هــــوى.

تعبتْ خُطاكَ ولم تزلْ ترنو إلى الدنيا رؤاكْ. فاصنع من الآلام قنطرةً وخُذْ من الأحلام أشرعةً وحاذر أن تَحيقَ بك الهبوبُ العاتياتْ. يا مبحرا في بحرها أوما تحاذرَ موجها؟ يا طاعنا في اليّمِ زورقُك القديمُ اليومَ سار لا أنت تقوى أنْ تعلّمه الحنينَ إلى الديارْ وقد مضى الليلُ البهيمُ ولستَ تعرفه الفنارْ. يا مُوجَعا بالذكرياتْ. ومُترعاً بالأمنيات. قد تستجيرُ من الحياةِ بحرّها، أو تستمد من المفازة برُّها. وتكسّرَ المجدافُ هل يجدي بُكاك! عجبا! لقد أضحيتَ يا صيادُ مُصطادا ببحرٍ لا أرى منه انفكاك. فلربما ... يصطادُك الأوغادُ في غدكَ الخؤونْ. ولرُبما ... ترمي بِكَ الأمواجُ نحو جزائرٍ تَلقى بها شتى المجونْ. ولربما... جنيّةُ البحرِ الجميلةِ تسترقُكَ كي تهيمَ بِها وينقذك الجنون. ولربما أيضا.. تعودُ مجللا بالنصرِ يَسبِقُك الغناءُ إلى الحُزون. يا مُدنفا تلقاءَ مكةَ لا تُظنُ بك الظنونْ. كُنْ صامدا مثلَ الجبالِ ولو تقطعَتِ الحِبالْ. كُن صامدا مثل الرجال ولو تناوشك النبال. وكنْ قويا إذْ تقطّعتِ النصالُ على النصالْ وأصبر على ظُلمِ الحياةِ وجورِها، يا عائذا بالبيتِ ما أحلى هواك!! وما أرقَ نشيدَّك القرويَ حين تمرُّ من أعلى الحجون. وقد مضى نصفُ النهارِ غناؤك القروي تحفظهُ الجبالْ. الله ما أحلاك منتشيا وتمضي في ابتهالْ. يُجتاحك الخوفُ الشديدُ وقد تعبتَ ولا جوابَ على السؤالْ. مرت سنونٌ مثقلاتُ فما بقي؟ لا شيءَ كي تلقاهُ إلا وجُهك القرويُّ باتَ مُجعدا فإنّهُ المعجونَ في هذي الرمالْ. قد آلمتهُ رحلةُ الأيامِ حتى ملَّ نظراتِ العيونْ وملّهُ القدرُ الخؤونْ. فلا صديقٌ تلتقيهْ ولا أنيسٌ ترتجيهْ. فكُنْ وظِلُّك دائما مَن قال إنً الظلَ يا هذا يخون! اخترْ طريقَك وأبك وجهَكَ، أيُّها المسكينُ من تعبٍ إلى تعبٍ تنوءْ. فلا استرحتَ ولا ارحتَ كأنكَ البحرَ المكينْ. *** عادَ الصباحُ مضمخاً بروائح الموتى وقارَب قد تحطّم جُلّهُ والماءُ يرفعه كأنَ اللهَ قد اختاره ليخبرَ عن جنونِ البحرِ حينَ هوى على الصيادِ يسلبه الحياة. عادَ الصباحُ ولستَ فيه متوجاً اللهَ من صبحٍ نساك!! فيظلُ يُبكيَ مَن سلاك. كم كُنتَ مسرورا به وقد تكاثف نوره حتى سباك!! عادَ الصباح وقد بكاك فما أطلَّ سوى بقايا من سناه. يا راحلا أبكى العيونْ. عيونُ بعدكَ لا تخونْ. ما زارها نومٌ قد انتبذت مكانًا حول مكةَ تستظلُ بذكرِ ما قد كان من عهدٍ سحيقْ. كنتَ الصديقَ وخلها كنتَ الوفي لقلبها كنتَ الحفي بحسنها والآن لم يبقَ سوى ذكرى غدت ماضٍ سحيق. تعبتْ خطاك ومن علاك؟ فإنكَ المعنيُّ بالمعنى ويفلتُ من سواكْ. أنفتْ عيونُك ما تراهْ بين المحاجر والجباهْ. ولُكنّةِ الأوباش تهتكُ سِترَ مكةَ حين غادرها النحاة. تعبتْ يمينك أيها العبسيُ ليس بِها سلاحْ. ترمي بنبلٍ خائبٍ فيصيبُ جاركَ أو حصناكَ لا تَملُ من الصياحْ. قد كنتَ تعرفُ سّر سيفِك قبل هذا اليوم، حين يجندل الأعداء كان. واليومَ منكَ قد استكانْ. وعدى عليك الظالمونَ، تجرأوا.. فاقعد ببيتك جاري العبسي واشرب ماء زمزم كي يطيب لك المراحْ.