودية في تزايدٍ حتى يرث الله الأرض ومن عليها.