الراحل إلى غربة.

أن تستدير راحلاً إلى غربة جديدة وهم يراهنون على عودتك مهزوماً مكسوراً وأنت عازم وواثق بأن لاعودة. واللاعودة في عرفك أن تستمر في المسير بلا إلتفات للخلف ورأسك مرفوع وقامتك غير منحنية وكرامتك محفوظة والأغبياء يسألون عن سرٍما حول ذلك ولايفهمون هم وبائعوا الذمم ورخصاء القيمة من البشر ماهية الدوافع التي تجعلك على ثقةٍ ويقين بأنك على حق ولن تضيع ولن تعود، وتستمر بلا أسف ولا ندم وتسجل إنتصاراً على رغبة البقاء في مكان تألفه وتعشقه ولا تتوفر به شروطك. الأصوات العالية والضجيج المفتعل والكذب لاتقوم مقام مطهرٍ لليدين ولا تغسل القلوب السوداء والأوجه المتسخة لخصوم الراحل إلى الغربة الجديدة في سلام داخلي عميق يفتقده خصومه في الطريق إلى القبر. هي صفحة طويت لكنها تؤرقهم في الليل وتطاردهم في اليقظة وتحاصرهم وهم يحاولون الهرب. ومما يلفت الانتباه المقارنة بين الأثمان المدفوعة من المقفي بإختياره الراحل إلى الغربة الجديدة وخصومه. سأل الناس في المكان الجديد من هو؟ وكيف أتى؟ ولماذا أتى؟ وفي المكان القديم سألوا كيف رحل؟ ولماذا رحل؟ وانقسم الناس حوله إلى مؤيدٍ له وشامت به ، وبين فرحٍ برحيله وحزين هي هكذا المعارك الصغيرة في الحياة وهذه طبيعتها التي رغبوا في سحبك إليها وأنت ترفعت عنها ثم صفعتهم برحيلك المتعالي على الجروح وبقرار الرحيل الذي إتخذته بقوة واستقلالية. كل ماسبق نقلته المرآة من خلفك بأمانة ودقة وأنت تنظر إلى المرآة وتسير بذهن مشغول بمعالجة معلومات وأحداث سابقة فلم تتبين أين تضع أقدامك ولم تشعر بنور الفجر المتسلل بهدوء. وأنت ياعزيزي ماهرٌ في وضع الابتسامة على وجهك وتستخدمها ستارة تحجب رؤية أوجاعك، وتخطو الخطوة الأولى في الموقع الجديد بثبات وتتصفح أوجه المستقبلين وتكوّن انطباعاً أولياً عنها. نزيف جروحك وضجيج الحوار الداخلي الصاخب لايهم أحداً ولايلاحظه أحد وأنت منطوي على ذاتك بشموخ وتسحب ظلك بتثاقل باحثاً عن صخرة تتكيء عليها في الهواء الطلق لاعن وسادة من ريش النعام. وماذا يعني أن لاتجد في هذا الرمل صخرة ولا ظلالاً؟ التحدي لازال قائماً و أنت من تركت بإرادتك اللقمة النظيفة عندما وضعوا فيها السوس والنكد وتركتها ليمضغها وضيع الرجال وذليلهم بسعادة بلهاء. ويأكل إلى حد التخمة بعد أن كفن الضمير الميت بالكفن الأسود وتأكد من دفنه وبعد أن قام بأداء صلاة المخادع لنفسه والكاذب بإصرار المؤدي للطقوس بطريقة يراها الآخرون.