
يأخذنا الحنين من حيث نعلم أو لا نعلم إلى المكان الذي رسمت أقدامنا الصغيرة خطواتنا الأولى عليه. في يوم مشمس من شهر أبريل ٢٠٢٤م وصلت أ.د. ليندا سام لوقن إلى الخرج بعد ٦٠ عامًا من مغادرتها وهي في سن العاشرة، حضرت بدعوة خاصة من أ. سعود الخريف لحضور مهرجان الأغذية والألبان الذي أُقيم في محافظة الخرج من ٢٥ أبريل حتى 5 مايو ٢٠٢٤م برعاية كريمة من أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر. د. ليندا تعمل أستاذاً في جامعة هيوستن في مجال الطب البيطري. ونعود بالذاكرة إلى مشروع الخرج الزراعي حينما طلب الملك عبدالعزيز - رحمه الله - من شركة نفط ستاندر وكاليفورنيا العربية أن تتسلم مهمة إدارة المشروع وأن تستقدم بعثة من الخبراء الزراعيين الأميركيين. واجهت الحكومة تحديات اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية وذلك بسبب اتساع مساحة المملكة وطبيعة حياة الترحال القاسية ، وقد رأى الملك عبدالعزيز أن توطين البدو في قرى وهجر وربطهم بالأرض والزارعة هو أفضل السبل لضمان الأمن والاستقرار لهم وللدولة، ومن ناحية أخرى كانت السعودية أول تأسيسها تعتمد اعتمادًا شبه كلي على المواد الغذائية المستوردة من الخارج بما فيها المواد الأساسية السكر والقهوة والأرز وغيرها، الأمر الذي كان يشكل أعباء على ميزانية المملكة لا سيما في ظروف الحرب العالمية الثانية التي أسهمت في شح المواد الغذائية وزيادة الاسعار وهذا ما حفز الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على إيجاد مشروع زراعي في الخرج في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي. وأظهرت الدراسات أن الخرج ومياهه وزرعه وتربته على أنها صالحة لأن تكون مدينة زراعية، كما أثبتت الأبحاث ذلك ما جعل الحكومة تعنى بها عناية خاصة في الزراعة. وأصبحت الفكرة تراود الملك عبدالعزيز - رحمه الله - من قبل نشوب الحرب الكبرى هذه لأنه رأى إنذاراها قبل سنوات من نشوبها، فخشِي أن تغلق طرق البر والبحر، فلا تصل المؤونة إلى البلاد، ورأى أن من الحكمة العناية بأراضي المملكة والتعويض بمنتجاتها من الخارج. وعرض فكرته هذه على وزير ماليته الشيخ عبدالله بن سليمان الذي تسلمها من جلالته مختومة بختمه الملكي فأولاها كل اهتمامه وأخذ يدرسها جيدًا. وصلت البعثة الأمريكية (الأولى) 1363هـ الموافق 1944م وهي مكونة من ثلاثة خبراء هم رئيس وعضوان هم مستر رجورز دايفيد الرئيس ومستر كواس مدير مزارع السهباء ومدير مزارع السيح مستر أمرك، ثم جاءت بعدهم بعثة أخرى سارت على أثرهم وانتهت مدتهم أيضا وجاءت بعدهم بعثة ثالثة برئاسة مستر سام في لوقن 1370 هـ - 1950م، وهو والد الدكتورة ليندا، والذي كان محافظًا على عمله ومحبوبًا من العمال والمزارعين والموظفين، وله الأثر الطيب لما قدمه لمشروع الخرج الزراعي ولما شهده من تطور وزيادة أنواع المنتجات والمحاصيل وإضافة أنواع جديدة من المنتجات. للدكتورة ليندا ذكريات جميلة في محافظة الخرج وأخص بالذكر مشروع الخرج الزراعي الذي نشأت فيه وكانت حينها طفلة صغيرة لكنها مازالت تتذكر وتحن إلى تلك الأيام، والتي جعلتها تعود لها بعد فراق ٦٠ عامًا من مغادرتها المملكة وهي بعمر الـ 10 سنوات عندما انتهى عمل والدها كرئيساً للبعثة الأمريكية الثالثة. وقد ذكر الشاعر عبدالرحمن بن قاسم العنقري الذي عمل مترجماً في مشروع الخرج الزراعي في ديوانه: “ومن القصص التي أذكرها عن المهندس سام لوقن عندما ذهب المهندسون الأمريكيون وكان عددهم خمسة مهندسين برفقتي لزيارة الملك عبدالعزيز بقصره بالخرج (قصر مشرف)،. “ وأعطى كل واحد منهم ساعة، وأهدى لي أحد أثوابه قائلًا لي: (يا ولدي تراه جديد وتستاهله). وبعد خروجنا من قصر الملك عبدالعزيز طلب مني رئيس البعثة (سام لوقن) أن يأخذ الثوب معه إلى أمريكا حتى يعرضه على أسرته وأصدقائه في أمريكا، حيث استقر هناك لمدة ٥٦ عامًا، وفي عام ٢٠٠٢م ذهب أصغر أولادي للدراسة في أمريكا.”،”وعندما قام بزيارة أسرة (سام لوقن)، وجد المفاجأة، فقد قامت أسرة (سام لوقن) في عام ١٩٧٥م بعرض الثوب في معرض أقامته جامعة تكساس عن الشرق الأوسط، وقد عُرض الثوب، وكان دافعهم لهذا التصرف هو حبهم للمملكة العربية السعودية، وتعلقهم بالأرض التي أحبوا أهلها كثيرًا، وقد لفت الثوب أنظار زوار المعرض، ووجد استحساناً من الجمهور الأمريكي (كما يقول سام) وعاد ابني وقد احضر الثوب معه” وقد زارتهم د. ليندا في منزلهم بالهياثم ثم أسعدتني بزيارة لصالون سارة الثقافي في منزلي، وأسعدها كثيراً مقابلة والدتي التي كانت تعرف والدها ووالدتها أثناء عملهم في الخرج، وطلبت منهم أن تبلغ سلامها لهم هنا تراجعت الدكتورة ليندا قليلاً إلى الوراء وقد بدأ عليها التأثر وهمست : ليتني أستطيع.