مستطلعاً صباحي...!

البيت الذي أسكنه الآن، انتقلت إليه، قبل عامين، تقريبا..، ومنذ انتقالي لهذا البيت الذي أسكنه الآن، صباحاتي، أبدأها، غالبا ما أقف لدقائق بعد أن أخطو خطوتين أمام باب البيت، نعم، أقف بعد أن أخطو خطوتين، وبالتحديد بالقرب من آخر البلاطات، البلاطة المكسورة، التي تجاور مجرى ماء خاص لشجرة ريحان يعتني بها رجل جنوبي، وهو جار للبيت الذي أسكنه، الجنوبيون يعشقون الأشجار، يعشقون الأشجار بجنون، أيضا، أصدقائي الجنوبيون، الشعراء، يعشقون الأشجار بجنون، تحدثت معه كثيرا، ولكن لم أسأله عن اسمه، وهو أيضا لم يسألني عن اسمي..، حتى أطفاله أجدهم أحيانا يجلسون بالقرب من شجرة الريحان، وفي أعينهم فخر بأن شجرة الريحان تنتمي لبيتهم، فقط، لبيتهم دون سواه..، أقف، مستطلعا صباحي، نصف ظلي يسقط في مجرى الماء الخاص بشجرة الريحان، إذاً الساعة السابعة...!، طبعا، ليس لدي الفراسة لقراءة الظل لمعرفة الوقت...!، ولكن الوقت المعلن في هاتفي يكون السابعة صباحا، حينها يكون نصف ظلي ساقط في مجرى الماء الخاص بشجرة الريحان..، ........................... ........................... علبة فارغة يركلها رجل يمشي مسرعا حتى لا تؤخره لدقيقة أو أقل من دقيقة عن دوامه، وجوه القطط يبدو عليها الامتعاض، بعد أن أجبرها أصحاب السيارات على النزول من أسطح سياراتهم، ثلاثة أطفال إخوة يصعدون باص المدرسة يتسابقون على المقاعد الخالية ويختفون، ليس لديهم حماس أطفال الأفلام وهم يصعدون باص المدرسة، أطفال الأفلام يتسابقون على نوافذ الباص، يتسابقون حتى مع الطريق والحمام والسحاب إلى المدرسة، وهناك من يحمل ملابسه لمغسلة الملابس لكيها، خطواته توحي بأنه “روبوت”...!، وآخر يترك أثرا لعبوره بسلام، وآخر بابتسامة ناعسة، وآخر يعبر بتكشيرة روتينية وليست قرارا،....، وهناك من يطلق بوق سياراته كعادة أو أنه يريد أن يتأكد أن العالم يراه..!، ........................... ........................... أتنبه أن ظلي قد سقط كاملا في مجرى الماء الخاص بشجرة الريحان، إذاً، علي إنقاذ ظلي من الغرق المؤقت..!، وأن أبدأ رحلتي الصباحية وأكمل استطلاعي الصباحي.. إلى... إلى... إلى... أن أصل إلى المقهى، قليلون من يصلون، صباحا، إلى المقهى، من يصل إلى المقهى، حتما، أكمل استطلاعه الصباحي..!، قليلون من يصلون، صباحا، إلى المقهى، سأكون وحيدا، على طاولة، سأكون أكثر حزما، ولن يكون هناك مجالا للدقائق أن تتبخر، سيكون لي وقت للحديث إلى نفسي، إلى ملء الفراغ، إلى عبث، إلى حب، إلى كره، إلى حزن، .................. .................. .. رجل على مشارف الستين، ولكن لم تهجرني الطيور، نعم، لم تهجرني الطيور، إلى أين..؟!، ولماذا تهجرني..؟!، لن تستطيع العيش خارجي، حين أفترض نفسي مدينتها، نعم، أنا مدينتها، لدي الناس، والهواء، والجبال، والأشجار، والنوافذ، والصباح، والمساء، والهذيان..، وأيضا، لدي سماء، وأشياء لا تحصى، بكيت عندما ماتت شقيقتي، نعم، رجل على مشارف الستين، يبكي..!، بكيت كثيرا..، لو هجرتني الطيور، حتما، ما كنت بكيت..، وما كنت أبدأ صباحي، وأنا أقف بعد أن أخطو خطوتين أمام باب البيت، بالقرب من البلاطة المكسورة، التي تجاور مجرى الماء الخاص لشجرة الريحان...! رجل على مشارف الستين، أنا، ولكن لست مهجورا، نعم، مازلت استطلع صباحاتي..!