عن الحمى؛وهي على غصنك الأخير.

(1) عن المقهى، عن القهوة منذ دخان حرارتها، حتى الرغوة الباردة عن الكتب والأصوات عن الموسيقى والأغاني عن القصائد التي لن تنقذ العالم ولن تنهي حروبه ودمه! عن الصور المعتادة التي يعلق الناس عليها أبراج خوفهم! وحفاوة كل هذا البؤس بسذاجتهم! عن النظرة العمياء عن الساحل القريب الذي ابتعد أمواجًا وردمًا وأبراجًا .. عن تتابع الأسماء، عن عريها الباهت. عن النوافذ التي تحمل أنينًا والذاكرة التي تقبض على الكرسي الدافئ لتلقيه في لهب الفواصل بين الأضلاع والجلد! عن الشبح الذي يحدق في سلالات الوحدة عن المحاولة المسلوبة للنجاة إلى البحر، ومنح البساتين عن فتات الحياة العابرة .. عن كل الأشياء التي تبعث اليقظة وأنا أشنق على سراب الضوء، إذ كان بيني وبين الموت انهيارٌ واحدٌ وألف هلع، وأنا اقتحم كلّ ذلك إلى جسرك وأغانيك، فمنذ تحوّلتَ داخلي إلى رئة تلاشتِ المسافاتُ وانطفئتِ المواقيت، فلا يمرّ بيينا ألمٌ إلا وندرك أنحائه ومفاتيحه، وما يتصاعد منه وما يستقر فيه. ولا فرحٌ إلا ونرقص في ضيافته وأخيلته المؤقتة، وكأننا في أبدية تسرف في الحلم، وتخاف على موازينه، فتتعلق به، توقظُ معانيه، تتأمل وشومه كشواهد فتنة وجنةٍ أزلية! (2) عن ليلتنا التي بترتها بعد عشرين ضوءً على أهزوجة موت عن الدموع التي تتقافزُ ككوابيس أطفال عن البراكين التي أربيها على الدفء والانصهار عن الليل والنهار عن التفاصيل والحكايا على طاولة طعامنا عن الشفاه المعلقة على حبل الغسيل عن حالة العناق تحت سقفٍ فاتر عن الحكمة وهي تتوسل أثداء اليقين عن الأمكنة التي بقيت بلا ظل عن الملائكة وهي تئن لحبر صحفها عن القيامة وهي تحتضر بلا بشر عن جهنم تلهب نفسها وعن الجنة فارغة من كل شيء عنا! عن البكاء في كآبة المخادع عن الحزن تحت مطر غزير عن الرياح تقتلع الأحضان والوسائد عن العالم المتناحر عن الدمى التي تداعب المدار عن رعشة المجرة خوفًا من وهمها ! عن كلّ شيء سوى قبضة حلمي في آخر الطريق، وعينيك التي لا تُنسى، وحرارة كفك وهي تحك رعشة خوفي، وقلبك ممتلئًا وفارغًا، وعذبًا وهشًا، ومتأهبًا وضائعًا، ودافئًا يهذي على كتف الصحوة، ويتجردُ على أجنحة التيه! (3) عن تهافت الفزع على قلبي عن غبار مرآتي ومشيئة موتها عن ضالة روحي وصلافة أقفالها عن غواية قلقي، وألم عظامي .. عن الحمى التي تتصدر كل عتبة عن البروفين الذي يصل لأعصاب جسدي عن المخدر الذي أدهن به أطرافي عن عمري الذي يتموج على غصنك الأخير عن الأيام التي تمحو ومضات فرحي عن الأحضان التي كانت تردد إيقاعي عن قصائدي وهي طرية كالورد عن شموعي التي كانت تحرس البيت في غيابي عن رائحتي التي كانت مشاعة للحواس عن حدقة عيني التي كانت تقف في زاوية الحي عن انتظار اللهفة وهي عرجاء وخاوية عن غموض الكون .. عن كل شيء يحترق الآن أنا قلبي طفلٌ في زواية من هذا العالم أم تندب بيتًا وتهويدة رضيع وأحذية بلا أقدام! عن كل شيء يحترق أندسُ في وحدتي وأنام! * شاعرة سعودية