خطوات
- أ - الوحش الذي عربد في داخلي بحرية نصف قرن من الزمن، قرر البارحة بإرادته أن يدخل إلى قفص صدري، ليستكين بسلام من الحروب إلى الأبد! ولما سألت عن السبب، قال: مؤسف أن تسرق أمريكا رقم حذائي في المسجد، ورقم الفانيلا ومقاس سروال السباحة، وتتجسس عليه فلا تترك لي أسرارا، أحتفظ بها لكي أفاجئ بها حبيبتي ! - ب - فرخ اليمام الصغير الجميل، بُني له عش متوارث في نافذة غرفة مكتبتي، راقبته منذ كان ميحاً داخل قشرة بيضة، وأذهلني إذ يكتسي ريشاً بسرعة، ليصبح كائناً حراً يماثلني، نسيت أمه اليمامة الكبيرة، تعلمه التحليق والطيران في الاتجاه الصحيح، كان قد مضى على وجوده مجاوراً لي ثلاثة اسابيع، حرصت على عدم إزعاج اليمامة الكبيرة، لعلها تجئ له بالغذاء في النهار، وتمنحه الدفء والحنان تحت جناحها في الليل، وشعرت بمرور الأيام أن مصيرنا أصبح مشتركاً، وقد تبادلنا الخوف والجوار، وتقاسمنا الليل والنهار. بدأ يرفرف بجناحيه، فخفت عليه من القطط، وفتحت له النافذة، وحينما لم يأت، فرضت عليه الوصاية، وأدخلته عنوة بيت الطاعة، ولأن الطيور لا تحب الأقفاص، والعيش في الغرف المغلقة، فقد كان يرثي لحالي ويزداد انكماشاً، ولو كان يعيش في أبراجا مشيدة وعلى أرفف مؤنسة، كان يطل من بين قضبان النافذة، ويستعدُ للتحليق إلى عالم الحرية، وفعلها في اللحظة الأخيرة حتى بلا وداع.! - ج - الفن الجميل يخرج من بين جنبات المجتمع، ويشكل تنوعه الثري، لم أستغرب وفنان مضيء، يزرع فينا وهج تلك الأرواح، ويستشف لغة المكان، وأصوات الناس المعذبة بشغف الحياة، كان لما امتد بنا الليل في جدة، ينكبُ على عوده، ليطرز الليل بنغم حجازي باذخ، تبادلنا الصمت، لندع لصوته الشجي، وكلماته الراقية، تعبر بنا وكأنها فجر، يلوح لجدران الحياة، خجلت أن أطلب منه مزيداً من الغناء العذب، وسط ( سميعة ) رغم أن الرجل احتضنني بحب منذ البداية، كنت أصعد في سموات من التجليات الواعية . عبد الهادي الشهري لم يفاجئني، إنه فنان مثقف، وشاعر متخصص في اللغة العربية، ويدرسها، وقارئ نهم، يستشف الحرف بنفس حساسيته مع الريشة.