المقارنة العمياء.

المقارنة مفهوم متجذر في ثقافتنا منذ العصر العباسي، وهي تعني إظهار أوجه الشبه أو الاختلاف بين شيئين. أي أن شرط وجودها هو وجود ذلك الشبه، وبدونه تكون المقارنة في عداد العبث، أو محاولة صيد عنقاء. هذه هي الهاوية الفاغرة التي وقع فيها بعض كتابنا المحليين والعرب. إنها المقارنة بين السارق والمسروق. هذا الكاتب (العبقري) أو ذاك يقارن بين النقيضين: الوجود والعدم، الوجود لإسرائيل والعدم للفلسطينيين. وهنا أريد أن أسأل هؤلاء الكتاب الجهابذة الذين (لا يشق لهم غبار) هل يستطيع أي(علم في رأسه نار) من حضراتكم أن يدلني على وجه شبه واحد بين النقيضين لنقول له: (صح لسانك) ونلحق قوله بالمعلقات. ونضحك على عمنا المتنبي حين قال: (وما انتفاع أخي الدنيا بناظره / إذا استوت عنده الأنوار والظلم) نضك عليه (لأننا قد صبغنا الليل فانتفضت / إلى نزال الضحى ألوانه السود) أريد أن أقف أطول أمام أبراج هؤلاء الكتاب والمغردين وأسأل ترى ماهي القيم التي تؤمنون بها؟ هل تؤمنون بالقيم الأميركية؟ حسنا. هل تعلم كيف تكونت أمريكا؟ إنها تكونت على جثث أصحاب الأرض الأصليين. هل تعرفون الأساس الفلسفي الذي بنيت عليه هذه القيم؟ إنها بنيت على أساس الفلسفة (البراغماتية)التي أسسها تشارلز بيرس وطورها جون ديوي، وهي فلسفة تبرر فعل أي شيء في سبيل الحصول على الربح والفائدة حتى ذبح الأطفال يكون مشروعا إذا أفاد فاعله، فهل أنت ترضى عن يد تمتد وتقتل طفلك؟ إن هذ هو ما يحدث رفضه في فلسطين؛ لذا قال الشهيد الفلسطيني عبد الرحيم محمود: (سأحمل روحي على راحتي / وأهوي بها في مهاوي الردى / فإما حياة تسر الصديق / وإما ممات يغيظ العدى) هل تفهم هذا ــ أيها الكاتب اللوذعي ــ وهل قرأت قوله: (دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد / فخف لفرط فرحته فؤادي( هل قرأته، وحين قرأته هل تحس بتلك الفرحة وهي تملأ الجوانح حتى أن من مسّته يعانق الموت، وهو يضحك؟ كلا لم تصبك تلك العدوى الخضراء؛ لأن القيم الأميركية قد احتلت كتفيك، فلا مكان فيهما للقيم الإيجابية. أين حمرة الخجل، وأنت ترى أحرارا كثرا من اليهود يدينون بربرية إسرائيل، ويرونها معتدية ومحتلة للوطن الفلسطيني؟