الهوية والأمن الفكري.

تشكل الهوية الأساس الذي يقوم عليه الأمن الفكري، ويمثل الأمن الفكري الأدوات والسبل التي تحمي الهوية، فالهوية والأمن الفكري عقدان مترابطان في تماسك الفرد والمجتمع. تعرف الهوية بأنها مصدر صناعي من (هو) وهي بمعنى جوهر الشيء وحقيقته، والمعنى الرئيس فيها التفرّد سواء كان للفرد أو الجماعة، ويمكن توضيحها بأنها جميع السمات الروحية والمادية والفكرية التي تتمايز بها الشعوب بما تتضمنه من الفنون والآداب والمعتقدات والمعرفة والأخلاق والعادات وفلسفتهم للحياة، وأما مكونات الهوية فهي: الدين، واللغة، والتاريخ، والمجتمع، والمكان، هذا ما يخص الهوية. أما الأمن الفكري فهو عبارة عن مصطلح مركب يتكون من جانبين: الأمن، والفكر، ويعرف الأمن بأنه سكون القلب والطمأنينة والشعور بالرضا، في حين أن الفكر هو تردد الخاطر بالتأمل والتدبر بطلب المعاني، ونظرا للمقتضيات التي يشهدها نشوء أي مصطلح من إشكالات تدعو إلى الكشف عنه، فيمكن القول بأن الأمن الفكري: (هو السياج المانع من تسرب الشبهات والافتراءات التي تهدد أمن واستقرار المجتمع، والركيزة الأساس لكل تقدم وازدهار)، وظاهر من التعريف المساق بأنه يتكون من شقين: الشق الأول: حاجز وحماية، والثاني: تقدم وازدهار، وهو من المصطلحات المستحدثة، ولا يعني هذا عدم وجوده في العصور السابقة، إنما وجد بصبغة وأدوات ذلك العصر. إن الانفتاح الحضاري والبيانات الذكية والتواصل المعرفي وسيولة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي أمواجٌ عاتية تصطدم في جدار الهوية فتضطرب منظومة الأمن الفكري التي قد تصل بفعل تدفق العولمة إلى ضياع المعنى، وإحداث فراغ، وضعف في الوعي، وضبابية في عمليات التفكير، إن آثار اضطراب الأمن الفكري متعددة الجوانب منها النفسية والاجتماعية، من الاغتراب النفسي، والتطرف، والهزيمة النفسية، واضطراب في الهوية فضلا عن القلق والاكتئاب، وزيادة الجريمة والعنف. أن أنجع الحلول لأي مشكلة هو الشعور بأن هناك مشكلة، ولا نقصد هنا مجرد الشعور إنما الشعور الواعي المستبصر، وأحد أهم مهددات الأمن الفكري: الغزو الفكري والثقافي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمعلومات المغلوطة، وهذه عوامل خارجية، أما العوامل الداخلية وهي التي تنشأ من الفرد نفسه والتي تتمثل بالجهل، وضعف الوعي بالهوية الوطنية، والجهل بالتاريخ أو التراث الثقافي، وضعف التفكير، والتسليم لكل فكرة، وضعف الروابط الأسرية، وبعض هذه العوامل متداخل مع بعضها لا سيما في عالم متسارع التغيرات. تكمن أهم الحلول لتعزيز الأمن الفكري توثيق الفرد والمجتمع بمكونات هويته، وبث روح الحياة فيها، والتثقيف بمفاهيم الوسطية فلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط أو تفريط، ومفهوم التعددية الذي يسمح لمجتمع أن تتعدد فيه الأصول الثقافية والمذهبية والعرقية وتسوده المساواة مما يضمن للجميع أن يحتفظوا بهوياتهم ويتقيدوا بأصولهم، ويشعروا بالانتماء للهوية الوطنية الجامعة، ومفهوم التعايش الذي يراد به خلق جو من التفاهم بين الشعوب بعيدا عن الحرب والعنف، ومن الجانب الآخر التحذير من التطرف بشتى جوانبه السلوكية والوجدانية والفكرية، والغلو يكون في عقيدة أو فكرة أو مذهب أو غيره، ولا يختص به دين أو جماعة أو حزب، ومن المهم تعزيز مهارات التفكير الناقد من التحليل، والتقويم، والتمييز بين الحقيقة والرأي، وكشف المغالطات، وإبراز المتناقضات، وفحص المعلومات. * دكتوراه في الأدب والبلاغة