تهويدة النقائص

نتقلب على غيمة من الرخاء، ونحلق بين سحب العطايا الربانية، ننعم في أسرابنا سلامًا وأمانًا، ونُزهر في أبداننا بكل معافاة. ولكن البعض منا اعتاد ثقافة التذمر والنظر إلى الجزء المعتم، نردد تهويدة النقائص ومن ثمَ تتفلت من بين أيدينا خيوط غُزلت بكل سَعة وعناية. بين الفضفضة والتذمر خيط رفيع جدًّا؛ فالأولى ما هي إلّا نوع من التعبير عن مشكلة ما مستمرة لمدة طويلة، أما الأخرى فهي الشكوى الدائمة من توافه الأمور، وأحيانًا الشكوى من اللاشيء أو من دوام النعم. فنرى البعض يتذمر من الاستيقاظ مبكرًا للذهاب إلى العمل، وفي الأصل هو يتذمر من مصدر رزقه، وهناك من يتذمر من تحمل المسؤولية، وفي الحقيقة هو يتذمر من قدرته العقلية والبدنية، وأحيانًا نتذمر من صداع قد يصيبنا أو عارض صحيّ يعترينا، ونتجاهل تمامًا أن أجسامنا تعمل بالشكل المطلوب، نتذمر من تربية الأبناء والعناية بهم، وما نحن إلا قد ضجرنا من زينة الحياة الدنيا. نتذمر من الحياة الاجتماعية ومتطلباتها، وفي باطن الأمر نحن نتذمر من البنيان المرصوص. نتذمر من اهتمام وحرص الآباء الزائد وتوجيههم المستمر متناسين قوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك). التذمر هو آفة السعادة تمامًا، كما العثّة التي تغزو أوراق الكتب و تغادرها رثّةً مهترئةً، فهو يغادرنا بثقوب داخلية تعصف بها رياح النقص والخوف والكمال، ومع مرور الوقت نغدو كشرفة متشبثة بقطعة نحاسية صدئة تهزها المواقف العابثة. وهذا لا يقل ضررًا عن البقاء مع أشخاص متذمرين، فهم يفرغون ذخيرتهم السلبية تجاهنا فتصيبنا بلا هوادة. أشار الكاتب (سكيب بريتشارد) في كتابه «الأخطاء» أن قضاء وقت مع الأشخاص المتذمرين هو أحد الأخطاء التسعة التي تعيق الوصول لتحقيق النجاح أو التمكين الذاتي، ويقول: «لا تقضِ في انتقاء ملابسك وقتًا أطول من الذي تقضيه في انتقاء أصدقائك» لذا؛ انفروا بجلودكم من الحوارات السقيمة، واحذروا أن تكونوا مكب نفايات لمشاعر الآخرين السلبية، لأن من تصاحبونهم هم من يحددون وجهتكم. إن ممارسة ثقافة الامتنان كل يوم أشبه بوصفة طبية مضادة للاكتئاب، هو شرنقة السلام الداخلي والتحكم بالأحداث والمشاعر. هو نصب العين تجاه الفائض والمتاح والتلذذ بأبسط الأمور، وهو ما يثبّت به فؤادك عند التجلد والتشبث وقت الشدة. يقول ولاس واتلس: «كثير من الناس الذين ينظمون حياتهم على خير وجه بكل الطرق يظل الفقر يطاردهم لافتقارهم الحمدَ والامتنان». كما أن الامتنان هو أحد أجزاء السر في كتاب (The secret) الذي يكشف لنا كيف يمكننا التعرف على الروعة الحقيقية للحياة. فالامتنان هو الترياق الوحيد للتذمر والشكوى الدائمين، لأن ما نردده بأفواهنا هو مؤشر الأداة لحياتنا. الانغماس في النعم شعور مخيف جدًّا، لأن لها منبهين فقط؛ إما منبه الفقد وإما منبه الحمد، وأنت -عزيزي القارئ- مَن سيختار نوع التنبيه.