نصوص مسرحية سعودية:

أرشيف فني بين الهوية والواقع.

يمثل النص المسرحي حجر الأساس في تكوين العرض، إذ يحمل الرؤية، والمضمون، والصراع الذي يُترجم لاحقًا إلى أداء حي على الخشبة. وفي المشهد المسرحي السعودي، برز عدد من الكتّاب الذين وثّقوا واقعهم الاجتماعي والثقافي من خلال نصوص مسرحية تراوحت بين ما عُرض على المسارح، وما بقي شاهدًا مكتوبًا على الورق. في هذا المقال، نستعرض ستة أعمال مسرحية متميزة، لكل منها طابعها الخاص، وجميعها تسهم في رسم ملامح المسرح السعودي المعاصر من زاوية العلاقة بين الهوية والواقع. الأعمال المسرحية الكاملة للكاتبة ملحة العبدالله. جمعت أعمال ملحة العبدالله في خمسة أجزاء تضم نصوصًا تُعنى بقضايا المرأة، وتواجه السلطة الثقافية والاجتماعية. تنوعت مسرحياتها بين ما عُرض في السعودية ومصر، وما كُتب باللهجة البدوية لتمثيل الهويّة المحلية بعمق وافتخار. كتبت للقرية السعودية، واستحضرت تراثها ورقصاتها وموروثها الشعبي، مما يجعل نصوصها وثيقة مسرحية حية تسجل تحولات المجتمع والمرأة السعودية من الهامش إلى مركز المشهد الثقافي. مسرحيات (الرقص على سن الشوكة، ثقوب في الظهر، الموت الأخير للممثل) للكاتبة رجاء عالم. في أعمالها المسرحية، تنبش رجاء عالم قضايا المرأة، الحرية، الجسد، والهوية، مستعينة بالرمز والموروث المسرحي اليوناني. تطرح أسئلة وجودية تتعلق بصراع الذات مع المجتمع، وسعي المرأة للتحرر من القيود. نصوصها تعكس وعيًا فلسفيًا واجتماعيًا يربط بين التجربة الفردية والتحديات البنيوية في المجتمع، ما يجعل من أعمالها صدىً لمطالب الحرية والكرامة. الأعمال المسرحية الكاملة للكاتب عبد الرحمن المريخي. تأتي أعمال الراحل عبد الرحمن المريخي في جزئين، وتُعد من أبرز المجموعات الرائدة في مسرح الطفل في الخليج العربي. لم يكن المريخي كاتبًا مسرحيًا فحسب، بل أيضًا شاعرًا وفنانًا تشكيليًا، وقد انعكست هذه التعددية الفنية في نصوصه. من أبرز أعماله ليلة النافلة (1396هـ)، والتي تُعد من أوائل النصوص المسرحية الموجهة للطفل في السعودية. تتسم نصوصه بحس فني عالٍ، وتناول خيالي لقضايا الطفولة، في سردٍ رمزي عذب يحفّز الخيال ويعزز القيم. الأعمال المسرحية الكاملة للكاتب فهد ردة الحارثي. منذ عام 1990 وحتى 2021، قدّم فهد ردة الحارثي عددًا ضخمًا من النصوص التي تمثّل تطور المسرح السعودي في مراحل مختلفة. ويُعد من مؤسسي “مسرح الطائف” وموقعه الإلكتروني، كما كان أول من خصص صفحة للمسرح السعودي في الصحافة المحلية عام 1987، نصوصه توازن بين الواقعية والتجريب، وتتناول قضايا وجودية واجتماعية بوعي فكري عميق، ما يجعل من أعماله مرجعًا مهمًا للباحثين في تطوّر النص المسرحي المحلي. الأعمال المسرحية الكاملة للكاتب عباس الحايك. عالجت مسرحيات عباس الحايك مجالاً واسعًا من القضايا الاجتماعية والإنسانية، حيث تناول الحياة اليومية وتعقيداتها، مسلطًا الضوء على وعي الذات الفردية في مواجهة السلطة والواقع. كما شكّلت نصوصه المسرحية مرآة تعكس تحولات الهوية والثقافة السعودية، من خلال شخصيات تعاني التمزق بين القيم والتقاليد والتحولات المعاصرة. لم يغب الصراع الأبدي بين الخير والشر عن أعماله، بل شكّل محورًا دراميًا يفتح المجال للتأمل الفلسفي والنفسي. وللاغتراب النفسي حضور لافت في كتاباته، حيث تتجلى الغربة عن الذات والمجتمع كأحد تجليات القلق الوجودي الذي يعانيه الإنسان المعاصر.  تذكرة مغترب للكاتب إبراهيم الحارثي. يتناول هذا العمل المكوّن من سبعة نصوص، ثيمة الاغتراب بمستوياته المختلفة: المكاني، الروحي، والوجودي. يسلّط الضوء على أزمة الهوية والانتماء، والبحث عن الذات في واقع مفكك. لغة الحارثي رمزية، سلسة، وتحمل طابعًا فلسفيًا وجوديًا واضحًا، ما يجعل العمل مساهمة نوعية في مسرح ما بعد الحداثة في السعودية. عزف اليمام للكاتب ياسر مدخلي. يقدّم مدخلي في هذا العمل سبعة نصوص تستكشف قضايا الحرب، السلطة، الدين، والفساد. وتدور أعماله حول صراع الإنسان مع المنظومات السلطوية، والبحث عن معنى في واقع تتنازعه التناقضات. تتسم نصوصه بلغة شاعرية ذات طابع تأملي، وتفتح أفقًا فلسفيًا لفهم علاقة الفرد بالمجتمع، مما يجعل من “عزف اليمام” نصًا يجمع بين البُعد الأدبي والموقف الفكري. تشكّل هذه النصوص المسرحية أرشيفًا فنيًا وثقافيًا يعكس تحولات الهوية السعودية في مواجهة الواقع. إنها لا توثّق فحسب، بل تحاور وتنتقد وتعيد صياغة الأسئلة الكبرى حول الذات، المجتمع، والسلطة. وبينما تجد بعض هذه النصوص طريقها إلى خشبات المسرح، تظل الأخرى صامدة على الورق، في انتظار عين قارئ أو مخرج يمنحها الحياة. حفظ هذه الأعمال وتوثيقها خطوة أساسية في بناء ذاكرة مسرحية وطنية، تمنح الفن دوره الحقيقي كمرآة للواقع ونافذة إلى المستقبل.