في رحاب الحرمين..

قراء النور.

لطالما ارتبط شهر رمضان في وجدان المسلمين بالقرآن الكريم، ففيه تتعالى أصوات التلاوة من الحرمين الشريفين، جامعةً القلوب ومؤثرةً في النفوس، هو شهر الفضيلة الذي تفتح فيه أبواب الجنات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتجاب فيه الدعوات، وترفع الدرجات، وتغفر السيئات، وفي أروقة الحرمين الشريفين، تلك الساحات الإيمانية التي تبدو كأنها عالم آخر بملامح فريدة، ومشافٍ روحية مفتوحة لمن ينشد السكينة والاستقرار النفسي، تتعانق أرواح المصلين القادمين من كل فج عميق. هناك، في رحاب البيت الحرام، وسط الزحام المتدفق من شتى بقاع الأرض، تدرك سر هذا التوافد الذي لا ينقطع، حيث ترك الناس الدنيا بما فيها من مغريات واتجهوا قاصدين بيت الله المعظم. في تلك الأجواء الروحانية المفعمة، تتجلى عظمة التلاوة في الحرمين، ويصدح الأئمة بآيات الذكر الحكيم، في مشهد مهيب يجمع القلوب ويوحد الأرواح، وعلى مدار عقود أضحى للحرمين الشريفين رموز قرآنية صنعت تاريخًا من الخشوع والتدبر، حيث تجتمع الآذان في ليالي رمضان حول تلاوات أئمتهما الذين تركوا بصمات خالدة في ذاكرة الأمة. أصوات لا تُنسى لطالما كان للحرمين الشريفين رموز قرآنية ارتبطت أصواتهم بوجدان المسلمين، خاصةً في شهر رمضان المبارك، حيث كانت تلاواتهم تملأ الأجواء خشوعًا، وتُبكي المصلين في ليالي التهجد والتراويح، وقد ترك عدد من القرّاء القدامى بصمة لا تُمحى، إذ أصبحت أصواتهم جزءًا من ذاكرة رمضان في الحرمين، يستعيدها الناس بشوق وحنين كل عام، وظلت تسجيلاتهم تُبث في البيوت والمساجد، لتبقى أنفاسهم القرآنية شاهدة على زمنٍ من الصفاء الروحي، ومن أبرز هؤلاء: * الشيخ محمد السبيل: الشيخ محمد بن عبدالله السبيل من أبرز علماء المملكة وإمامًا وخطيبًا للمسجد الحرام لأربعة وأربعين عامًا، وُلد في البكيرية، ونشأ في بيئة علمية حيث حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وتلقى العلم على يد والده وخاله وعدد من علماء المنطقة، وقد بدأ مسيرته العملية مشرفًا في المعهد العلمي في بريدة عام 1373هـ، ثم عُيّن إمامًا وخطيبًا ومدرسًا في المسجد الحرام عام 1385هـ، واستمر في هذا الدور حتى عام 1428هـ، كما شغل مناصب عدة، منها رئيس المدرسين والمراقبين في رئاسة الإشراف الديني على المسجد الحرام، ونائبًا عامًا لرئيس الإشراف الديني، ورئيسًا عامًا لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بين عامي 1411هـ و1421هـ، وكان عضوًا في هيئة كبار العلماء وعضوًا في المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي. اشتهر الشيخ السبيل بصوته الخاشع والمؤثر، وكان لصوته حضور مميز في الحرم المكي، مما جعله من الأئمة الذين نقشوا أسماءهم في ذاكرة المصلين، كما قام بأكثر من 100 رحلة دعوية خارج المملكة، زار خلالها أكثر من 50 دولة، وساهم في نشر العلم والدعوة الإسلامية، وقد توفي الشيخ السبيل في 17 ديسمبر 2012م عن عمر ناهز 88 عامًا، مخلفًا إرثًا علميًا ودعويًا كبيرًا، وذكريات لا تُنسى في قلوب المصلين والمحبين. * الشيخ عبدالله عبدالغني خياط: كان من أوائل الأئمة الذين صدحت أصواتهم في الحرم المكي، واشتهر بأسلوبه المتزن وتلاواته المؤثرة التي لازالت تتردد أصداؤها، وقد وُلِدَ الشيخ خياط في مكة المكرمة عام 1326هـ (1908م)، ونشأ في بيئة علمية متأصلة، حيث كان والده من أهل الفقه والتفسير، مما أسهم في تكوينه العلمي منذ الصغر، وتلقى تعليمه الأولي في مكة، ثم التحق بالمدرسة الراقية خلال العهد الهاشمي، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وانطلق في رحلته العلمية بتتلمذه على أيدي نخبة من كبار العلماء، وكان لنهله من حلقات العلم في المسجد الحرام دور محوري في تكوينه الفقهي والدعوي، كما نهل من مكتبات العلماء، مثل مكتبة الشيخ محمد صادق كردي، التي كانت زاخرة بالمؤلفات القيمة. تميز الشيخ عبد الله خياط بذكائه الحاد وحافظته القوية، ما جعله من المتفوقين بين أقرانه، ونتيجة لذلك تولى الإمامة في المسجد الحرام لأول مرة عام 1345هـ وهو لم يتجاوز التاسعة عشرة، ثم صدر أمر ملكي بتعيينه رسميًا في العام التالي، ليكون من أصغر أئمة الحرم سنًا، واستمر في الإمامة والخطابة حتى عام 1404هـ، حيث طلب الإعفاء نظرًا لظروفه الصحية، بعد أن قضى أكثر من أربعين عامًا في هذه المهمة الجليلة، ولم يقتصر دوره على الإمامة، بل كان من رواد التعليم في المملكة، حيث عمل مديرًا لعدد من المدارس، كما شغل منصب مستشار للتعليم بوزارة المعارف، وكان أول مدير للتعليم في منطقة مكة المكرمة، كما عُيّن عضوًا في هيئة كبار العلماء، وساهم في إدارة دار الحديث بمكة، وقد عُرِفَ الشيخ خياط بصوته الخاشع في التلاوة، وبأسلوبه البليغ في الخطابة، يُذكّر ويعظ بأسلوب يجمع بين الفصاحة والعمق الروحي، وقد رحل الشيخ خياط عن الدنيا يوم الأحد 7 شعبان 1415هـ (8 يناير 1995م)، وشيّعه المصلون في المسجد الحرام، تاركًا إرثًا علميًا ودعويًا خالدًا. * الشيخ علي جابر: صوته العذب وطريقته المتقنة في التلاوة جعلته من الأئمة الذين تحظى تلاواتهم بمكانة خاصة في قلوب المسلمين، ولا يزال صوته يُسمع في التسجيلات القديمة التي تُذاع في رمضان، إذ يعدّ الشيخ علي بن عبدالله جابر أحد أبرز أئمة الحرم المكي، حيث عُرف بصوته الندي وتلاوته الخاشعة التي تأثر بها الملايين حول العالم. امتدت إمامته للحرم المكي من عام 1401هـ حتى 1409هـ، تخللتها فترة انقطاع وسفر، إلا أن حضوره في صلاة التراويح ظل علامة فارقة في ذاكرة المسلمين، وقد وُلد الشيخ علي جابر في حضرموت، ثم انتقل مع أسرته إلى المدينة المنورة وهو في الخامسة من عمره، حيث أكمل حفظ القرآن الكريم في سن الخامسة عشرة. تلقى تعليمه في دار الحديث، ثم التحق بالجامعة الإسلامية وتخرج فيها بامتياز عام 1396هـ. واصل دراسته العليا في المعهد العالي للقضاء بالرياض، حيث حصل على الماجستير عام 1400هـ، ثم الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1407هـ عن أطروحته في الفقه المقارن. رُشّح الشيخ لمنصب القضاء، لكنه اعتذر عنه، واتجه إلى المجال الأكاديمي، فعُيّن محاضرًا في كلية التربية بالمدينة المنورة، ثم أستاذًا للفقه المقارن بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة بعد حصوله على الدكتوراة، وبدأت إمامته في الحرم المكي عام 1401هـ بطلب من الملك خالد، واستمر حتى عام 1403هـ، حين طلب الإعفاء ليعود إلى التدريس، لكنه عاد للإمامة في رمضان أعوام 1406هـ وحتى 1409هـ، حيث كان لصوته الفريد وأدائه الخاشع أثر كبير في نفوس المصلين، وتوفي في 12 ذو القعدة 1426هـ بعد معاناة مع المرض، تاركًا إرثًا خالدًا في تلاواته التي لا تزال تُبث عبر الإذاعات والقنوات الفضائية. * الشيخ عبد العزيز بن صالح: كان الشيخ عبدالعزيز بن صالح آل صالح إمامًا وخطيبًا للمسجد النبوي الشريف ورئيسًا لمحاكم منطقة المدينة المنورة، وقد وُلِدَ في المجمعة عام 1330هـ، وحفظ القرآن الكريم قبل سن العاشرة. تلقى العلم على يد الشيخ عبدالله العنقري، وعُيِّن إمامًا وخطيبًا لجامع المجمعة وهو في العشرين من عمره. انتقل إلى المدينة المنورة بأمر من الملك عبدالعزيز آل سعود للعمل في المحكمة العليا، ثم عُيِّن إمامًا مساعدًا للمسجد النبوي بعد مرض الشيخ صالح الزغيبي، وتولى الإمامة منفردًا بعد وفاته، واستمر في إمامة المسجد النبوي لأكثر من أربعين عامًا، وكان يتميز بصوت جهوري وأداء مؤثر في تلاوته للقرآن الكريم، وظلت تلاواته العذبة ظلت خالدة في أذهان المصلين، وتوفي في 17 صفر 1415هـ ودُفن في البقيع. * الشيخ إبراهيم بن الأخضر: الشيخ إبراهيم بن الأخضر، المولود في المدينة المنورة عام 1364هـ (1944م)، هو أحد أبرز قراء القرآن الكريم في المملكة، نشأ في المدينة وتلقى تعليمه في مدارسها، حيث درس في مدرسة دار الحديث، ثم مدرسة النجاح، فالمعهد العلمي، وأخيرًا المدرسة الصناعية الثانوية، وقد حفظ القرآن الكريم على يد الأستاذ عمر الحيدري، وقرأه برواية حفص عن عاصم على شيخ القراء في المسجد النبوي الشريف، ثم قرأ القراءات السبع وتتلمذ على عدد من المشايخ البارزين، وقد عمل الشيخ الأخضر مدرسًا في التعليم الصناعي، ثم في مدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم في المدينة المنورة، وتولى الإمامة في المسجد الحرام، ثم في المسجد النبوي الشريف، حيث عُرف بصوته القوي وأدائه المميز الذي ترك أثرًا عميقًا في نفوس المصلين، وجعل لتلاوته نكهة فريدة، وفي عام 2022م تم تكريمه باختياره الشخصية الإسلامية لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم في دورتها الخامسة والعشرين، تقديرًا لجهوده وإسهاماته في خدمة كتاب الله وتعليمه. * الشيخ محمد أيوب: يعدّ الشيخ محمد أيوب بن محمد يوسف من أعلام المسجد النبوي، امتاز بصوته الخاشع الذي يلامس الأرواح، وكانت تلاواته في ليالي رمضان من أجمل ما يُسمع في المسجد النبوي الشريف، عُرف بصوته الخاشع وتلاواته المؤثرة التي لامست أرواح المصلين، خاصة خلال ليالي شهر رمضان المبارك، وُلِدَ الشيخ محمد أيوب في مكة المكرمة عام 1372 هـ (1952 م)، ونشأ فيها حيث حفظ القرآن الكريم في سن الثانية عشرة على يد الشيخ خليل بن عبدالرحمن القارئ في مسجد بن لادن التابع لجماعة تحفيظ القرآن عام 1385 هـ، وحصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة تحفيظ القرآن التابعة لوزارة المعارف عام 1386 هـ. انتقل الشيخ محمد أيوب إلى المدينة المنورة وأكمل تعليمه في معهد المدينة العلمي، وتخرج فيه عام 1392 هـ، والتحق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتخرج في كلية الشريعة عام 1396 هـ، وتخصص في التفسير وعلوم القرآن، فحصل على درجة الماجستير من كلية القرآن، ونال درجة الدكتوراه من الكلية نفسها عام 1408 هـ، وعُيّن الشيخ أيوب إمامًا متعاونًا في المسجد النبوي عام 1410 هـ، واستمر في الإمامة حتى عام 1417 هـ، وبعد انقطاع دام 19 عامًا عاد لإمامة المصلين في المسجد النبوي خلال شهر رمضان عام 1436 هـ، وتوفي في 9 رجب 1437 هـ (16 أبريل 2016 م) في المدينة المنورة، وصُلي عليه في المسجد النبوي ودُفن في مقبرة البقيع. أجيالٌ بعد أجيال مع تطور الزمن، برز جيل جديد من الأئمة في الحرمين الشريفين، فحملوا الراية وأكملوا مسيرة من سبقهم، مجسدين امتدادًا لصوت الخشوع الذي يسري في أروقة الحرم، اجتمعت فيهم الموهبة القرآنية والتمكن من أحكام التلاوة، فكان لكل واحد منهم بصمته الخاصة التي أسرت القلوب، ورسمت لحظات لا تُنسى في ليالي رمضان، تمازجت أصواتهم بخشوع المصلين، فصاروا جزءًا لا يتجزأ من التجربة الروحانية التي تهفو إليها النفوس مع كل قدوم للشهر المبارك، ومن أبرزهم: * الشيخ صالح بن حميد: الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، وُلد عام 1369هـ (1950م) في بريدة بالقصيم، حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من جامعة أم القرى عام 1395هـ (1975م)، ثم نال درجة الماجستير في الفقه وأصوله وأكمل درجة الدكتوراه في التخصص ذاته، وبدأ مسيرته الأكاديمية كمعيد في كلية الشريعة بجامعة أم القرى، وتدرّج في المناصب الأكاديمية حتى أصبح عميدًا للكلية، وفي عام 1404هـ (1984م)، عُيّن إمامًا وخطيبًا للمسجد الحرام بمكة المكرمة، ليكون أول دكتور يُعيّن في هذا المنصب، وقد عُرِفَ بتلاوته التي تفيض بالخشوع والهدوء، مما جعله أحد الأصوات التي ارتبطت بروحانيات رمضان. شغل الشيخ بن حميد عدة مناصب قيادية، منها رئاسة مجلس الشورى ورئاسة المجلس الأعلى للقضاء وعضوية هيئة كبار العلماء، ورئاسة مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي، كما حصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 2016م، تقديرًا لجهوده وإسهاماته في خدمة الدين. * الشيخ عبد الرحمن السديس: وُلد الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس ونشأ في بيئة علمية محبة للقرآن الكريم، حيث أتمّ حفظه في سن مبكرة، وتلقى تعليمه الشرعي في مدارس المملكة حتى تخرج في كلية الشريعة، ثم حصل على درجات علمية عليا في الفقه وأصوله، وعُيّن إمامًا للحرم المكي عام 1404هـ، ومنذ ذلك الحين ارتبط اسمه بصلاة التراويح والتهجد في المسجد الحرام، حيث صدح بصوته العذب وخشوعه المميز، مما جعل تلاواته مدرسة فريدة في الأداء القرآني، وامتازت قراءته بالهدوء والتؤدة، مع إتقان مخارج الحروف وإيصال المعاني بعمق وتأثر، وهو ما جعل صوته مؤثرًا في قلوب المصلين داخل الحرم وخارجه، حيث تنقل تسجيلاته في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. في ليالي رمضان، يتحول صوته إلى مصدر للسكينة، فيملأ أرجاء المسجد الحرام بخشوعٍ يبعث الطمأنينة في النفوس، ويستحضر روحانية الشهر الفضيل. لطالما ارتبطت صلاة القيام والتهجد بصوته، حيث يجتمع ملايين المسلمين في الحرم المكي ليعيشوا أجواءً إيمانية لا تُنسى، متأملين في معاني آيات الذكر الحكيم بصوت يوقظ القلوب، وإلى جانب إمامته، تولى الشيخ السديس رئاسة شؤون الحرمين الشريفين، حيث كان له دور بارز في الإشراف على تنظيم شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، بما يحقق راحة الزوار والمصلين، ومع مرور السنين ظل صوته حاضرًا في قلوب المسلمين، يذكرهم بأجمل اللحظات الرمضانية التي عاشوها تحت قباب المسجد الحرام، حيث يُرفع النداء بالقرآن، فتخشع القلوب وتفيض العيون بالدموع. * الشيخ سعود الشريم: حفظ الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم القرآن الكريم في سن مبكرة، وتلقى تعليمه في أروقة المعاهد الشرعية حتى تخرج في كلية الشريعة، ثم واصل دراساته العليا في الفقه وأصوله، وفي عام 1412هـ، صدر أمر ملكي بتعيينه إمامًا وخطيبًا للمسجد الحرام، فكان من أبرز الأصوات التي ارتبطت بالحرم المكي لعقود، حيث أُعجب المصلون بقراءته الجهورية التي تجمع بين القوة والخشوع، وأدائه المتقن لأحكام التلاوة، مما جعل صوته علامة مميزة بين أئمة الحرم، وخلال شهر رمضان كان لصوته وقعٌ خاص في ليالي التراويح والتهجد، إذ امتازت قراءته بالوضوح والاتزان، مع إيقاع متناغم يجعل المستمع يعيش مع الآيات بروحانية عميقة. كثيرون تعلقوا بتلاوته في صلاة التراويح، حيث كان لصوته أثر بالغ في قلوب المصلين، خاصة عند تلاوته آيات الوعيد والمواعظ التي يؤدّيها بخشوعٍ يهزّ النفوس، ومع مرور السنوات بقي صوته حاضرًا في ذاكرة المسلمين، كشاهدٍ على سنواتٍ من الخشوع في أروقة المسجد الحرام، حيث امتزجت روعة التلاوة بجلال المكان، ليظل من أعلام الإمامة في الحرم المكي الشريف. * الشيخ ماهر المعيقلي: يُعد الشيخ ماهر بن حمد المعيقلي من الأئمة الذين تميزوا بصوت عذب وأداء متقن لأحكام التلاوة، مما جعله واحدًا من أبرز قراء الحرم المكي في العصر الحديث، نشأ الشيخ في بيئة علمية، وتلقى تعليمه في مجالات الشريعة، ليواصل مسيرته في خدمة كتاب الله، حتى نال شرف إمامة المسجد الحرام، وفي ليالي رمضان كان لصوته حضور مؤثر في صلاة التراويح والتهجد، حيث امتازت قراءته بالسلاسة والخشوع، ما جعلها تلامس القلوب وتبعث الطمأنينة في نفوس المصلين. يحرص الشيخ المعيقلي على الجمع بين الإتقان في التلاوة، والتدبر العميق لمعاني الآيات، مما أضفى على صلاته جوًا روحانيًا مميزًا، خاصة خلال الليالي العشر الأخيرة من رمضان، حيث يكتظ المسجد الحرام بالمصلين الذين ينتظرون صوته بخشوع، وهو أحد الأسماء البارزة في سجل أئمة الحرم المكي، وصوته من أكثر الأصوات المحببة لدى المسلمين حول العالم. * الشيخ ياسر الدوسري: يُعد الشيخ ياسر بن راشد الدوسري من الأصوات المميزة التي أضاءت جنبات الحرم المكي، حيث حمل صوته روحانية خاصة امتزجت بخشوع الأداء وإتقان التلاوة، برز منذ صغره بحفظه المتقن للقرآن الكريم، ليواصل رحلته في علوم الشريعة ويتدرج حتى نال شرف الإمامة في المسجد الحرام، وفي شهر رمضان المبارك، ارتبط اسمه بصلاة التراويح والتهجد، حيث اتسمت قراءته بأسلوب مؤثر يجمع بين الترتيل المتقن والتدبر العميق. كانت صلاته في الليالي العشر الأخيرة من رمضان تجربة روحانية فريدة، إذ كان صوته ينساب بخشوع ليملأ أرجاء الحرم المكي، فيتفاعل معه المصلون الذين يترقبون صوته بخشية وتأمل، وإلى جانب إمامته عرف الدوسري بمسيرته العلمية والدعوية، حيث شارك في العديد من المحاضرات والدروس القرآنية، مسهمًا في تعليم الأجيال وتعزيز الارتباط بكتاب الله. * الشيخ بندر بليلة: يُعد الشيخ بندر بليلة من الأئمة الذين لفتوا الأنظار بتلاوتهم المميزة، حيث يجمع صوته بين الخشوع والقوة، مما يمنح صلاته في الحرم المكي حضورًا روحانيًا خاصًا، ومنذ تعيينه إمامًا للمسجد الحرام، استطاع أن يترك أثرًا في قلوب المصلين، خاصة في شهر رمضان، حيث تتجلى روعة أدائه في صلاة التراويح والتهجد، ويتقن الشيخ بليلة مقامات التلاوة بإحساس عالٍ، فتتدفق آيات القرآن الكريم من صوته بأسلوب يجمع بين التأني والتدبر، ما يجعل المصلين يعيشون تجربة إيمانية خاشعة خلفه، وقد أصبح صوته واحدًا من الأصوات التي يترقبها المسلمون في رمضان، ليكمل بذلك مسيرة أئمة الحرم المكي الذين أضفوا روحانية خاصة على الشهر الفضيل. * الشيخ خالد المهنا: يمتلك الشيخ خالد المهنا صوتًا رخيمًا تميز به في تلاوته، ما جعله من الأئمة الذين يحظون بمحبة واسعة بين المصلين في الحرم المكي، ومنذ تعيينه إمامًا شكلت قراءته إضافة مميزة لصلاة التراويح والتهجد، حيث تتجلى في صوته نبرة تجمع بين الصفاء والهدوء، ما يعمّق الشعور بالخشوع لدى المصلين، وعادةً ما يصدح صوته في رمضان بآيات القرآن الكريم، ليملأ أرجاء الحرم بأجواء إيمانية مميزة، حيث يجد المصلون في قراءته راحة للنفس وانسجامًا روحيًا مع الآيات، وقد استطاع بأسلوبه المتقن وأدائه المؤثر أن يكون أحد الأسماء اللامعة في إمامة الحرم المكي، ليكمل مسيرة أئمته العظام الذين ارتبطت أصواتهم بالروحانيات الرمضانية. * الشيخ أحمد الحذيفي: يُعرف الشيخ أحمد الحذيفي بصوته الهادئ وأسلوبه السلس في التلاوة، ما أكسبه قبولًا واسعًا بين المصلين في المسجد النبوي، وامتازت قراءته بالوضوح والتدبر، فكانت كلماته تتدفق بترتيل خاشع يضفي على الصلوات جوًا من الطمأنينة والروحانية، وفي شهر رمضان زاد تألقه خلال صلاة التراويح، حيث تجلت في تلاوته لمسات إيمانية تلامس القلوب، وتجذب المصلين للاستماع إليه بخشوع. بأسلوبه الهادئ، أضفى الشيخ الحذيفي بصمة مميزة على صلوات الحرم النبوي، ليصبح صوته جزءًا من الأجواء الرمضانية الروحانية التي تتجدد كل عام. تلاوات تبقى في الذاكرة إن التلاوات القرآنية في الحرمين الشريفين خلال شهر رمضان ليست مجرد أصوات، بل هي مشاهد إيمانية تنقش في القلوب، وأوقات تُخلد في الذاكرة، فكل قارئ من هؤلاء الأئمة، سواء القدامى الذين أرسوا قواعد التلاوة في الحرمين، أو المعاصرون الذين حملوا المشعل، قد أسهموا في تشكيل هوية قرآنية فريدة للحرمين الشريفين. لقد صنع أئمة الحرمين الشريفين مدرسةً فريدة في التلاوة، حملت بصماتهم المميزة، وجعلت لكل واحد منهم أسلوبًا محفورًا في ذاكرة المصلين. فمن أصوات الشيوخ الخالدة، وصولًا إلى أصوات المعاصرين التي تجدد العهد مع القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، كلها حلقات متصلة في سجل التلاوة العطرة التي يشهدها الحرمان الشريفان. وتبقى هذه التلاوات شاهدة على تعاقب الأجيال في إمامة الحرمين، في مشهد مهيب يعكس مكانة القرآن الكريم في قلوب المسلمين، ففي رحاب الحرمين؛ لا يزال المصلون يتوافدون، والأصوات تتعالى، والقلوب تخشع، لترسم صورة إيمانية لا تُنسى، حيث يبقى القرآن الكريم هو الصوت الخالد، وتبقى تلاوات أئمته ذكرى محفورة في ذاكرة الزمان.