منطق الكراهية.
هناك نفوس جُبلت على الكراهية، لا تستطيع أن تستوعب شعور الحب أو اللطف، وربما لا تمارسه إلا مجاملة أو خداعاً، حتى إنها تكره ذاتها، ومن يكره نفسه لن يستطيع أن يحب الآخرين أبداً. *** تظهر هذه الكراهية في كل شكل يترجمها إلى ظواهر واضحة لا تخفى، فهناك مذاهب ومناهج فكرية قامت أساساً كردّة فعل على مذاهب أو مناهج أخرى موازية، وهذه المذاهب أو المناهج غير معنية بأي فكرة خارج سياق منطق الكراهية الذي تستمد منه المادة اللازمة لتسييل لغتها وأدبيّاتها. *** وهناك – مثلاً – أشخاص لا يفهمون أو يتصورون الدفاع عن الوطن إلا من خلال بث الكراهية المطلقة، فلا تلفتهم المنجزات والمكاسب أكثر مما تلفتهم الإساءات المضادة، ولا تُلفتهم محبة الشعوب الأخرى أكثر مما تلفتهم الكراهية المبثوثة هنا وهناك، هذا الانجذاب إلى النقطة السوداء.. الانجذاب إلى الظلام أكثر من الضياء، ليس إلا لأن تلك الأرواح لا تفهم أي شيء آخر سوى الكراهية والصراع والعدائية. في المقابل، وعلى الضفة الأخرى أيضاً، هناك أشخاص لا يحركهم سوى منطق الكراهية نفسه، فلا يرون في المملكة مثلاً إلا قطباً شيطانياً لسبب لم أفهمه حتى هذه اللحظة، لا يرون قدسية أرضها، ولا نجاحاتها، ولا جمال شعبها، ولا معناها كأيقونة امتداد وجداني لكل العرب والمسلمين، وكل ما يحصل في العالم تكون (السعودية هي السبب)! هذا أيضاً ضمن منطق الكراهية نفسه الذي تعتاش تلك النفوس الملوّثة، والتعيسة، عليه. *** وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نرى مجموعات (أنصار الكراهية) يظهرون بمظهر المدافعين عن الدين، هذا الشكل الذي يتخذونه مدافعين عمّا يتصورون أنها من (القيم الدينية) ليس إلا لأن المزايدة بشأنها يمكنها تمنح كراهيتهم اللبوس والغطاء الذي يمكن قبوله اجتماعياً، وبالتالي هم يحاولون تمرير تلك الكراهية في قالب يُسمح به ويكون مقبولاً في المجتمع، وهذا ما جعلهم يزايدون على الآخرين بمسائل القيم الدينية، برغم أنهم هم (أنفسهم) غارقون في الخطايا، وضاربين بنفس هذه القيم عرض الحائط، بينهم وبين أنفسهم. هؤلاء أنفسهم، الذين يظهرون كمتعصبين للدين، لو أنهم وجدوا في مجتمع غربي.. هم أنفسهم.. سيزايدون بقيم العلمانية والحداثة والتفوق الحضاري، ولكن بنفس دوافع الكراهية ذاتها، وذلك لأن الشكل أو القالب الذي يمكن سكب تلك الكراهية فيه ليس إلا مسألة ثانوية عند هذا الصنف من البشر الذي اكتسب هذه التعاسة، وتأصلت في روحه، حتى تشوّهت تماماً. *** هل يمكن إنقاذ تلك الروح المصابة بالكراهية؟ ليس تماماً.. فالأرواح المصابة بالحب، أو المصابة بالكره.. كلها.. لا تأخذ شكلها النهائي، وهويتها التي هي عليها، إلا بعد رحلة طويلة من التراكم النفسي والمزاجي وتراكم الوعي بالذات وبالآخر. ولذا.. فمن الطفولة، تتشكل عجينة الروح، وتتخذ طريقها، فانتبهوا للطفولة.