يجمعها برمضان العطاء غير المحدود..

النخلة وإعجاز القرآن والسنة في الحمل والولادة.

بين النخلة وشهر رمضان علاقة وثيقة، فالنخلة عطاء بلا حدود، ورمضان عطاء بلا حدود! فالنخلة هي الشجرة المثلي في عطائها، واستقامتها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجودها على الدوام. ورمضان عطاء بلا حدود! ومن أعظم عطاءاته: نزول القران الكريم فيه. بالنخلة بدأتالحياة فهي من أول مخلوقات الكون، خلقت مع أبي البشر – أدم عليه السلام- حيث تشير الروايات أن الله أمر ملائكته فوضعوا التراب الذي خلق منه أدم عليه السلام في المنخل ونخلوه، فما كان لباباً صافيا أُخذ لطينة آدم وما بقي في المنخل من تراب خلق الله منه النخلة وبه سميت لأنها خلقت من تراب بَدن أدم وهي العجوة، وكان أدم عليه السلام يأنس بها في الجنة ولما هبط إلى الأرضاستوحش بمفارقتها وتضرع إلى الله طالباَ منه أن ينزل له النخلة فأنزلها وغرسها في الأرض، ولما قربت وفاته أوصي إلى ولده أن يضع معه في قبره جريدة منها فصارت سنة إلى زمان عيسي عليه السلام ثم اندرست لفترة من الزمان فأحياها النبي صلي الله عليه وسلم. وقال إنها ترفع عذاب القبر ما دامت خضراء وقد روي الجمهور عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال للأنصار: “خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين يوم القيامة. قالوا: وما التخضير؟ قال صلي الله عليه وسلم: جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة” (سنن البيهقي). والنخلة أكرم الشجر كما وصفها الرسول صلي الله عليه وسلم: “ليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة ولدت تحتها مريم ابنة عمران” (أخرجه ابن عساكر) وثمار النخلة التمر، وهو من الأغذية الرئيسية لدى العرب ومن لزوميات الفطور وإكرام الضيف، قال الرسول صلي الله عليه وسلم: “بيت ليس فيه تمر جياع أهله” (رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة). والنخلة تحمل سر الوجود وديمومة البقاء، وتحمل سر الخلود وتبقي بعد الفناء حيث أوصي الرسول صلى الله عليه وسلم بزراعة فسائلها حتى وان قامت الساعة: “إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليغرسها” (رواه البخاري). ولولا شجرة النخيل لما وجدت معظم الواحات المنتشرة في شبه الجزيرة العربية وكما كف أحد من العرب عن الترحال فقد كان رجال القبائل العربية يحملون في أمتعتهم حقيبة من الجلد غير المدبوغ يدسون فيها نوى التمر التي يأكلونها حيث يجمعونها لتكون وجبه لإبلهم لذلك هي استحقت أن تكون شجرة العرب الأولي لارتباطها ارتباطاً كبيراً بحياتهم منذ قديم الزمان فذكرت في تراثهم وأشعارهم وكتبهم ومؤلفاتهم، ولم تحظ شجرة في تراثنا العربي بما حظيت به النخلة من تكريم حتى أنها نالت مكانة عظيمة لأنها أمدتهم بالطاقة ووفرت لهم لقمة العيش وهي مصدر رزقهم ومن أقوالهم المأثورة عن نخلة التمر: “الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل، تحفة الكبير، وصمتة الصغير، وزاد المسافر، والنضيج فلا يحتاج للطبخ”. ولا تطالع شجرة إنساناً كما تطالعه النخلة. مرتفعة شامخة فاردة أجنحتها بتنسيق بديع في كل اتجاه، إنها الشجرة الوحيدة التي ترتفع فيها كتلة أغصانها مع كل ارتفاع للجذع. ويصبح الجذع أشبه بيد قابضة على مجموعة الأغصان ترفعها عالياً في الفضاء ثابتة في مركزها متمايلة مع نسمات الريح كلماّ هبت وكأنها تلوح لصديق آتٍ من بعيد. ومن أعجب ما في النخلة تحوّل ألوانها وتلاعب اتجاه الظل مع انحناءات السعف. فأنت تارة تراها خضراء نضرة، وتارة خضراء قاتمة تتخللها ظلال حمراء غير محددة وكأنها انعكاس للون الجذع البني أو إناء رطب لذيذ سوف تحمر وجناته باقتراب موعد القطاف. يا للنخلة! فارعة الطول، ممتدة القامة، يعلوها فرع مجلل بسعفات كثيفة تأخذ شكل الأقواس، بعضها فوق بعض، صانعة إحساساً مفعماً بالمهابة. تلك هي الملامح الأساسية التي تنطبق على نخلة التمر، وعشرات أنواع النخيل المنتشرة في بلاد العالم. ونخلة التمر نوع فريد بين الأجناس والفصائل النخلية المعروفة على وجه الأرض. ذلك أن أنثاها لا تنتج الثمار إلا بواسطة التلقيح، وتتخلق منها فسائل أخري في عملية تشبه الولادة، وتتعدد أصناف ثمارها حتى تقترب من الخمسمائة، ويمتد عمرها إلى 150 عاماً أو أكثر،و قد يصل طول الواحدة منها إلي 25متراً، وفضلاً عن ذلك لا يتساقط ورقها حتى عند موت النخلة نفسها!. هذه السمات ألهمت العلماء العرب مبالغة وصفية فوضعوا النخلة والإنسان في سلة واحدة، حيث رصدوا صفات مشتركة كثيرة بين النخلة والإنسان. فالنخلة: “ذات جذع منتصب، ومنها الذكر والأنثى، ولا تُثمر إلاَّ إذا لُقحت، وإذا قُطع رأسها ماتت،وإذا قطع سعفها لا تستطيع تعويضه من محله كما لا يستطيع الإنسان تعويض مفاصله، والنخلة مغشّاة بالليف الشبيه بشعر الجسم في الإنسان. ولما كان النخل عمدة في حياة العرب، فإنهم لم يكتفوا بالتغذّي بثماره والتفيّؤ بظلاله والتدفّؤ بجذوعه، بل استغلّوا عناصره أفضل استغلال، فاتّخذوا من ثمر النخيل دواء، واعتصروا منه خمراً، وجعلوا من نواه لمواشيهم علفاً، وصنعوا من سعفه وخوصه أسرّة وستائر، وبسطاً وحصراً، وقبّعات وأقفاصاً، وأطباقاً وسلالاً. وأقاموا من جذوع النخيل القوية أعمدة لبيوتهم، وعوارض لسقوفهم، ومعابر لترعهم وأقنيتهم حين قطعوا في مضمار الحضارة أشواطاً، كما راحوا يجفّفون عسيب السعف ويكشطونه متّخذين من جريده صحائف لتدوين آيات القرآن المنزلة، كما استعملوا بعض أجزاء النخلة في صناعة الأقلام للكتابة، والمراوح للتهوية، وانعطفوا بعد ذلك على صعيد الإبداع إلى تزيين دُورهم وقصورهم، ومساجدهم ومعاهدهم بروائع الرسوم التي تمثّل النخلة بأبهى صورها وأزهى ألوانها. - الصيام والتمر: فترة الصيام تعتبر راحة تامة للجهاز الهضمي بكل المقاييس، وتكون المعدة خلال هذه الفترة منقبضة، وفي حالة سكن وخمول، فالطعام غير موجود. وعندما يبدأ الصائم في تناول إفطاره تتنبه الأجهزة ويبدأ الجهاز الهضمي عمله، خصوصاً المعدة التي تريد التلطف بها، ومحاولة إيقاظها باللين. لذا نجد أن السنة النبوية الحكيمة تأمر بأن يكون الإفطار على التمر، فإن لم يكن فعلى الماء فعن سلمان بن عامر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركه، فإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور” (رواه الترمذي). وعن أنس رضي الله عنه قال: “كان رسول الله يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء” ( رواه الترمذي). وقال ابن القيم في كتابه الطب النبوي عن التمر: “وهو من أكثرالثمار تغذية للبدن، بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وهو مقو للكبد، ملين للطبع، وأكله على الريق يقتل الدود، فإنه فيه قوة ترياقيه، وهو كذلك فاكهة وغذاء ودواء وشراب” ومازالت سنة أكل التمر لدى المسلمين في رمضان متواصلة إقتداء بسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام. فالصائم لا بد أن يفطر على التمر، رغم توفر ألوان أخرى ألذ وأشهى، لكن يبقى التمر كالتعويذة يبدأ بها وإليها المنتهى.تصبيرة في افتتاحية الأكل وتحلية في خاتمته،وإذا نظرنا بعيون الطب الحديث وجدنا أن التمرة- على الرغم من ضآلة حجمها-غذاء متكامل (الغذاء الكامل هو ذلك الغذاء الذي يحتوي على كميات متكافئة من: المواد البروتينية، المواد الكربوهيدراتية – النشوية والسكرية-، المواد الدهنيه، الفيتامينات- التمور غنية بفتامينA وفيتامين B7 وبه نسبة متوسطة من فيتامين B1 و B2 ونسبة قليلة من فيتامينC-، الأملاح المعدنية- التمور مصدر جيد لعناصر الحديد والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والكبريت والفسفور والنحاس والكلورين والمنغنيز-، الماء. والمواد الثلاثة الأولى تمد الجسم بما يحتاجه من الطاقة الحرارية اللازمة للحياة والأملاح المعدنية والفيتامينات ضرورية وأساسية لحيوية الجسم) كما وجد أن التمر يحتوي على نسبة عالية من البوتاسيوم وهو عنصر لازم لتوازن كمية الماء داخل خلايا الجسم وخارجها، ولعمليات الأيض (التمثيل الغذائي) للعضلات والمخ كما انه له تأثيره على حركة العضلات غير الإرادية وهضم الطعام، وله دوره في انبساط عضلة القلب عندما يتسبب الكالسيوم الموجود بالجسم في انقباضها وذلك في توازن عجيب بين البوتاسيوم والكالسيوم في الجسم. - لماذا الإفطار على التمر؟ تناول التمر عند الإفطار في شهر رمضان سنة مؤكده والثوابت العلمية تؤكد أن التمرة بها العديد من العناصر الغذائية على رأسها المواد السكرية سريعة الهضم وسريعة الامتصاص في الجسم، حيث يبدأ الهضم من الفم بواسطة اللعاب فهي لا تحتاج إلى عمليات هضمية معقده كما هو الحال في المواد الدهنيهوالبروتينيه المعقدة، والتي تحتاج إلى مدة طويلة لإتمام الهضم تصل في المتوسط إلى ست ساعات وإفراز الجسم لعديد من الإنزيمات الهضمية، حتى تصل إلى مواد سكرة قابلة للامتصاص. لذا فإن المواد السكرية في التمور تعتبر منبهاً خفيفاً للمعدة من سكونها قبل إثقالها بالطعام، هذا بالإضافة إلى أن المواد السكرية تمتص بسرعة لتحترق لتعوض الجسم عن نقص السكر في الدم أثناء الصيام، والعمل على إزالة الأعراض التي تصيب الصائم في نهاره مثل الضعف والهزال، وجفاف الحلق، حيث يُنشط الخلايا، ويعود بحيويتها، كما ان وجود الفركتوز -الفركتوز أو سكر الفاكهة هو السكر الذي يتكون داخل كل أنواع الفواكه تقريباً وبعض الخضروات- بنسبة عالية في سكر التمور له من الفوائد الشيء الكثير حيث يدخل في غذاء مرضي السكر، وفي السيطرة على السمنة وتسوس الأسنان، ومن هنا تكمن الحكمة النبوية الشريفة بإعطاء الصائم كمية من المواد السكرية كالموجود في التمر. كما أن تناول الصائم للتمر عند إفطاره يشعره بالشبع النسبي، فيقوم بأداء صلاة المغرب عندئذ تكون المعدة قد تنبهت واستعدت للاستقبال الطعام والشراب. - التمر وإعجاز القران والسنة في الحمل والولادة: بين لنا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم قيمة التمر بقوله: “أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج ولدها حلما فإنه كان طعام مريم حين ولدت ولو علم الله طعاماً خيراً من التمر لأطعمها إياه” (صحيح البخاري). واللفتة المبهرة قوله تعالى في قصة السيدة مريم: “فجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألاّ تحزني قد جعل لك ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخل تساقط عليك رطبا جنيا فكلي وأشربي وقري عينا” (مريم: 26-23) والحال في قصة السيدة مريم عليها السلام حال مخاض – أشبه بحال الطوارئ بلغة عصرنا- فسبحانه وتعالى حدد لها طعاماً واحداً هو الرطب (الرطب: ثمرة النخيل الناضجة) وشراباً واحداً هو الماء، فلماذا اختار الحق – وهو العليم الخبير- الرطب والماء؟ والطب الحديث يشرح لنا ويفسر هذه الحكمة الإلهية فيقول: إن الغدة النخامية الموجودة بالجمجمة والتي تعتبر سيدة الغدد الصماء تتكون من فصين (جزأين) أمامي وخلفي، يقوم الفص الخلفي بإفراز هرمون يسمي الأوكسيتوسسين (OXYTOCIN) اللازم لعملية الولادة لأنه ينشط انقباض عضلات الرحم لتيسير هذه العملية، وبعد نزول الجنين يساعد هذا الهرمون على إعادة الرحم سيرته الأولى فيتضاءل حدوث النزيف الرحمي بعد الولادة، وقد وجد أن التمر يحتوى على مادة تنبه تقلصات الرحم وتزيد من انقباضها وخاصة أثناء الولادة وهذه المادة تشبه هرمون الأوكسي توسين.وقد أثبتت البحوث العلمية التي أجريت على الرطب أناه تحتوي مادة مقبضه لعضلات الرحم وتقوى عملها في الأشهر الأخيرة للحمل فتساعد على الولادة جهة، كما تقلل كمية النزف الحاصل من جهة أخرى بعد الولادة. ومن فوائد الرطب أيضاً أنه يخفف ضغط الدم عند الحامل فترة ليست طويلة ثم يعود لطبيعته وهذه الخاصية مفيدة لأنه بانخفاض ضغط الدم تقل كمية الدم النازفة. والرطب من المواد الملينة التي تنظف القولون ومن المعلوم طبياً أن الملينات النباتية تفيد في تسهيل وتأمين عملية الولادة بتنظيفها للأمعاء الغليظة. كما يحتوي التمر على نسبة عالية من السكريات الأحادية (غير المعقدة) مثل الجلوكوز وهي- السكريات الأحادية- الوقود المفضل للعضلات ومنها عضلات الرحم الضخمة التي تقوم بمجهود شاق حتى يخرج المولود بسلامة الله. وختاماً: قديما انشد المعري: شربنا ماء دجلة خير ماء وزرنا اشرف الشجر النخيلا فكيف إذا كان الماء ماء زمزم خير ماء على وجه الأرض كما قال النبي صلي الله عليه وسلم. * عضو اتحاد كتاب مصر