ماريا فانتابي * ماجد خدوري** قبل 7 أكتوبر 2023، بدا وكأن رؤية الولايات المتحدة للشرق الأوسط تؤتي ثمارها. فقد توصلت واشنطن إلى تفاهم ضمني مع طهران بشأن برنامجها النووي، حيث قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية فعليًا بإيقاف التخصيب مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية. أيضاً كانت الولايات المتحدة تعمل على إبرام اتفاق دفاعي مع المملكة العربية السعودية، والذي بدوره سيقود المملكة إلى التطبيع مع إسرائيل. فقد أعلنت واشنطن عن خطط لإنشاء ممر تجاري طموح يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط لمواجهة النفوذ المتزايد للصين في المنطقة. في الحقيقة هناك الكثير من التحديات. فعلى الرغم من أن التوترات بين طهران وواشنطن كانت منخفضة في الماضي، إلا أنها تصاعدت في الوقت الحالي. الحكومة اليمينية الإسرائيلية مستمرة في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وهذا بدوره أثار غضب الفلسطينيين. لكن المسؤولين الأمريكيين بدأو يرون أن إيران ستستمر بأن تكون دولة طبيعية؛ فقد قامت في الآونة الأخيرة بالفعل باستعادة علاقاتها مع حكومات عربية مختلفة وبالمقابل قامت عدة دول العربية بالفعل بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل لم تقدم تنازلات ذات قيمة للفلسطينيين. ومن ثم هاجمت حماس إسرائيل، ملقية المنطقة في فوضى وقلبت رؤية الولايات المتحدة رأسًا على عقب. إن الهجوم الواسع الذي شنته الجماعة المسلحة من قطاع غزة - والذي اخترق فيه مقاتلوها جدارًا حدوديًا عالي التقنية، واجتاحوا مناطق جنوب إسرائيل، وقتلوا حوالي 1200 شخص، وأخذوا أكثر من 240 رهينة - جعل من الواضح أن الشرق الأوسط لا يزال منطقة ملتهبة. أدى الهجوم إلى رد فعل عسكري شرس من جانب إسرائيل، مما أدى إلى كارثة إنسانية في غزة، مع سقوط أعداد كبيرة من القتلى والنازحين الفلسطينيين، وزاد من خطر نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. إن معاناة الفلسطينيين تتصدر المشهد مرة أخرى، وأصبح التطبيع بين إسرائيل والسعودية أكثر صعوبة من أي وقت مضى. ونظراً لأن قوة حماس العسكرية وقدراتها كانت نتيجة للدعم الإيراني، مما يُظهر أن إيران تمتلك قوة عسكرية كبيرة في المنطقة. ويبدو أن طهران أصبحت أكثر ثقة بقدراتها. وعلى الرغم من أنها ليست حريصة على توسيع نطاق الحرب، إلا أن إيران لا تزال تتفاخر باستعراض ذراعها حماس للقوة، ومنذ ذلك الحين، زادت من حدة المواجهة عندما تبادلت إسرائيل إطلاق النار مع ميليشيا حزب الله اللبنانية، وفي الوقت الذي قامت فيه جماعات أخرى مدعومة من إيران بإلقاء الصواريخ على القوات الأمريكية. لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ كبير في الشرق الأوسط. لكن دعمها للحرب التي تخوضها إسرائيل أدى إلى تعريض مصداقيتها في المنطقة للخطر. (وقد أضر هذا الدعم أيضًا بمكانة واشنطن في الجنوب العالمي على نطاق أوسع، خاصة وأن ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس تحول إلى عقاب جماعي للمدنيين الفلسطينيين). وهذا يعني أن الولايات المتحدة سوف تضطر إلى صياغة استراتيجية جديدة للشرق الأوسط، استراتيجية تتعامل مع القضايا التي تجاهلتها منذ فترة طويلة. فواشنطن، على سبيل المثال، لم تعد قادرة على تجاهل القضية الفلسطينية. في الواقع، سيتعين عليها أن تجعل حل هذا الصراع أولوية قصوى لها في مساعيها. سيكون من المستحيل بالنسبة للولايات المتحدة أن تعالج قضايا أخرى في المنطقة، بما في ذلك مستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية، دون أن يكون هناك جهود حقيقية هدفها إيجاد دولة فلسطينية. يجب على واشنطن أيضًا أن تتعامل مع طهران كقوة صاعدة زعزعت استقرار الشرق الأوسط. فإذا أرادت الولايات المتحدة تحقيق السلام في المنطقة، فعليها إيجاد طرق جديدة لكبح جماح إيران ووكلائها. وبنفس القدر من الأهمية، يجب على الولايات المتحدة أن تقلل من رغبتها في تحدي النظام الإقليمي القائم. وسوف تحتاج بشكل خاص إلى اتفاق جديد يوقف سعي إيران نحو الحصول على الأسلحة النووية. ولتحقيق هذه الأهداف، لا يتعين على الولايات المتحدة أن تتخلى عن كل ما عملت من أجله في السابق. في الواقع، يمكنها – بل وينبغي لها – أن تبني على عناصر النظام المتصور سابقًا. وعلى وجه الخصوص، يجب على واشنطن أن ترسم خطتها الجديدة للمنطقة بالشراكة مع المملكة العربية السعودية، التي لديها علاقات مع إيران وإسرائيل والعالم العربي بأكمله. يمكن للرياض استخدام نفوذها الواسع للمساعدة في إحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ومساعدة الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. ويمكن للرياض وواشنطن أيضاً العمل معًا لإنشاء الممر الاقتصادي في الشرق الأوسط الذي تحتاجه الولايات المتحدة لتحقيق التوازن في مواجهة الصين. ولكن لن تكون هذه الصفقة الكبرى الجديدة واضحة ومباشرة مثل الصفقة التي كانت الولايات المتحدة تتفاوض بشأنها قبل السابع من أكتوبر. فهي لن تبدأ بالتطبيع الإسرائيلي السعودي، ولن تنتهي بتحالف عربي إسرائيلي ضد إيران. ولكن على العكس من الاتفاقيات السابقة، إلا أن هذه الاتفاقية الجديدة قابلة للتنفيذ. وإذا تم تنفيذها بشكل صحيح، فإنها ستؤدي إلى خفض التوترات الإقليمية وإرساء السلام الدائم. التفكير بالتمني من السهل أن نرى لماذا اعتقدت الولايات المتحدة أنها يمكن أن تنسحب من الشرق الأوسط. فعندما يبدو أن الصراع العربي الإسرائيلي قد انتهى، حتى لو استمر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد أبرمت إيران صفقة فعالة مع الولايات المتحدة للحد من تقدم برنامجها النووي وقامت بتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج. وظهر أن المنطقة أصبحت مستقرة، ودول المنطقة لديها القدرة على الحفاظ على أمنها، مما يسمح لواشنطن التركيز على آسيا وأوروبا. ولكن واشنطن قد بالغت في تقدير مدى استقرار هذا الوضع، وقللت من تقدير القوى المتحالفة ضدها. فعلى سبيل المثال، يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يفكر كثيرًا في كيفية كسب موافقة مجلس الشيوخ على معاهدة دفاعية مع المملكة العربية السعودية، على الرغم من أن المعاهدة قد تتضمن تزويد المملكة بأسلحة متقدمة وبنية تحتية نووية مدنية. كما افترضت الولايات المتحدة بشكل خاطئ أن الدول الأخرى في الشرق الأوسط لن تحتج على دعمها لسعي الرياض إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية. واعتقدت واشنطن أن طهران، على سبيل المثال، ستكون حريصة جدًا على تطبيع العلاقات مع الدول العربية ومنشغلة جدًا بالاضطرابات الداخلية بحيث لا يمكنها التدخل في الخطط الأمريكية. ولكن في الواقع، كانت إيران مستمرة في تعزيز ودعم وكلائها المسلحين. لكن الخطأ الأكبر الذي ارتكبته واشنطن هو اعتقادها أنها يمكن أن تتجاهل القضية الفلسطينية. على سبيل المثال، استند اتفاقها المبدئي مع السعوديين إلى افتراض أن الرياض يمكنها تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون إثارة ردود فعل عنيفة واسعة النطاق، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تتضمن أي صفقة قد تتم تنازلات كبيرة للفلسطينيين. كانت الولايات المتحدة تعلم أنه على الرغم من الوعد بوقف التصعيد، إلا أن حرب الظل بين إيران وإسرائيل مستمرة في الغليان. ولكنها لم تتوقع أن تنفجر تلك الحرب لتشمل القضية الفلسطينية، وبآثار مدمرة. أظهر السابع من أكتوبر، أن معتقدات واشنطن بشأن الشرق الأوسط كانت غير صحيحة على الإطلاق. ومع ذلك، حتى الآن، لم تقم الولايات المتحدة بتحديث تفكيرها. فبدلاً من الضغط من أجل شن حملة عسكرية محدودة قد تنقذ سمعة إسرائيل، كان رد فعل واشنطن على الحرب في غزة هو الدعم المطلق لهجوم عسكري وحشي. وكانت النتيجة غضب واحتجاجات ضد إسرائيل والولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. على سبيل المثال، أدان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وزوجته الملكة رانيا العبد الله علناً الحملة العسكرية الإسرائيلية، وانتقدا الدعم الأميركي لها، وأوضحا أن الأردن في هذه الحرب لا يقف إلى جانب الغرب. واستدعت كل من الأردن والبحرين سفيريهما لدى إسرائيل وجمدت العلاقات الدبلوماسية بينهما. وعندما عقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والزعماء العرب اجتماعاً في عمان في الثاني من نوفمبر، لم يتمكنوا حتى من إصدار بيان مشترك روتيني. وقد حاولت الولايات المتحدة التراجع عن موقفها المؤيد لإسرائيل من خلال دعمها لهدنة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما أنها تعاونت مع حكومة قطر، التي تربطها علاقات وثيقة بحماس، لتأمين إطلاق سراح الرهائن. وقد مارست واشنطن ضغوطاً من أجل أن تحكم السلطة الفلسطينية غزة في نهاية الحرب، بدلاً من إخضاعها لاحتلال إسرائيلي طويل الأمد. لكن هذه الخطوات الهزيلة من غير المرجح أن تؤدي إلى استقرار المنطقة. بل إنهم في واقع الأمر يفعلون العكس تماما: فهم يخلقون فراغا سوف تستغله الجهات الفاعلة الأخرى في العالم العربي لتحقيق مصالحها الخاصة. لقد جعلت إسرائيل تدمير حماس هدفها المباشر، ولكن من دون ضغوط أميركية، سوف تسعى أيضاً إلى إقناع مواطنيها والمنطقة بأنها لا تقهر من خلال إلحاق أضرار لا تحصى بغزة لردع الخصوم المحتملين. وسوف ترغب مصر والأردن والسلطة الفلسطينية في تقليص التهديدات الداخلية والخارجية التي تهدد قوتها، لذا فإنها ستحاول التأكد من أن أي دبلوماسية ما بعد الحرب ستُناسب مصالحها الاقتصادية وتعزز مكانتها الإقليمية. وسوف تستخدم دول الخليج أيضاً الصراع للتنافس على النفوذ. وستستفيد قطر بالفعل من علاقتها مع حماس لتحويل نفسها إلى لاعب إقليمي لا غنى عنه - لاعب يتمتع بنفوذ أكبر من كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي الوقت نفسه، تريد تركيا إيجاد دور في حل الصراع حتى تتمكن من إقناع واشنطن ببيع طائراتها المقاتلة من طراز F-16 والتراجع عن دعم الأكراد في سوريا. لكن الدولة التي استفادت بالفعل من الحرب هي إيران. إن عودة القضية الفلسطينية إلى المشهد أدى إلى تركيز الاهتمام الإقليمي مرة أخرى على الشرق الأدنى. لقد أظهر “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، والذي يضم بالإضافة إلى حماس وحزب الله، نظام الأسد والميليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا والحوثيين في اليمن، أنه قادر على تغيير اتجاه سياسة الشرق الأوسط، من خلال تصعيد الصراعات الإقليمية وتخفيفها حسب رغبته. ومن خلال تقديم الدعم المستمر لحماس، عززت إيران أيضًا صورتها كمدافع عن الفلسطينيين، مما زاد من شعبيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتعمل طهران على الموازنة بين دعمها لحماس وعلاقاتها المزدهرة مع العالم العربي من أجل دمج نفسها بشكل كامل في السياسة الإقليمية. بعد وقت قصير من هجمات حماس، تحدث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هاتفيا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمرة الأولى منذ أن استعادة الدولتان علاقاتهما في مارس 2023. ثم سافر رئيسي إلى الرياض في نوفمبر بدعوة من الأمير لحضور ما أطلق عليه المشاركون القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة. لقد أخذت طهران فكرة المحور العربي الإسرائيلي لاحتواء إيران وقلبتها رأساً على عقب. وتدفع هذه الاتجاهات مجتمعة المنطقة نحو صراع واسع النطاق. إن انعدام الثقة المتزايد في الولايات المتحدة، وعجزها عن قيادة المنطقة نحو الاستقرار، وغياب أي رؤية مشتركة للإلتفاف حولها، يدفع الدول المختلفة إلى السعي وراء مصالحها قصيرة المدى، والتي توجهها بشكل متزايد ضغوطات الشارع ومخاوف من حدوث حرب واسعة. هذه المصالح المتباينة تطيل أمد الأزمة المنطقة، وتزيد من احتمالات التصعيد غير المقصودة. ولتجنب حدوث الأسوأ، سيتعين على واشنطن إعادة النظر في افتراضاتها الأساسية، وتجديد التزامها تجاه الشرق الأوسط، ووضع رؤية جديدة للمنطقة. صفقة دون اتفاق إن المهمة الأكثر الأهمية بالنسبة لواشنطن هي إنهاء الحرب في غزة. وطالما أن إسرائيل تهاجم القطاع وتقتل المدنيين هناك، وطالما أن الولايات المتحدة لا تفعل الكثير لكبح جماح حليفتها، فإن الحكومات والشعوب في الدول العربية ستكون غاضبة للغاية من سياسة الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، يجب على المسؤولين الأميركيين الضغط على إسرائيل لوقف الحرب على حماس، ومعاقبة المدنيين بشكل جماعي - منذ 16 نوفمبر، أدت الحرب في غزة إلى مقتل أكثر من 11 ألف فلسطيني وتم حرمان القطاع من الوصول إلى الغذاء والماء والدواء. يجب على واشنطن أن تجبر إسرائيل على وقف استخدام العنف المفرط في غزة، وأن تضغط عليها لتسعى بدلاً من ذلك إلى حل سياسي سلمي للقضية الفلسطينية التي طال أمدها. بمجرد انتهاء الحرب، يمكن لواشنطن أن تبدأ في التفكير في المستقبل. وفي الوقت نفسه، ستحتاج إلى أن تكون نظرتها واقعية تجاه المستقبل. ولكنها لا تحتاج إلى التخلي عن كل شيء كانت تسعى إليه قبل 7 أكتوبر. لا تزال الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تعتمد استراتيجيتها على عقد صفقة كبرى مع المملكة العربية السعودية. على الرغم من أن الرياض قد لا تطبع علاقاتها مع إسرائيل في الوقت الحالي، إلا أنها لا تزال واحدة من الحكومات القليلة في المنطقة التي تحافظ على علاقات جيدة مع كل دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بل إنها تتمتع بعلاقات ودية، وإن كانت غير رسمية، مع إسرائيل. وهي لاعب رئيسي في المنطقة. إذا كان هناك شيء يمكن تحقيقه، فإن الحرب في غزة قد تعزز من أهمية المملكة العربية السعودية من خلال منحها الفرصة لتحقيق الاستقرار في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.فقد كانت القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة، التي ضمت زعماء من مختلف أنحاء العالم العربي، بالإضافة إلى إيران وتركيا، خطوة أولى في هذا الاتجاه. وخلافاً لمصر أو الأردن أو الدول الأخرى التي تتوسط عادة بين إسرائيل وخصومها، تتمتع المملكة العربية السعودية بالمصداقية والعلاقات الإقليمية اللازمة للمساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام حقيقي. ولتحقيق ذلك، ستتعاون المملكة العربية السعودية مع إيران وتركيا، وهما اللاعبين الرئيسيين في العالم العربي، ومع إسرائيل عبر الولايات المتحدة، للتوصل إلى إطار عام لعملية سلام إسرائيلية فلسطينية بهدف إنشاء دولة فلسطينية. وبعد ذلك، ستعمل المملكة العربية السعودية وشركاؤها على بناء إطار شامل للأمن الإقليمي، والذي يجب أن يتضمن قواعد وخطوط حمراء توافق عليها جميع الأطراف بشكل عام. إن اتفاقية كهذه هي وحدها القادرة على ضمان السلام الدائم على حدود إسرائيل، وإغلاق الباب أمام القوى المتطرفة بين الفلسطينيين، واحتواء حرب الظل بين إيران وإسرائيل، وكبح جماح محور المقاومة في طهران. سيتردد السعوديون في تبني القضية الفلسطينية. لكن مصالح المملكة العربية السعودية تكمن في السلام والأمن الإقليميين. ولا يمكنها تحقيق رؤيتها الاقتصادية الكبرى إذا كانت هناك أزمة دائمة في المنطقة. كما تواصل الرياض السعي إلى القيادة الإقليمية والاعتراف بها كقوة عظمى على الساحة الدولية، وهو ما يتطلب الدعم الأمريكي وبالتالي قد يدفع الرياض إلى الاستجابة للدعوات الأمريكية للتوسط في اتفاقية سلام. ولمساعدة المملكة العربية السعودية، ستضطر الولايات المتحدة إلى تقديم دعم دبلوماسي للرياض يسمح للأخيرة بممارسة الدبلوماسية الشاملة، بما في ذلك منح السعودية إذنًا بالسعي نحو عقد صفقة مع الإيرانيين لحل القضية الفلسطينية. وسيتعين على واشنطن أيضًا حشد حلفائها العرب الآخرين لدعم الرياض. ويجب على الولايات المتحدة متابعة اتفاقية الدفاع التي كانت مطروحة على الطاولة مع الرياض قبل 7 أكتوبر. لكنها لا يمكنها أن تطالب الرياض بالاعتراف الفوري بإسرائيل كشرط مسبق. وبدلاً من ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تطلب من المملكة العربية السعودية أن تقود عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. لأنه من الممكن أن يكون التطبيع مع إسرائيل نتيجة لعملية السلام هذه. عندما تقدم المملكة العربية السعودية اقتراحًا للسلام بين إسرائيل وسُلطات الأراضي الفلسطينية, سيتعين عليها أن تثبت قدرتها على التشاور مع جيرانها في الخليج, وأن تأخذ بعين الاعتبار تطلعاتهم ومخاوفهم الأمنية بشكل أفضل, الأمر الذي لم تكن ستفعله قبل 7 أكتوبر. وقد يتطلب القيام بذلك أن تلجأ الرياض إلى إجراءات دبلوماسية قد تكون مترددة في اتخاذها. ولكن إذا نجحت في المساعدة على تسهيل الطريق إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني وتحقيق أمن إقليمي أكبر ، فإن المملكة العربية السعودية ستكتسب الثقل الدبلوماسي الذي تسعى إليه. وفي الوقت نفسه، فإن اتفاقية الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تزود المملكة بالقدرات العسكرية التي تحتاجها لتعزيز مكانتها باعتبارها اللاعب الاقتصادي والسياسي الأول في الشرق الأوسط. لا تحتوي، بل ضع قيود إن حل القضية الفلسطينية أمر ضروري لخلق شرق أوسط مستقر. ولكنها ليست التحدي الوحيد الذي يواجه المنطقة. وكجزء من أي صفقة كبرى، ستحتاج واشنطن إلى خفض التوترات مع إيران واستخدام اتفاقها مع الرياض لإحتواء طموحات طهران. ولكن هذه الاتفاقية مع الرياض قد تكون لها له نتائج عكسية تمامًا. هناك العديد من الأسباب التي قد تدفع إيران إلى الاستجابة بشكل سيئ للاتفاق أمريكي سعودي المحتمل. إن حجم ونوعية الأسلحة التي ستبدأ في التدفق من الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، سوف تثير قلق طهران. كما أنها ستعتبر البرنامج النووي المدني السعودي سيستخدم لأغراض عسكرية، بغض النظر عن عدد القيود التي ستفرضها واشنطن على البرنامج. وستشعر إيران بالقلق أيضًا من أن تؤدي معاهدة الدفاع الأمريكية السعودية إلى توسيع الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. ولذلك قد ترد طهران على الاتفاق الأمريكي السعودي من خلال زيادة إنتاجها للأسلحة، وشن المزيد من الهجمات من خلال وكلائها، واستمرارها في تطوير برنامجها النووي. (قد تبدأ مصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة في السعي للحصول على قدرات نووية أيضًا). وإذا قامت إسرائيل والمملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات، فقد تقيم إسرائيل وجودًا عسكريًا واستخباراتيًا مباشرًا في الخليج، وهو الوجود الذي يمكن حمايته بموجب معاهدة الدفاع الأمريكية السعودية. وبالنسبة لإيران فإن مثل هذه النتيجة ستكون بمثابة كابوس. ولن تكون طهران قادرة بعد الآن على ردع التعاون العسكري السعودي مع إسرائيل من خلال جعل وكلائها يهاجمون القوات السعودية أو مصافي النفط، لأن القيام بذلك من شأنه أن يثير مواجهة مباشرة مع واشنطن. ولحسن الحظ بالنسبة لإيران، فإن الرياض لا تريد إنهاء حالة الوفاق مع طهران، الذي كان بمثابة فرصة بالنسبة لإيران. منذ أن استأنفت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع إيران، توقف الحوثيون المدعومين من إيران في اليمن عن مهاجمة الأراضي السعودية. وقد توصلت الرياض وطهران معًا إلى إيقاف مؤقت لإطلاق النار في اليمن بعد سنوات من الحرب. والآن، تحرز الأطراف اليمنية تقدماً نحو التوصل إلى اتفاق دائم. لقد جعل هذا الأمن المكتسب حديثًا من السهل على المملكة العربية السعودية متابعة أهدافها الاقتصادية الطموحة من خلال إزالة تهديد هجمات الصواريخ الحوثية على مصافي النفط السعودية والبنية التحتية الأخرى. ونتيجة لذلك، يبدو أن الرياض لم تعد تتفق مع رؤية إسرائيل بشأن إنشاء محور عسكري واستخباراتي مشترك لمواجهة نفوذ إيران الإقليمي. في الواقع، منذ مارس، عملت إيران والمملكة العربية السعودية على تطبيع العلاقات بشكل كامل من خلال فتح السفارات، وتسهيل السفر بين بلديهما، وإقامة التبادلات الثقافية. وكانت إيران قد أقامت بالفعل علاقات كاملة مع الكويت والإمارات في عام 2022. وتجري محادثات مع مصر والأردن لاستعادة العلاقات معها. وسيظل اتفاق الدفاع الأمريكي السعودي مصدر قلق لطهران. لكن من غير المحتمل أن تتفاعل بشكل سلبي مع أي خطوة لا تؤثر على علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الرياض وبقية دول الخليج، ولا تؤدي إلى إنشاء ترتيبات أمنية إقليمية تهدف إلى إضعاف قوتها. فمن خلال إشراك إيران في القضايا الثنائية والإقليمية في الوقت الذي تسعى فيه إلى التوصل إلى صفقة كبرى مع الولايات المتحدة، يمكن للمملكة العربية السعودية تقليل المقاومة الإيرانية لأي صفقة أمريكية، بل وحتى إيجاد طرق لضمان قبول طهران للنظام إقليمي جديد. وقد لا توافق واشنطن على جهود الرياض لإبقاء طهران في صفها من خلال استخدام التنازلات الدبلوماسية والمزايا الاقتصادية. فإيران هي أحد الخصوم الرئيسيين للولايات المتحدة، وهي العدو الرئيسي لإسرائيل. لكن الولايات المتحدة لا تستطيع وقف تطبيع العلاقات بين إيران وجيرانها العرب. ومع تزايد قوة محور المقاومة الإيراني، قررت المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة أنه يجب دمج طهران في المنطقة للحفاظ على أمنها. لقد قرروا أنه بإمكانهم حماية أمنهم بشكل أفضل إذا تواصلوا مع إيران، وإذا كانت لطهران مصلحة راسخة في إقامة علاقات ثنائية معهم. ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تحاول وقف هذا التطبيع. فإذا نجح النهج الذي تتبناه الدول العربية، فإنه سوف يخدم المصالح الأميركية من خلال تهدئة التوترات الإقليمية، مما يسمح للولايات المتحدة التركيز على آسيا وأوروبا. ولذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تستخدم النظام الجديد في الشرق الأوسط لاحتواء طموحات إيران، بدلاً من المحاولة عبثاً لإنشاء تحالف مناهض لطهران. وللقيام بذلك، ينبغي على واشنطن تشجيع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى على تعميق ارتباطها الدبلوماسي والاقتصادي مع إيران من أجل ضمان قبول طهران تسوية دائمة للقضية الفلسطينية ووقف التصعيد في الشرق الأدنى. لأنه من الصعب التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية دون موافقة إيران الضمنية على الأقل، وسيكون أي اتفاق يتم بين الفلسطينيين وإسرائيل أكثر استقرارًا إذا حصل على دعم إيران. ومثل هذا الحل من شأنه أيضاً أن يحرم إيران من القدرة على استغلال هذه القضية، ويفقد الأصوات الفلسطينية المتطرفة نفوذها، ويُهيئ الأجواء السياسية للعالم العربي لإقامة علاقات أفضل مع إسرائيل. العودة إلى بر الأمان هناك قضية واحدة لا تزال إسرائيل والولايات المتحدة ومعظم الدول العربية تتفق عليها: البرنامج النووي الإيراني فهم يعتقدون جميعاً أن التطوير المستمر للبرنامج يعد أحد أكثر التطورات زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. ومع اقتراب طهران من إنتاج أسلحة نووية، قد تكثف إسرائيل هجماتها السرية على إيران. وإذا بدت طهران أقرب للتسلح النووي، فقد تهاجم إسرائيل إيران بشكل مباشر - وهو عمل يمكن أن يجر الولايات المتحدة بشكل سريع إلى صراع مباشر. وفي حالة توقيع الرياض وواشنطن على معاهدة دفاع، فقد تصبح السعودية أيضًا طرفًا في أي حرب. ثم ستشتعل تلك الحرب في الشرق الأدنى، وكذلك في الخليج، وستكون لها عواقب مدمرة لكلا المنطقتين وللاقتصاد العالمي بأكمله. حاولت إيران والولايات المتحدة، التوصل إلى اتفاق نووي جديد منذ تولي بايدن السلطة في بداية عام 2021 وفشلتا في ذلك. في البداية، قد تبدو هجمات 7 أكتوبر، وكأنها تجعل التوصل إلى اتفاق جديد أمراً مستحيلاً فعلياً. لكن طهران وواشنطن عملتا بعناية على وقف التصعيد قبل 7 أكتوبر، وقد ظل اتفاقهما الهادئ صامداً إلى حد كبير. ويبدو أن الاتفاق النووي غير الرسمي، على سبيل المثال، لا يزال قائماً. أطلق وكلاء إيران صواريخ على القواعد الأمريكية، لكن لا توجد مؤشرات تدل على أن أي من الطرفين يريد محاربة الآخر - هذه الهجمات هدفها إظهار الدعم لغزة ولتحذير الولايات المتحدة من إفشال الاتفاق غير الرسمي، وليس من أجل الإضرار بالوجود الأمريكي. وبالمثل، فإن ضربات واشنطن المتفرقة هي أيضًا مناورات، نُفذت لتهدئة الجماهير التي تطالب بالرد على الهجمات الإيرانية. بالنسبة لواشنطن، فإن التصعيد مع إيران سيجعلها تضطر إلى استخدام مواردها العسكرية والدبلوماسية في الشرق الأوسط بدلا من استخدامها في منافستها مع بكين وموسكو. ومن ناحية أخرى، لا يريد القادة الإيرانيون المجازفة بالدخول في صراع قد يدمر اقتصادهم ــ وربما يسقط نظامهم. من المحتمل أن يستمر هذا الهدوء النسبي على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024. لكن احتمال عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى منصبه تعني أنه ليس لدى طهران وواشنطن متسع من الوقت للتوصل إلى اتفاق جديد. وحتى إذا أعيد انتخاب بايدن، فيجب على الدولتين حل مواجهتهما النووية قبل أكتوبر 2025، لأن في هذا الوقت ستفقد الدول الموقعة على الاتفاق النووي حقها في إعادة فرض العقوبات التي وافقت عليها الأمم المتحدة بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 (الذي انسحب منه ترامب). وإذا لم تقم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بإعادة فرض عقوبات من خلال الأمم المتحدة قبل ذلك الوقت، فقد لا يتمكنون أبداً من تنفيذها مرة أخرى؛ لأنه من المحتمل أن تستخدم الصين وروسيا حق النقض ضد أي عقوبات مستقبلية، والتي يجب أن تمر عبر مجلس الأمن الدولي. ولكن إذا اختار الغرب إعادة فرض هذه العقوبات، فقد حذرت إيران من أنها سوف تنسحب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ــ وهي بمثابة إعلان لتطوير سلاح نووي ــ وهو ما من شأنه أن يدفع بحدوث أزمة دولية كبرى. وبالتالي، تريد واشنطن وحلفاؤها التوصل إلى اتفاق جديد قبل فوات الآوان. ومن أجل التوصل إلى اتفاق جديد، يجب على إيران والولايات المتحدة أن يستأنفا المحادثات من حيث توقفا في فيينا في أغسطس 2022: وهي المرة الأخيرة التي عقد فيها البلدان محادثات نووية. وعلى الرغم من استمرار الحرب في غزة، إلا أن أهدافهم لا تزال كما هي. تريد الولايات المتحدة الحد من كمية ونقاء اليورانيوم الذي يمكن لإيران تخصيبه - وبالتالي إطالة الوقت الذي تحتاجه طهران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي - وضمان خضوع برنامج إيران النووي لمراقبة دولية صارمة. وتريد إيران، تخفيف العقوبات الاقتصادية الخانقة لها. ولكن على عكس عام 2022، يجب على الولايات المتحدة أن تنسق بشكل وثيق محادثاتها النووية مع الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية للحد من التوترات مع إيران. فالأمرين مرتبطان في النهاية. سيؤدي النجاح في المحادثات النووية التي تقلل من التوترات بين إيران والولايات المتحدة إلى مساعدة السعودية في تحقيق النتيجة نفسها مع إيران. في الوقت نفسه، سيمنح النجاح في المحادثات بين الرياض وطهران إيران مزيدًا من الأسباب للثقة بعقد اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، خاصة إذا تم تشجيع مثل هذه المحادثات من قبل واشنطن. وسيتعين على الولايات المتحدة التأكد من أن أي اتفاق نووي تعقده مع المملكة العربية السعودية يحتوي على شروط وقيود تشبه الاتفاق الذي تبرمه مع إيران. وإلأ، فستدخل الدولتان في دوامة من التصعيد، وستبذل أي دولة ذات قدرات نووية ضعيفة قصارى جهدها للحاق بالدولة الأخرى. التنافس على المدى القريب، يجب أن تركز استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط على إنهاء الحرب في غزة وإيجاد طريق نحو الاستقرار الإقليمي. ولكن على المدى الطويل، تحتاج الولايات المتحدة إلى النظر إلى ما وراء إيران والفلسطينيين فحسب. لأنه يجب أن تشمل سياساتها في الشرق الأوسط مواجهة بكين: أكبر قوة دولية تتحدى الهيمنة الأمريكية. ازداد الوجود الاقتصادي للصين في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي. تعتمد بكين بشكل كبير على دول الخليج للحصول على إمداداتها من الطاقة، وقد استخدمت دول الخليج كبوابة لشبكاتها التجارية والاستثمارية المتوسعة في أفريقيا. وفي المقابل، عرضت الصين على السعودية والإمارات العربية المتحدة إمكانية نقل المعرفة، المتعلقة بتقنيات الطاقة النظيفة، والتي لا يمكنهما الحصول عليها من الغرب، مما يساعد بكين على رعاية التنمية في الخليج. كما قامت الصين باستثمارات مباشرة كبيرة في منطقة الخليج، وخاصة في المملكة العربية السعودية. وفي عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، تم دمج هذه العلاقة التجارية في مبادرة الحزام والطريق الصينية. وقد جعل شي جين بينغ، تعزيز هذه العلاقات جزءًا من رده على جهود واشنطن لإحتواء بكين. وقد لاحظت الولايات المتحدة علاقة الصين المتزايدة مع دول الشرق الأوسط. وقد أولت اهتماما وثيقا بشكل خاص عندما ساعد شي جين بينغ في التوسط في التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية. وتعتقد واشنطن أن الصين تريد استخدام نفوذها الاقتصادي في الشرق الأوسط لتصبح قوة سياسية وأمنية في المنطقة. إن معاهدة الدفاع الأمريكية السعودية هي رد فعل: ووسيلة لوقف انجراف الرياض إلى فلك الصين. كما أن خطط واشنطن لإنشاء ممر تجاري عبر الشرق الأوسط مصممة أيضًا لتقويض مخطط بكين. ومن شأن مثل هذا الممر أن يفيد المنطقة اقتصاديا، ولكن هدفه الأساسي يتلخص في مواجهة مبادرة الحزام والطريق من خلال ربط المستقبل الاقتصادي للمنطقة بالهند وأوروبا. ومن شأن الممر أيضًا أن يربط الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بإسرائيل ويدمج الاقتصاد الإسرائيلي في اقتصاد الشرق الأوسط. وقد استجابت بكين بحذر لمقترحات واشنطن. عندما تحدثت الولايات المتحدة عن إنشاء ممر اقتصادي هندي-شرق أوسطي-أوروبي، ردت الصين بأنها سترحب بالممر بشرط ألا يصبح “أداة جيوسياسية”، وهو بالطبع ما تريده الولايات المتحدة بالضبط. فهو من شأنه أن يقسم الشرق الأوسط بين أولئك الذين يشكلون جزءاً من الممر الاقتصادي وأولئك الذين لا يشكلونه: نظام إقصائي يتعارض مع رؤية الصين الإقليمية. وتعلم بكين أن سعي إدارة بايدن لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية هو محاولة لمواكبة نجاح الصين مع الإيرانيين والسعوديين. ولكن، ما زالت الصين غير قادرة على إحباط خطط الولايات المتحدة، ولكن لا توجد مؤشرات على أنها ستقلل مشاركتها الاقتصادية في المنطقة. وفي ظل الفراغ الجيوسياسي الحالي، سوف تستمر بكين في استغلال ذلك الوضع في توسيع وتعميق مشاركتها. السعودية لا تريد الاختيار بين الصين والولايات المتحدة. ولكن تمامًا مثل إسرائيل والسُلطات الفلسطينية، ربما لا تزال السعودية تؤيد خطط واشنطن لأنها ستعزز طموحات الرياض كقوة عظمى من خلال تعزيز موقعها الإقليمي وتوسيع نفوذها الاقتصادي. ومن شأن هذه الخطط أن تحسن اقتصادات الدول الإقليمية الأخرى أيضًا. ونتيجة لذلك فإن الدول العربية التي قد تكون معادية لشرق أوسط يتمحور حول السعودية يمكن أن توافق على مقترحات الولايات المتحدة. وإذا فعلوا ذلك، فإن النتيجة ستكون زيادة الاستقرار داخل دول الشرق الأوسط وفيما بينها. ولكن لزيادة احتمال موافقة كل دولة على نظامها المقترح، قد يتعين على الولايات المتحدة أن تفعل أكثر من مجرد التأكد من أن نظامها يحقق الرخاء للجميع. ويتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تتبنى رؤية لأمن الشرق الأوسط لا تقسم المنطقة إلى معسكرات، بل تفسح المجال لجميع الأطراف الفاعلة. ويتطلب ذلك من الولايات المتحدة السماح للدول الواقعة في ممرها الاقتصادي المتصور بالانضمام إلى الترتيبات الاقتصادية الأخرى أيضًا. وهو يتطلب أيضاً عقد صفقة كبرى لتعزيز أمن إسرائيل، والدول العربية الأخرى، بل وحتى إيران. ومن الممكن توفير هذا الأمن جزئياً من خلال اتفاق نووي جديد واتفاق إقليمي بين إيران والمملكة العربية السعودية. لكن يجب على الولايات المتحدة أن تفكر في عقد اتفاقيات إقليمية تتجاوز تلك التي أبرمتها مع المملكة العربية السعودية. ومن الممكن أن تعمل هذه الاتفاقيات على توسيع نطاق الضمانات الأمنية الأمريكية لتشمل دولًا أخرى، لكنها يجب أن تأتي أيضًا مصحوبة بقيود وخطوط حمراء. لا يمكن لواشنطن أن تستمر ببساطة في إمداد الحلفاء الإقليميين بالأسلحة، كما فعلت قبل 7 أكتوبر. فبدلاً من تعزيز الاستقرار، شجعت هذه السياسة على سباق تسلح وحرب إقليميين. صناعة السلام مهما فعلت واشنطن، فسوف تكون هناك مقاومة لرؤيتها في الشرق الأوسط. وستظل إيران تعادي إسرائيل والولايات المتحدة. ولن يكون جيران المملكة العربية السعودية في الخليج سعداء أبدًا بهيمنة المملكة. ستتأمل إسرائيل وتركيا أيضًا في دلالات امتلاك السعودية لهذه القوة الهائلة، وفي تداعيات التزام الولايات المتحدة بتحقيقها على حساب مصالحهما. وسوف يكون رد فعلهما، بطرق لا يمكن لواشنطن أن تتوقعها. ولكن على الرغم من أن كل هذه الدول سوف ترغب في المزيد من القوة، فإن أكثر شيء تريده هو الحفاظ على استقرار أنظمتها. فهم يريدون المشاركة في صياغة رؤية تعمل على إنهاء الصراعات الإقليمية، وتعزيز النمو الاقتصادي، والحد من الضغوط الداخلية. فإذا تم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية، فسوف يقبلونه في النهاية. ومع ذلك، ولإنجاح هذه الصفقة، ستحتاج الولايات المتحدة إلى إقناع إسرائيل بالتوقف عن الانخراط فيما يعتبره الكثيرون عقابًا جماعيًا للمدنيين الفلسطينيين. ويتعين على واشنطن أن تحل معاناة الفلسطينيين، بدلاً من تجاهل قضيتهم، من خلال المساعدة في خلق مسار موثوق به ينتهي بإنشاء دولة فلسطينية مستقبلية. يجب أن تواجه صفقة واشنطن التحدي الذي يمثله إيران من خلال تجميد برنامجها النووي والحد من نفوذ وكلائها الإقليميين، سواء من خلال الردع أو من خلال اتخاذ خطوات لتخفيف التوترات. ويتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على إنشاء ممر تجاري يساعد في تنمية اقتصادات الشرق الأوسط. عندها فقط ستكون المنطقة مستقرة، وستتحرر واشنطن من مسؤولياتها الحالية في الشرق الأوسط. * رئيس برنامج البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وإفريقيا في معهد الشؤون الدولية في روما. * * أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز. وكان كبير مستشاري الممثل الخاص للولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان بين عامي 2009 و2011.