تفاصيل جديدة عن الوضع القانوني لأعرق المؤسسات الثقافية في المملكة:

السلمي: الأندية الأدبية تتلقى مطالبات فيها اجتثاث لكينونتها.. والإلحاح في تغيير الاسم ليس صوابا.

يشكل الوضع الحالي للأندية الأدبية في المملكة لغزا محيرا؛ فمع سريان قرار إلحاق الأندية الأدبية بالمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي الا أن واقعها اليوم يكشف عن وجود العديد من التجاذبات التي تواجه هذه الاندية، فهي ما تزال تتراوح ما بين وزارة الثقافة والمركز الوطني للقطاع غير الربحي، والجمعيات العمومية للأندية نفسها. ويطرح هذا الواقع الجديد العديد من الأسئلة التي لابد من مواجهتها والبحث عن إجابات لها: ما هو الوضع القانوني الحالي للأندية الأدبية؟ ماهي المرجعية النظامية التي باتت تتبعها؟ كيف يسير العمل الثقافي في النادي الواحد حاليا؟ هل توقف نهر الإعانة نهائيا؟ وهل صحيح ما يقال عن إصرار المرجعية الجديدة للأندية على شطب اسم -النادي- نهائيا من قائمة المؤسسات الثقافية في المملكة؟ ما هو الكيان الجديد الذي يتشكل حاليا ليكون بديلا عن هذه الأندية التي تحتفل الشهر الهجري الحالي، في مفارقة عجيبة، بذكرى مرور خمسين سنة على انشائها؟! هنا حوار خاص مع المسؤول عن أعرق الأندية الأدبية في المملكة الدكتور عبدالله عويقل السلمي، رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بجدة، يكشف فيه تفاصيل جديدة في هذا الملف الساخن: (نصارع من أجل البقاء) * وسط تجاهل وضع الأندية الأدبية يتطلع المتابعون إلى معرفة الواقع الذي يحدث داخل هذه الأندية، فهلا حدثتنا عن ذلك؟ - الحق أن الأندية تعيش حالة صراع من أجل البقاء، فثمّة محاولات لطمسها أو إلغائها…وللأسف لم يشفع لها أنها تملك من الخبرة والبنية التحتية ما يمكنها من أن تسهم مع غيرها من المؤسسات الثقافية في سد الثغرات، والسير في مسيرتنا الثقافية الواعدة وفق رؤية طموحة (2030) والاستراتيجية الثقافية، وإذا كانت الأندية سابقة لكل الجمعيات الأدبيّة الطارئة في الاهتمام بالمبدعين وترجمة كتب النقاد للغات المختلفة، وأقامت ملتقيات ومؤتمرات تجاوزت الثمانين مؤتمرا، وطبعت أكثر من خمسة آلاف إصدار أدبي ونقدي وإبداعي، فكان الأولى أن تُشكّل بيوت خبرة في العمل الثقافي، وتكون بمثابة المدرج الذي يحلّق منه كل فعل ثقافي مستحدث. ولكن واقع الأندية اليوم -كما ترى- بات يعاني من لهيب رياح الخماسين الحارقة التي يطلقها عليها مَنْ كانوا يغشون منابرها، وينهلون من معارفها يوما ما. وأملنا في القادم كبير، فنحن نتحرك وفق تحولات إيجابية، ورؤية طموحة، واستراتيجيّة ثقافية واعدة، لن تخذل الأندية في تصوري. (الموارد المالية همنا الأول) * كيف يسير العمل اليومي داخل النادي يا دكتور؟ هل ثمة نشاط يتم التخطيط له الآن؟ وما الذي تغير من اهتماماتكم وأولوياتكم في الفترة الأخيرة؟ -النادي لم يتغيّر فيه شيء، على مستوى سيرورة العمل، وانتظام المناشط، فموظفوه ومبانيه، ومناشطه ومنتدياته وإدارته كلها في تناغم تعمل بلا كلل ولا ملل، وفق تخطيط واعٍ ودقيق يستجيب للواقع الثقافي، ويستحضر متطلبات المرحلة، ويستنير بالاستراتيجية الثقافية لوزارة الثقافة. ففي النادي الآن ست منتديات (عبقر- الفلسفة- الفنون البصرية- السرد- المناظرات- المسرح) تقدّم برامجها أسبوعيا. ولكن التغير فقط في تقليص اللجان الفرعية (خليص والليث والقنفذة…) وإيقاف دعمها؛ بسبب شحّ الموارد المالية، وتوقف الإعانة السنويّة. أما ما الذي تغير من اهتماماتنا؟ فكان همّ إدارة النادي سابقا تنوع المناشط، والعمل الثقافي، والتخطيط له أكثر من الاهتمام بموارد النادي المالية، أمّا اليوم فهمّنا هو إيجاد روافد دخل مالي يُمَكِّن النادي من الاستمرار في أداء دوره الريادي، وينجز مشروعاته التي خطّط لها، ويحافظ على مكتسباته وبنيته التحتيّة (صيانة المبني وسداد الخدمات…) وبخاصة بعد توقف الإعانة. (نعاني من التشتت النظامي) * كيف يمكننا أن نصف الوضع الحالي للنادي بعد التنظيمات الأخيرة؟ ربما أن معونة المليون ريال السنوية لم تعد تأتي إليكم. هل بات النادي بلا موارد؟ ماذا عملتم في هذا السياق؟ - على المستوى الشخصي لديّ قناعة أن كل واحة لا بد أن تصوح يوما، فيوحش القفر، وتنطفئ الومضات، ويغطش الليل، ويتجهم الواقع... والوضع في الأندية الأدبية - في عمومه- غير مبشر ( على المستوى المادي فقط، والمادة شريان الحياة) إذ كان طموحنا أن تكون الأندية الأدبية كالأندية الرياضية؛ لأنها تتكامل في بناء الإنسان فكريّا وثقافيا وصحيّا، وولاة أمرنا بذلوا ومازالوا يبذلون في سبيل تحقيق ما يأخذ بيد المبدع السعودي، ويكفي أن نتذكر المكرمات المادية المتعاقبة على الأندية من قيادات هذا البلد، لكننا اليوم نعاني من تشتّت مرجعي، وبعض الصدود من الجهات التي أوكلت إليها المهمة الثقافية، ودعني أوضح هذا الأمر…فالأندية الأدبية اليوم تتجاذبها عدة جهات، فهي بين وزارة الثقافة والمركز الوطني للقطاع غير الربحي، وجمعياتها العمومية التي تلزم المسؤولين فيها بعدم المساس بكينونتها ومكتسباتها (بما فيها الاسم) وتاريخها، واستقلالية لوائحها؛ ولهذا فهي تعيش حالة من الشتات النظامي، والضبابية المرجعيّة، ولكنها - مع ذلك- تحاول جاهدة أن تتناغم مع متطلبات وزارة الثقافة وتُكيّف برامجها مع الاستراتيجيّة الثقافية وتسعى جاهدة للموائمة مع المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، بما لا يطمس هويتها ويلغي مكتسباتها، غير أنها تتلقى مطالبات وخطابات فيها اجتثاث لكينونتها وإلحاح في تغيير اسمها، مما يؤدي إلى إلغائها أو استبدالها، وهذا فيه طمس لمنجزاتها التاريخية ومكتسباتها المادية من مبانٍ وتصاريح وقرارات. وللحق فأنا أقدّر حرص المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي في المواءمة، فذاك تنظيم نرحّب به، ولكن حين يطلب من الأندية حذف أسمائها يجعلها مقطوعة ومقلوعة الجذور، بل قد يؤدي لوفاتها، (ومن حق المتوفى أن يبقى اسمه شاهدا على قبره زمنا)، ولا أعرف هل تغيير الاسم وحذف كلمة (نادي) يجعلها أكثر عطاء ونشاطا…!؟ أما عن موارد النادي -بعد قطع المعونة السنوية- فكلّ نادٍ لديه أساليبه ومسالكه في ترشيد مدّخراته، وجلب الرعايات والدعم من رجال الأعمال المخلصين والحراص على العمل الثقافي، لاسيما أن بعضهم كان ممّن وضع لبنات النادي الأولى حين تأسيسه. والأمل أن يُفرَج عن الإعانة السنوية ليعود للأندية حضورها ووهجها. وأحسب أنّ سمو وزير الثقافة سيلتفت لهذا الملف، ونحن متفائلون. (إلغاء الأندية مغامرة خطرة) *وبماذا ترد على من يرى أن الأندية الأدبية أدت دورها على مدار 50 عاما وآن لها أن تترجل وتسلم القياد لمنصات أخرى؟ -المؤسسات الثقافية (الأندية الأدبية) هي القلب النابض للحراك الثقافي في مجتمعنا عبر نصف قرن، وهي الذاكرة الوطنية للثقافة، ولا يمكن حلها أو إلغاؤها ببساطة وتأسيس كيانات جديدة بلا جذور ينتمي لها المثقفون…. فترجّل الأندية، أو تهميشها وإلغاؤها، هو مغامرة ربما يعزف عليها من لا يستحضر الذاكرة التاريخية، ولا الجهود الثقافية التي قامت بها الأندية، فهي مؤسسات تحفظ ذاكرة وطنية منها العتيق العريق الذي واكب حركة النهضة ورسم مع غيره مسارات الوعي الثقافي في المجتمع، وأضاء الطريق لمن كان يهوى الأدب والثقافة، والفكر، وكان يقوم عليها رجال يحملون ذهناً لا يكل، ولساناً لا يفتر، وطموحاً لا يتقاصر، واعتدادًا لا يتطامن، وقلقاً لا يسكن، ولنا أن نستحضر العواد، وأبا مدين، وابن إدريس، وحجاب الحازمي، والحميّد، وابن خميس، وغيرهم من الرموز. فطمسها هو طمس لمرحلة، ورجال، ومنجزات ثقافية. (حفظ الأدب الرقمي لم ينته) * هل سيكون هنالك فرصة للنهوض بمبادرة حفظ الأدب الرقمي السعودي التي أعلن النادي عن نيته القيام بها. هل أنهت التطورات الأخيرة مشروع حفظ الأدب السعودي الرقمي الإلكتروني؟ -هذا المشروع مازال قائما، وهو مشروع رائد اكتملت دراساته وخططه ومستهدفاته، وشرعنا في نماذج منه، ومازال يُقدّم كنموذج يُحتذى به في عدد من الدول العربية باسم نادي جدة الأدبي، وقد عقدت له ندوات ومحاضرات آخرها كان في دبي قبل أيام في مؤتمر اللغة العربية، وهو برنامج فريد في الفكرة والتخطيط، وأخي د. عبد الرحمن المحسني يبذل جهودا كبيرة في متابعة هذا المشروع والإشراف عليه، والإمساك بمفاصله، وما زلنا نبحث عن داعم يضطلع بتكاليفه ويعين على تنفيذه بالصورة التي نطمح إليها. (نعاني من نبرات العقوق) * هل أزعجك أولئك الذين حملوا لواء المطالبة بإغلاق الأندية؟ هل شعرت بالنكران إزاء هذه المطالبات؟ وما الذي تقوله لهم بوصفك رئيسا لأحد أعرق الأندية الأدبية في المملكة؟ -اسمح لي أخي عبد العزيز أن أكتب نفثة مصدور هنا، ودعني أريق عبرات قلمي - كما يقول المازني- إجابة عن سؤالك، فالأندية الأدبية تصفعها اليوم (صباح مساء) نبرات عقوق من بعض نفر تهيأت لهم فرصة خارج الأندية بعد أن قدّمتهم الأندية ودعمت إبداعهم طباعة ونشرا واستضافة ومنبرا، فبدلاً من أن يبَرّوا بها لتواصل المسير جعلوها في مرمى سهامهم، فأضحت تصارع وتدافع عن نفسها من هؤلاء الذين تمترسوا خلف أستار الشللية، فباتوا (غيرة أو غارة) يرشقونها من علياء أبراجهم بسهام أقلامهم، يتجاذبون حول مشروعية وجودها، وهل أدت دورها على مدار نصف قرن؟ وهل آن لها أن تترجل وتسلم القيادة لمنصات أخرى؟ وكلّ هؤلاء أو جلهم لم يكلفوا أنفسهم عناء الوقوف على مناشطها وظروفها ومخرجاتها ومنجزاتها، وأخالهم لو فعلوا سيجدونها سبقت إلى برامج نوعية من مثل ترجمة نتاج كبار النقاد إلى اللغات العالمية وطبعت أكثر من (5224) ونفذت (76) مؤتمراً وملتقى استضاف كبار النقاد والأدباء محلياً وعربياً وعالمياً، وفازت ست عشرة مرة بأفضل مطبوعة في معارض الكتب، وأنفقت 12 مليوناً في جوائز ضخمة على مستوى العالم العربي، كجائزة العواد والثبيتي والقصة والرواية والنقد … إلخ ماذا تريدني أن أقول، ففي الصباح الآتي ربما لا يحمد القوم السُّرى…! ومع كل ذلك فأنا متفائل بالآتي لأكثر من عامل، من أبرزها: أنّ قائد مسيرة هذا الوطن الملك سلمان حفظه الله رجل ثقافة وتاريخ، وولي العهد سدده الله صاحب رؤية طموحة جعلت من الثقافة قوّة ناعمة، والأندية الأدبية من أبرز أذرع هذه القوة، كما أنّ وزارة الثقافة لديها استراتيجية واعية، ولم تلغ الأندية، بل ربما أكثر مسارات هذه الاستراتيجية تقوم بها الأندية حاليا على الرغم من شح مواردها المالية. (حالة ذبول وذهول) *تمر علينا في هذا الشهر الهجري (جمادى الاولى) ذكرى مرور خمسين عاما على إنشاء الأندية الادبية. أريد أن تصف لنا مشاعرك الخاصة وأنت تعيش هذه المناسبة وسط غموض مستقبل هذه الأندية؟ -يؤسفني أن أقول إنّ الأندية تمرّ عليها هذه الذكرى وهي في حالة ذبول وذهول، لا تعيش خريفا كثقافتنا العربية - كما يقول مرتاض رحمه الله- ولكنّها تعيش صيفا تسلل لهيبه المحرق إلى جسدها النضر فعبث به كما تعبث السموم ببقايا زهر الربيع، حتى أضحت شائخة مسلوبة الرواء ومحرومة النماء، سكونها خافت، وصمتها ثقيل، يلفها كفن القحط، وتسفها رياح الخماسين- كما قلت لك سابقا-. نحن في نادي جدة- كأقدم نادٍ أدبي أعددنا برنامجا احتفاليا بمناسبة الخمسين عاما، وسيكون بمثابة لفت الأنظار لتاريخ الأندية وجهودها، وسيكون محور الملتقى والاحتفال عن نتاج نادي جدة خلال خمسين عاما. (الشريك الأدبي محاولة غير مجدية) * كيف تقيمون في النادي الأدبي مبادرة الشريك الأدبي؟ هل شعرتم بأنها فعلا البديل الملائم لنشاطات الأندية المنبرية؟ -كنت سعيدا به بادئ الأمر؛ إذ ظننته سيشكّل تكاملا مع المؤسسة الأدبية؛ فإذ هو محاولة للتغلغل والتسلل إلى متلقٍ متخيّل أنه لا يقوى على العبور إلى المؤسسة، فيأتيه الأديب والمبدع إلى مكانه الذي يأنس به، ثم ظهر أنه بديل عنها وعن مناشطها، وفي كلّ أحواله مازال في طور التجربة، وما أراه حتى الآن - من وجهة نظري- لا يشجّع على الاستمرار فيه -لا حضورا، ولا تهيئة، ولا مكانا لائقا بالمبدع والأديب- ولا أراه بديلا عن المنصات الأدبية والحاضنات الثقافية، فقط ربما يمتاز بفكاكه من قيود البيروقراطية الرسمية، أما ما عدا ذلك فهو محاولة -غير مجديّة- لتنكب الأندية، ما كنت أتوقع أن المبدع والأديب والمثقف يقبل بها، ولعلّ له العذر في أنه يريد الوصول إلى شريحة شعبويّة من المتلقين غير النخبويّة التي ملّها وملّته، وربما تختزل ذاكرته مقهى الفيشاوي ومرحلتها، مع بعد المسافة بين التجربتين زمانا ومكانا…! نشاط 2024: ملتقى النص واليوبيل الذهبي للنادي النادي يُعدّ حاليا لملتقى النص (العشرون) الذي سيقام في مطلع العام الميلادي القادم، وسيصادف مناسبة تاريخية لنادي جدة- كأقدم نادٍ في المملكة- وهي مرور خمسين عاما على إنشائه (أي سيكون احتفالا باليوبيل الذهبي لنادي جدة الأدبي) وسنسعى في هذه المناسبة لأن يكون الملتقى احتفاليّا يليق بهذا العمر المديد للنادي، وسنُكرّم وندعو كل من له صلة بتاريخ نادي جدة، وكل من دعم النادي عبر تاريخه من رجال الأعمال.