سعد البواردي كما صحبته في القاهرة.

نعم يا رب الأرباب لكل أجل كتاب .. لا راد لقضائك ولا مقدر لآجالك ، لك الخلق ولك الأمر خلقت الخلق ومن ثم خلقت الموت والحياة لتبلونا أينا أحسن عملاً . لقد قلت وقولك حق : ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون ) . الكل مفارق هذه الدنيا وتاركها هذه سنة الله في خلقه عجلة تدور تبدأ من ساعة الميلاد وتقف عند ساعة الميعاد وعندها تبدأ رحلة جديدة تبدأ من المواراة في بطن الأرض حتى يأذن الله جل وعلا بالخروج منها إلى الحياة الأخروية الدائمة دار البقاء والهناء إن شاء الله . لقد تلقيت خبر وفاة الأديب الأريب والشاعر الكبير سعد بن عبدالرحمن البواردي بُعيد وصولي إلى ارض الكنانة وقاهرة العز ابن عبدالسلام المدينة التي لا تتثاءب والتي احبها الراحل الكبير رحمه الله و استوطنها برفقة عائلته الكريمة لأعوام عديدة بعد تركه لبيروت حيث كان يعمل ملحقا إعلاميا في لبنان وقد باشر عمله في الملحقية الثقافية في القاهرة بنفس مسمى وظيفته الاعلامية السابقة ، نعم لقد تلقيت خبر وفاته والذي نزل علي كالصاعقة لأني قُبيل سفري للقاهرة تواصلت مع ابنة العم رفيقة دربه وأم اولاده ( أم عبدالرحمن ) والتي اكدت لي أن وضعه الصحي مطمئن وأنه بخير ومما زاد من انزعاجي للخبر اني لن أستطيع ان أكون من ضمن المصلين عليه والمشيعين لجنازته وهو من هو بالنسبة لي الأنيس الونيس وابن عمة وزوج ابنة عم حيث إن والد والدته ( منيرة ) هو الأمير عبدالرحمن بن ناصر العنقري أمير ثرمداء آنذاك لمدة اربعين عاماً فالراحل هو ابن أمير شقراء عبدالرحمن البواردي ووالد والدته أمير ثرمداء التاريخ ورفيقة دربه أم أولاده والدها قاسم العنقري رحم الله الجميع . لقد سعدت بصحبة الفقيد في القاهرة مدة ليست بالقصيرة ابتداءً من زيارات متقطعة ضمن لجان تعاقد للجامعات السعودية من كفاءات وأساتذة الجامعات المصرية ثم توطدت علاقتي بأبي عبدالرحمن بعد تعييني ملحقاً ثقافياً بجمهورية مصر العربية حيث كان يعمل بمكتب الملحقية ملحقاً إعلامياً حتى تقاعده ومن هنا ترسخت علاقتي بالفقيد وتعددت زياراتي له في مسكنه القابع بشارع التحرير الملاصق لبنك فيصل الإسلامي والقريب من فندق شيراتون القاهرة التاريخي في محافظة الجيزة فكان لي نعم الأب الحنون والموجه الموثوق والناصح الأمين فكان بحق نبعاً صافياً زلالاً استقي منه النصح والتوجيه واستفيد من توجيهاته الأبوية الحانية العلمية والعملية فكان لي ورفيقة دربه أم عبدالرحمن خير صحبة وخير أهل يطوقونني بكريم أخلاقهم المعنوية والحسية ولا يبخلون علي بأي توجيه ونصح ، ومن جميل ما أود الإشارة إليه واسطره أني كنت أسعد بصحبته كل مساء في زيارة لشيخنا العلامة حمد الجاسر في داره القابعة على أطراف وادي النيل العتيق في محافظة الجيزة حينما يحل الشيخ حمد ضيفاً كريماً سنوياً في أرض الكنانة قاهرة الأزهر الشريف للمشاركة في دورات مجمع اللغة العربية التي تنعقد كل عام حيث كان عضواً فاعلاً في المجمع وكنت أسعد أيما سعادة في استقباله منذ وصوله إلى مطار القاهرة وتوديعه حينما يعود للوطن وكانت زيارة الراحل وكاتب هذي السطور حيث يقيم الشيخ حمد ندوته شبه اليومية فرصة ثمينة لي حيث يتم اللقاء بالكثير من معارف الشيخ حمد من رواد الثقافة والأدب من مختلف المشارب والجنسيات العربية حيث تدور خلال تلك الأمسيات القاهرية نقاشات ثقافية وأدبية لا تقل عما تحتضنه ضحوية الشيخ حمد أو خميسيته الأسبوعية في الرياض في ذلك الوقت فأنهل مما يدور فيها من طرح واستفيد مما يتم فيها من نقاش ثقافي قيم من علماء أفاضل كبار ورجال فكر جهابذة . أيضاً عملنا معاً حتى عودتنا إلى أرض الوطن في لجنة توجيه الدعوات لكبار المسؤولين في الحكومة المصرية ومديري الجامعات والمعاهد العلمية ورجال الفكر والأدب والثقافة للمشاركة في الاحتفال باليوم الوطني الذي تقيمه سفارة المملكة كل عام في جمهورية مصر العربية . ولعل القارئ الكريم ليس بحاجة للحديث عن سيرة الراحل سعد البواردي الأدبية الرائدة حيث سبقني إلى الحديث عنها الكثير من الكتاب بعشرات المقالات من رجال فكر وأدب ممن هم أكثر قدرة ومكانة مني والتي حققت حضوراً متميزاً ومكثفاً على الساحة الثقافية في الوطن على مدى قرابة سبعة عقود كما أشار إلى ذلك الكاتب المتمكن الدكتور عبدالعزيز بن صالح بن سلمة في أثناء حديثه عن الأديب سعد البواردي والذي وصفه وهو محق بأن سعد لديه قدرة فريدة على التصوير بالقلم والرسم بالكلمات - تصوير أحوال البشر والمشاعر الإنسانية - فحقق لنفسه مكانة بارزة في سنوات قلائل من انطلاق رحلته مع الكتابة وتحديداً منذُ نشر له أول إنتاج ثقافي عام ١٣٧٣هـ . رحم الله الفقيد الأديب الأريب سعد البواردي المتواضع والمنكر لذاته الكاره للمدح والثناء مما انعكس على أسلوبه الأدبي بالسلاسة والبساطة وعدم التكلف النقي الوفي لأصحابه ومحبيه وأنا واحد منهم فلا أنسى تكرمه وتفضله رحمه الله بعد عودتنا للمملكة حينما يدعى لأمسية ثقافية أو تكريم فيطلب من الداعي توجيه دعوة لشخصي الضعيف مثل ما حصل في أمسيته الثقافية في نادي الرياض الأدبي حيث أكد لي ذلك الأستاذ الدكتور محمد الربيع حينما كان يرأس النادي وكذلك حينما تم تكريمه من قبل اثنينية عبدالمقصود خوجة في جدة .