أين كنت؟

ــ اين كنت؟ ــ كنت مع الأساطير. هكذا قلت لقبي، وهكذا أجاب. ــ ألا تعلم أن الأساطير طيور بلا أوكار، وأنها حدائق يلعب بها الخريف لعبة العدم، ولكننا نحسبها خضراء دانية قطوفها تسر الناظرين، كما يتصور حالم أنه في الجنة. إنها متاهة القرون الأولى، وهاوية من ينظر إلى الوراء الآن؟ أعرف هذا، ولكني سمعت محمود درويش يصرخ:(تعال نخلّص حروف الهجاء من العنكبوت) وحيث أن صوته كان يأتي من عالم الأساطير، ذهبت إلى هناك؛ لأقول له: هل أنت في حلم؟ إن العنكبوت التي في اللغة تختلف عن تلك التي في غيرها. إنها تبني بيوتها من صخر. وبدون أن أشعر، جرفتني الأساطير إلى منزلقاتها التي كان محمود سابحا فيها، وهو يردد: (أطل على المفردات التي انقرضت في لسان العرب) ويئن أنين من فقد عينيه. بيوت العنكبوت اللغوية هي الأكاذيب التي تنسجها الطبول البشرية من المنافقين، وماسحي الأحذية. وهذه وجدت منذ بدء التاريخ في كل زمان ومكان. فلماذا تكلف نفسك بالذهاب إلى الأساطير؟! وبعد، قل لي: ماذا رأيت هناك؟ رأيت أبا العلاء المعري، وهو يكمل ما فاته ذكره في رسالة الغفران. هل كان مبصرا، أم كان (على عماه؟) رأيته كما قال نزار قباني في طه حسين: ) الق نظارتيك ما أنت أعمى إنما نحن جوقة العميان) طيب، من أضاف من الشعراء إلى أصحاب النار، وأصحاب الجنة؟ أدخل إلى النار السياب؛ لأنه اعتدى على الخليل بن أحمد، وأدخل محمود درويش؛ لأنه سخر من الموت، . أما سعدي يوسف، فقد خصص له غرفة خاصة في الجحيم؛ لأنه غير مساره فى آخر أيامه. وأضاف إلى أصحاب الجنة نزار قباني ومحمد الثبيتي وعلي الدميني وشاعرا رابعا لا أعرفه. ــ ما دمتَ دخلت الجنة مع أبي العلاء لماذا خرجت منها؟! ــ لأني لم أعتد العيش في النعيم. فأنا قلبك. هل نسيت؟ يقول عروة بن حزام: (ويظهر قلبي عذرها ويعينها عليّ فمالي في الفؤاد نصيب) أي أن القلب يتمرد ـ أحيانا ـ على صاحبه، حتى ليظنه غريبا عنه، كما تمرد قلب كامل الشناوي فصرخ في وجهه: (لست قلبي أنا إذن إنما أنت قلبها) كذلك هو قلبي الذي يخرج، طائعا، من الجنة؛ حتي لو كانت في عالم الأحلام، ويعتذر بأنه لم يعتد على النعيم.