بالتعاون مع نادي جازان الأدبي ..

نادي أصدقاء الأدب يحتفي بلإصدار الأول لثلاثة شعراء .

جازان ـ عزيزة صعابي تصوير:محمد العركي في مساء الأربعاء 21/5/2025م أقام نادي أصدقاء الأدب بجازان بالتعاون مع نادي جازان الأدبي فعالية استثنائية ختاما لموسمه الإبداعي من عامه الأول حضرها جمهور كبير من محبي الأدب ، حيث احتفى بالإصدار الشعري الأول لثلاثة شعراء شباب من أعضاء نادي أصدقاء الأدب ، الذي يحقق به النادي أهم أهدافه وهو إعطاء الفرصة الكاملة للشباب في تطوير تجاربهم من خلال اللقاءات الشهرية المتجددة في النادي بوجود عدد من أساتذة الأدب والنقد المميزين بجامعة جازان ومن خارجها . أدار اللقاء الأستاذ الشاعر عصام يحيى بريك “عضو نادي أصدقاء الأدب” ، وسط حضور كبير جاء متعطشا للاستماع للشعر . استهل المقدم اللقاء بالترحيب بجميع الحاضرين والحاضرات ثم قال : أيها السادة النبلاء، يا من تؤمنون بأن للكلمات روحًا، وللشعر ظلًا لا يُشبهه ظل… مرحبًا بكم في هذه الليلة التي لا تُشبه غيرها، ليلةٌ نفتح فيها نوافذ القلب للقصيدة، وننصت لصوت الشاعر وهو يمسك قلمه لأول مرة، لا ليكتب، بل ليُولد من جديد. نحن الليلة لا نحتفي بشعراء وحسب، بل نحتفي بالميلاد الأول لحروفهم المطبوعة، بأول إصدار يخرج من بين أيديهم للعلن، لا لأنهم بدأوا للتو، بل لأن هذا الإصدار ثمرة ناضجة لمسيرة من الكتابة والتوهج والمشاركة والقراءة. هذا اللقاء ثمرةٌ من ثمار نادي أصدقاء الأدب، الذي يواصل إضاءاته للمشهد الثقافي برؤيةٍ واعية وتنظيمٍ متقن، عبر صالون الصعابي، الذي غدا نافذةً حيوية للحوار والذائقة في وطنٍ تنبض فيه الحروف حياة، وتمتد فيه خرائط القصيدة من القلب إلى القلب.. نتقدّم بالشكر الجزيل للنادي الأدبي على كريم استضافته لهذه الأمسية، واحتفائه بما يصنعه الأدب في قلوبنا. فأهلًا بمن جاؤوا ليقرؤوا، لا ليُعجبوا فقط، بل ليضيئوا النص بنقدهم، ويحاوروا المعنى في عمقه. مرحبًا بكم جميعًا في هذه الليلة... ثم بسط المساء جماله بقصائد الفارس الأول الشاعر: محمد عبد ربه ، حيث ألقى من ديوانه الأول “ قبسٌ من الظلام” قصيدة”عبور” مطلعها: هل جرى يا شعر بالدمعات معنى غير قلب سطرته الشمس لحنا ثم ألقى قصيدة “الجلال المنيف”: أرخـيـت طـرفـًا وَ روحـًا بـزهـا الــشــغــفُ تــطــيـر نــحــوك شـوقـًا وَ الــهــوى ورفُ حلقت خــلــف طـيـوف الـنـور مـلـتـمـسـًا حـــــبـًـا يـــشــــع وَ أنت الــيـاء وَ الألـــف وختم بقصيدة “قـطـرات بـيـضـاء”... الــمــوت مـن فــهــم الــوجــود بـدايـةً ولــذاك يـخــتـزل الــكــمــال لـيـنـشـره مــا زال يـغــرس في الــمــدى أســراره لــــيــريــك أن الآدمـــيــة مــــقــــبــرة الشاعر الثاني الأستاذ عبد العزيز موسى حكمي ، من ديوانه “ ألسنة الأشواق” تجلى في قصائد ثلاث، النصّ الأول “فاطمة”: تشقّقَ قَلبي وهو مِرآتِي التي أُصدِّقُها فالصّورةُ الآنَ ظالِمَةْ أهذا أنا؟! أم أنّ عَينَيّ لم تَعُدْ ترَى واضِحًا إلّا تَفاصِيل فاطمةْ النصّ الثاني “كلّ شيء يسمّيك أمّي”: إلَيَّ إلَيَّ يا أُمِّي فمَائِي حنَانُكِ.. والسَّمَادُ يدٌ أمِينَة النصّ الثالث: “نعم عشقت”: ماذا بَقاؤُكَ؟ ماذا بعدُ مَا أفَلَا ؟! ماذا انتِظارُكَ إنْ لم تنتَظِرْ أمَلَا ؟! لِمَ الوقُوفُ على أيَّامِهَا أسَفًا أمَا وجَدْتَّ لأيّامٍ مَضَت بَدَلَا ؟! انطلق بعده الشاعر الثالث الأستاذ: علا الله طاهر إذ قرأ من ديوانه الأول “ذاكرة الحجر والماء” والفائز بجائزة الشارقة : أغنيةٌ لساحلٍ من فُلّ: في هذهِ الأرضِ قال الحبُّ: لا تقلقْ لأنَّ أبناءَها من رملِها أعرقْ وما ذهبتُ لشيخٍ كي يعلّمني فبحرُ ( جازانَ ) كان الخضرَ والزورقْ محاولةٌ لإنقاذِ موجة: عيناكِ بحرانِ قلبي فيهما غَرِقَا وساحلانِ شراعي منهما انْطَلَقَا وقلتِ للبحرِ : كنْ عذْبًا فعذَّبَني ملحٌ تسرَّبَ للمجدافِ وانْدَفَقَا مرآة وجودية بلا وجه “ النص الثالث: لا أحفظ الأسماء، ما اسمي إذن؟ لاعبُ خفةٍ خدعتُ العلنْ بهذا النص توقف انهمار الشعر وجاء النقد ليحتفي ويثير تساؤلات المتلقي . الناقد الدكتور إبراهيم الهجري يغوص في أعماق ديوان “قبس من الظلام” للشاعر محمد عبد ربه ، فيقول: حيث قال : يمكن تصنيف هذا الديوان ضمن الاتجاه (الرومانسي)؛ لاعتبارات ثلاثة: 1- شيوع المعجم (الرومانسي) المتمثل في: (الليل – الصبح – الرؤى – الخيال – الحزن – الشوق – الشجون –...........). 2- عناوين القصائد، ومن ذلك: إلى حبيبتي – عبور – ودق الشوق – خيال – نافذة حلم إلى شاطئ العمر – حسناء هولندية – بوح الذهول – فيض –........ 3- مضامين هذه القصائد، كلها تشي بالحب، وبالشوق، وبالحنين، وبالتأوّه... ثانيا: من أهم التقنيات الجمالية في هذا الديوان: المفارقة – الانزياح – التناص – تراسل الحواس – الرمز... وعلى مستوى الإيقاع هيمنت عدة ظواهر إيقاعية جمالية، من أهمها: التكرار – التوازي – ردُّ العجز على الصدر... وخلاصة القول: هذا الديوان (قبسٌ من الظلام) على الرغم من كونه الديوان الأول المطبوع للشاعر؛ إلا أنه تجاوز المرحلة التقليدية؛ ليضع خطوات متقدمة نحو الإبداع الشعري؛ بما حواه من تقنيات إبداعية على مستوى الرؤية والبنية، راجيا للدكتور الشاعر: محمد عبد ربه جعفر مزيدًا من التقدم الشعري الإبداعي. أعقبه الناقد الدكتور محمد عاتي في جولة ماتعة عن جماليات اللغة في نصوص ديوان “ألسنة الأشواق” للشاعر عبد العزيز الحكمي ، إذ قال مجسدا جماليات اللغة في ديوان( ألسنة الأشواق) للشاعر عبدالعزيز الحكمي: تمثل اللغة أحد أهم مقومات الفن الشعري، وهي التي تمنح النص الشعري عمقًا فنيًا وتأثيرًا وجدانيًا في المتلقي. ، فالشاعر - كما يقول جان كوهين - مبدع الكلمات؛ لأنه يعبر، وليس مبدع الأفكار. ومن أبرز جماليات اللغة الشعرية في ديوان (ألسنة الأشواق): •التناص: وهو الحضور الفعلي لنص في نص آخر، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويهدف إلى تكثيف الرؤية وإثراء اللغة،ومن التناص الصريح، قوله: ها هي الآن تستفيض اشتهاءً***كلها “ هيت “ والتعابير تغني في البيت تناص ديني واضح مع قوله تعالى:” وغلقت الأبواب وقالت هيت لك “. ومن التناص المتمثل بالمعنى، قوله: هل كان باقي الوشم من سكن***يدرى به لو لم تكن خولة هنا تناص أدبي مع بيت طرفة بن العبد: لخولة أطلال ببرقة ثهمد***تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد ومن التناص التاريخي - في الديوان -استدعاء الشخصيات القديمة، يقول: يا لذة الكأس يا أمجاد عنترة وثورة الزير والموت الذي اتسعا يا لذة الكأس يا إغواء فاتنة حل النواسي فيها الدهر منتجعا فعنترة والزير والنواسي كلها شخصيات شعرية قديمة. لقد أجاد الشاعر استخدام تقنية التناص؛ لاستناده إلى ثقافة حقيقية، وامتلاك رؤية شعرية ناضجة واضحة، وقدرة على استغلال سياقات النص المستدعى وتوظيفها لكونها أبعادًا دلالية في النص الأصلي. •التكرار: ظاهرة لغوية فنية ذات قيمة أسلوبية مهمة،وله عدة أشكال وصور - عند النقاد والدارسين - وسأكتفي ب(تكرار الحرف) وتحليل نص كشاهد عليه، يقول الشاعر في قصيدة( ألوّح صامتًا): أترجع كل أفراحي جراحًا؟!*فمن رضي الفراق؟ ومن أباحا أصافح والفؤاد يذوب حزنًا***فأطوي لوعة وأمد راحا ألوح صامتًا فأرى أمامي***من الأشواق ألسنة فصاحا نلحظ أن حرف الحاء يسيطر على هذه الأبيات الثلاثة، حيث تكرر ثمان مرات، وهو صوت حلقي مهموس، يُشعر بالحالة النفسية الحزينة، ويفيد الألم، وقد جاء التكرار ملائما لمعنى النص. ويدل - أيضا - على الحالة النفسية الحزينة للشاعر في هذه الأبيات حضور معجم الحزن بصورة واضحة من خلال الكلمات الآتية: ( جراح/ فراق/ يذوب/ حزن/ لوعة ) وكلها كلمات تدل على الحزن والألم. •الحذف: يستخدم الشعراء الحذف لفتح تأويلات نصوصهم وزيادة إيحاءاتها وتعدد دلالاتها.. يقول الشاعر: أبهرتهم نورًا كأن الشمس… فانتقدوا ظلامك يفسر الحذف بـ ( مشرقة / مضيئة/ منيرة…) أو غير ذلك. أخيرًا هناك بعض التجاوزات اللغوية التي استساغها الشاعر لاستقامة الوزن، وفيها خرق لقواعد اللغة وأصولها المألوفة، وهي رخص أُعطيت للشعراء دون غيرهم. من التجاوزات اللغوية (قصر الممدود) ، كقوله: وأن أقول لمن حاربتهم زمنًا***وقد قدرت عليهم”أنتمالطلقا” ومنها ( دخول أل على الفعل )، كقوله: أرأيت نسياني اليعاتبني***صحبي عليه ويطلبوا حله فقد أدخل الشاعر أل على الفعل ( يعاتبني ) والتي يسميها النحاة (أل الموصولة)بمعنى الذي، أي ( الذي يعاتبني)، ومعروف أن أل لا تدخل إلا على الأسماء. ختم القراءات النقدية الناقد الدكتور : حسن صميلي ، فأبحر بنا بريح طيبة في ديوان “ذاكرة الماء والحجر” للشاعر: علا الله طاهر ، متحدثا بلغة نقدية شعرية : البعد الذاتي في عناوين القصائد عند علا الله طاهر, وعلاقتها بعنوان ديوانه (ذاكرة الحجر والماء) حيث قال: سأكتفي في ورقتي النقدية بالحديث عن البعد الذاتيّ في عناوين القصائد : تمثُلُ الذات بمستوياتها الدلالية والإيحائية كثيرًا في عناوين قصائد ديوان (ذاكرة الحجر والماء)، وهو مثولٌ يرتبط في تجليَّاته بثنائيَّتي الذات/الآخَر، والذات في المفهوم الشعري ترتبط بالذات في المفهوم النفسي الذي ينعكس في روحيَّة القصيدة وحضورها الجمالي؛ إذ هي “حقيقةٌ سيكولوجية وروحيَّة”()، أما الذات في عناوين القصائد فترتبط بالأبعاد الفنية وبالعلاقات الجوهرية في النصوص؛ حيث إنها ذات طبيعة خاصة من حيث الخصائص المكوِّنة لعناصرها الدالَّة. وتحضر الذات الخائفة كثيرًا في عناوين قصائد علا الله طاهر، وهي ذات تترقب أفولًا في غالب تجلياتها الفنية؛ فها هو في ديوانه (ذاكرة الحجر والماء) يستلهم الذات الخائفة والمترقِّبة كثيرًا، من خلال استدعاء دلالاتها اللغوية والتعبيرية؛ ففي عناوين قصائده (مذكرات، المأساة، معزوفةٌ لم تكتمل، الانتظار يجرح الوقت، إلخ..) يتضح للقارئ حضور الذات الخائفة؛ إذ إنَّ الشاعر يحكي مذكراته مرةً، ويطلب الخلاص والفكاك من مأساته مرَّةً، ويشكو تعب معزوفته التي لم تكتمل مرةً ثالثة، وهي عناوين ترتبط بصورة ضمنيَّةٍ وغير مباشرة بعنوان الديوان؛ فدلالة عنوان (ذاكرة الحجر والماء) ترتبط بحالة القلق والمتاهة التي تسيطر على الشاعر؛ مما دعا الشاعر لخَلْقِ عنوانِ مبهم الصناعة والتركيب؛ حيث إنَّ الإبهام في عنوان القصيدة كان مرآةً وانعكاسًا للإبهام والغبش الذاتي الذي يسيطر على روحيَّة الشاعر؛ إذ يقول الشاعر في قصيدته المعنونة بـــ (المأساة): “ماذا تركتُ ورائي؟ قال: والتفتا لمنزل كان يأوي طفلةً وفتى”() إنَّ تمثُّلَ الذات الخائفة ظهر جليًّا في النموذج الشعري السابق من عنوان قصيدة (المأساة)؛ فغربة الذات كانت مفتاحًا لديمومة الحالة الشعورية التي تسكن الشاعر؛ لأنَّ الذات في القصيدة تلتقفُ كلَّ شيءٍ في الحياة حتى تصنع حالة الأدب في القصيدة؛ إذ إنَّ حقائق الحياة هي التي تضيء ذات الشاعر؛ ليشكِّل الأدب والذات دوائر لا تفترق إلا لتلتقي مجدَّدًا(). إنَّ سلطة الذات على الخطاب العنواني في قصائد ديوان (ذاكرة الحجر والماء) شكَّلَتْ جملة علاقات وطيدة مع حالات المجاز والإيحاء؛ حيث إنَّ الذات التي تتمحور حولها بنية وتراكيب اللغة تنفتح على نوافذ شتَّى من الخوف والهزيمة والضعف، وهي أبعاد دلالية تمنح النص فضاءً مطلقًا من الرؤية والتعبير الشعري؛ وها هو علا الله طاهر في قصيدة أخرى من الديوان بعنوان ( مذكرات ) يمتزج مع متاهة الذكرى، ومع ذاته الهائمة؛ إذ إن الذكريات عند الشاعر كانت سلوانًا له من حَيْرَةِ الذات وقلقها؛ فقصيدته تنبعث من ذات متشائمة وتائهة، إذ يقول: “لكي أعود لأمسي سَمِّها ذكرى عُدْ بي ولو لحظةً كي أُحصيَ العمرا”() إنَّ الحالة الشعورية في القصيدة تنظر إلى الذات نظرة فلسفية، من خلال بنية الدلالات والرؤى، ومن خلال الأبعاد الفنية والجمالية التي تضيفها للقصيدة. ختامًا؛ إن تجربة علا الله طاهر تجربةٌ تنطلق من الذات ثقافيا ومعرفيا, ومن ثَمَّ فنيًّا ودلاليًّا ؛ فنصوص ديوانه (ذاكرة الحجر والماء) تكتنز بمعامير شاهقة من الرؤية والتشكيل, فمنذ أن اختار رمزية الحجر والماء بوصفهما يعبران عن تيمة الأرض, لم يخفِ عن قارئه حالات القلق الوجودي التي تظهر في تمثلات نصوصه وعناوينه. وفي الختام ألقى رئيس نادي أصدقاء الأدب الأستاذ:إبراهيم صعابي كلمة شكر فيها بلدنا الأغلى حكومة وأرضًا على فتح مجالات التنافس في مجالات عديدة منها الثقافة والإبداع ، كما شكر فيها الشعراء والنقاد ومدير اللقاء ونادي جازان الأدبي على ما قدموه لنجاح اللقاء .