بَلَدٌ لا يُحِبُّ الحَيَاة.

سَلامٌ على مَطَرٍ شَارِدٍ في ظُنُونِ السَّحَابِ يُفَكِّرُ في شَجَرٍ لا يُرَى مَطَرٍ لَيسَ يَهمِي ولا يَصعَدُ القَهقَرَى مَطَرٍ لا يُحِبُّ الحُقُولَ ولا يَستَبِيحُ الذُّرَى، والقُرَى يَتَسَلَّقُهَا الجَدبُ أَشجَارُها ضَارِعَاتٌ وأَعيُنُها غُرَفٌ يَتَزَاوَجُ في جَوفِهِنَّ الكَرَى طِبتَ يا زَمَنَ القَحطِ قال الرَّبيعُ الذي.... وتَسَاقَطَ في لَحظَةٍ وَجَعاً أَخضَرَا. سَلامٌ على زَمَنِ القَحطِ يَأكُلُ خُضرَةَ أَيَّامِنَا وتُسْلِمُنَا لِلجَرَادِ يَدَاهُ جَرَادٍ أَتَى بِحَوَافِرِهِ يَتَفرَّسُ أَغصَانَنَا وأَقامَ على ظَهرِنَا فَانكَسَرنَا وأَذَّنَ -في أَهلِهِ لِلصَّلَاةِ على القَاحِلِينَ- الخَرِيف. سَلَامٌ تَقُولُ السَّمَاءُ وتَسأَلُنَا: يا تُرَى أَيُّ طَاغِيَةٍ أَو نَبيٍّ كَسُولٍ تَصَوَّرَ أَنَّ المُحَالَ احتِمَالٌ بَعِيدٌ لِيَخدَعَنا بِاليَقينِ القَرِيبِ فَعِشنَا طَوِيلاً ولم نَتسَلَّق جِبَالَ الجُنُونِ ومِتنَا كَثِيراً ولم نَنتَبِهْ. سَلَامٌ نَقُولُ: فَيَا أَيُّها الرَّاكِضُونَ على إِثْرِنا انتَخِبُوا حَادِياً مِن كِتَابِ الطَّوَاوِيسِ أَو فَاقفِزُوا فَوقَ هذا الجِدَارِ ولا تُؤمِنُوا مِثلَنا بِالوَصَايَا ولا تَثِقُوا بِكَلَامِ المَرَايَا فَمَا أَثقَلَ العَيشَ تَحتَ جَنَاحِ المُنَى والمنَايَا. وطُوبَى لِمَن كَسَرُوا جَبهَةَ المُستَحِيلِ ولم يَقبَلُوا أَن يَكُونُوا الضَّحَايَا. وطُوبَى لِمَن أَبحَرُوا في مَدَارِ الخَفَايَا لِمَن شَرِبُوا نَخْبَ هذا الوُجُودِ وما عَثَرُوا بِالظُّنُونِ ولا وَقَعُوا في وُحُولِ النَّوَايَا فَكانَ الغُمُوضُ مَدَىً لا تُمَلُّ حَدَائِقُهُ والوُضُوحُ عَذابًا مُقِيماً لهُ صُورَةٌ وَاحِدَةْ. سَلَامٌ - تَقُولُ الفُؤُوسُ - عَلَينَا على بَلدَةٍ أَرضَعَتهَا السَّمَاوَاتُ لكنَّها فرَّطت في يَنَابِيعِها واستَوَى عُودُها لِلحَصَادِ وتَبدَأ رِحلَتَهَا مِن جَمَاجِمِنَا وتُغَنِّي: هُنَا بَلدَةٌ مَرَّ يَطرُقُ أَبوَابَها مَطَرٌ نَاعِمُ هُنَا بَلدَةٌ أَكَلَ الجَدبُ أَبنَاءَهَا والسَّرَابُ على صَدرِها جَاثِمُ هُنَا بَلدَةٌ شَعبُهَا لا يُحِبُّ الحيَاةَ ومِنجَلُهَا نَائِمُ هُنَا بَلدَةٌ أَغمَدَ الخَوفُ أَسيَافَهَا والفَنَاءُ - بِآفَاقِهَا - حَائِمُ هُنَا بَلدَةٌ أَدَّبَتْ بِالحَرَائِقِ غَابَاتِهَا واللَّظَى نَادِمُ سَلَامٌ على مَطَرٍ كان يَعرِفُ وِجهَتَهُ فهو بِالمُنتَهَى عَالِمُ سَلَامٌ على المَاءِ والماءُ ذَاكِرةٌ لِلحَيَاةِ أَبٌ، مِثلهَا آثِمُ سَلَامٌ على بَلدَةٍ فَرَّ مِنهَا الصَّبَاحُ وعَاثَ بِهَا لَيلُهَا الظَّالِمُ هُنَا بَلدَةٌ كانَ يُمكُنُ أَن لا تَمُوتَ لِكَي يَحزَنَ العَالَمُ.