حكاية سيرة ..في غصن زيتون ووطن

في سفوح جبال الفَقَرة، تلك التي تعانق السماء وتغتسل كل فجر بندى المدينة تمتد شامخة مثل كل جبل في هذا الوطن الغالي وكل قمة نبصرها معنى وفكرة وورحا، هناك غرس أبي أول غصن زيتون بيديه. والدي الذي كان يرى في في كل شبر من مزرعته قصة وجزء من حياة امتدت بالعطاء والمحبة والكفاح. . مرت السنوات وأشجار الزيتون تمتد شيئًا فشيئًا، تجاور النخيل في مزرعته ويتحدثان بمحبة كلما هب النسيم عن هذا العظيم الذي يظلهما والذي يفرح بكل لحظة تمتد فيها حكايتهما في أرضٍ صخرية بين جبال لكنها كريمة لايتخيل المرء أن يمر بها الورد والنخيل والزيتون. . والدي لم يكن فلاحًا عاديًا، بل كان مزارعًا، شاعرا ، أديبا ، كتابا يدهشك تنوع فصوله وتقرأه بحب وعين المتأمل وكيف تكتب سيرة الحياة قال لي مرة: “يا بنتي، الذي يزرع شجرة في تراب الوطن، كأنه يقول: أنا باقٍ هنا، ومحبتي ثابتة مثل جذورها.” . كل غصن زيتون زرعه أبي، كان يشبهه. صبور، صامد، يعانق الشمس ولا يشتكي من شح المطر يؤمن أن نظرة خشوع للسماء ودعوة باليقين تكفي لتمطر وتمطر وتسقي أرضه والروح ،كان يهمس للأشجار، ويحدثها عن أمله، عن السعودية التي يحبها، وعن أجيال يتمنى لهم ظلًا من تعب يديه ويتعلمون منه كيف يكون حب الوطن غرسا «زيتونا ونخلا».لتمتد السعودية خضراء في رؤية قيادة علمتنا كيف نروي حكاية الربيع وكيف نشبه لون العلم طهرا ولونا وعطاء. . حين كبرت مزارع الزيتون، وبدأت تحكي قصة تعب أبي وصبره، لم تبقَ الحكاية بيننا نحن فقط. وصلت حتى الإعلام، وزارته قناة العربية في مزرعته، وسجّلت تقريرًا عن مشروعه وجهده في زراعة الزيتون في جبال الفقرة. كان يومًا لا يُنسى. رأيت عيون أبي تلمع بفخرٍ صامت، وهو يشرح كيف بدأ كل شيء من لا شيء، وكيف أن الأرض حين تُحَب تُعطي، لم يكن يبتغي شهرة، لكنه كان سعيدًا أن أحدًا سمع صوت الأرض من خلاله. شعرت وقتها أن أبي لم يزرع شجرًا فقط، بل زرع أثرًا وابتسمت لحكايته التي طالما آمنت أنها يجب أن تمتد خارج قلب ابنته التي فاضت محبته فيها ليبصر جمالها كل من يمر بهذا بالنص وهذه الكلمات. «روحُ الأُبُوَّةِ تحمينا من الكِبَرِ ما مِنْ أبٍ فائضٍ عن حاجةِ البشرِ ما مِن أبٍ فائضٍ عن حجمِ لهفتِنا للحُبِّ.. للفطرةِ الأسمى من الفِطَر»* * إدارة تعليم المدينة