الفنانة سحر عناني تستلهم البيئة الحجازية وسط طغيان اللون..
الفن رسالة لتعريف الجيل الجديد بتراثه الغني.

تتميز مسيرة الفنانة التشكيلية سحر عناني بتواجدها ومشاركاتها المتعددة في المعارض والفعاليات الفنية محليًا ودوليًا، حيث أقامت حتى الآن معرضين شخصيين بنجاح كبير في كل من جدة والرياض، كما شاركت في العديد من المعارض الدولية في كل من الإمارات ومصر وبولندا وفرنسا وإسبانيا. تستحضر الفنانة سحر في لوحاتها التراث والحنين للماضي، وأغلب أعمالها تصور ذلك الموروث العابق بألق الذكريات، وعن ذلك قالت في مقابلة مع صحيفة (صدى الحجاز): “أجد متعة في العمل على التراث فأغلب أعمالي من الموروث، فالفن رسالة وهدف، وهدفي المتواضع إطلاع الجيل الجديد على ما كان في السابق، وكما لجيلنا متعة الحنين لما مضى، ومما رأيناه أو من خلال حكايات الأجداد عنه”. سحر محمد أحمد عناني من مواليد جدة، حاصلة على شهادة بكالوريوس علم اجتماع من جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1398هـ، وبدأ لديها حب الفن منذ الطفولة لكنها كانت تحتفظ برسوماتها لنفسها، وكانت كثيرة التأمل في لوحات الفنانين العالميين. وعن بدايتها، قالت الفنانة سحر في لقاء مع صحيفة (نبراس): “منذ طفولتي كان يستهويني التأمل بلوحات فان جوخ، وبكل صدق أحني القبعة للمبدعة أستاذتي القديرة صفية بن زقر والفنانة دوروثي التي أعطتني الأساسيات. كانت صارمة ودقيقة جداً لا يمر من تحت يدها أو توافق على إسكتش أو لوحة إلا إذا كانت فعلاً مقبولة لها 100%. صحيح كنت أتعب معها لكن النتيجة الحمد لله مرضية. بعدها بدأت أول خطواتي على الساحة الفنية بمؤازرة الفنان فهد حجيلان والفنان طه صبان وهشام قنديل من خلال تشجيعهم لي بالمشاركة بأول معرض وهو “لوحة في كل بيت”. وفي ثاني خطوة لي في هذا الطريق، يأتي “شارع الرسامين” في جدة؛ إذ كنت من المؤسسين لهذا الشارع .ويأتي بعدها مباشرة عضويتي في “جدرانية جدة وأيامنا الحلوة” لمؤسسها الأستاذ منصور الزامل، وتحت إشراف الفنان القدير المعطاء ضياء عزيز ضياء الذي أعتبره قدوة. من هنا كانت بدايتي.. وأول لوحة لي هي لوحتين الأولى قبل المرحلة الأكاديمية وكان اسمها “الأمل” واللوحة الأكاديمية هي “الحالمة” ومهما انتجت من بعدهم من لوحات تظل هاتين اللوحتين مميزتين بالنسبة لي”. صقل الموهبة بالتدريب تلقت الفنانة سحر عناني عدة دورات متقدمة في الحفر على الزجاج والرسم بالجرافيت والرصاص والحبر من دارة صفية بن زقر، ودورة كاملة المستويات ألوان الزيت من المركز السعودي، ودورة الخزف والطين في جمعية الثقافة والفنون. وشاركت في العديد من المعارض والفعاليات المحلية أبرزها: معرض “لوحة في كل بيت” الخامس والــ 14 والــ 15 بأتيليه جدة، معرض “فيستا 1000”، معرض “عاصفة الحزم”، معرض “مختارات عربية” الثامن والعاشر في أتيليه جدة، معرض “بيت الفن” 1، معرض الفن التشكيلي في نادي الفروسية، معرض “اسكتش وماكيت” في الصالة العالمية، معرض “حياة اللمسة” في المركز السعودي للفنون التشكيلية، معرض “خبرات فنية متميزة” في صالة تسامي، معرض “رمضانيات” السابع والــ 14 في أتيليه جدة، معرض “عيدية 2” في جمعية الثقافة والفنون، معرض “محراب العلوم”، مسابقة القصبي للفنون التشكيلية الأولى، مهرجانات جدة التاريخية، المعرض الجماعي في بيت التشكيليين، معرض الخزف والطين في جمعية الثقافة والفنون، معرض “سلام فن” الأول بجدة، معرض للفن التشكيلي في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية “كاوست”، مهرجان “شمسك أشرقت” بمهرجان جدة التاريخية، معرض “100 فنان خبرات فنية متميزة” في صالة تسامي جدة، مهرجان “كنا كدا” الثاني، المعرض التكريمي للفنان الراحل فهد الحجيلان في صالة رؤى الفن بجدة، معرض “نوافذ ضوء” بجمعية الثقافة والفنون بجدة. وأقامت الفنانة سحر عناني معرضين شخصيين، الأول حمل اسم “مدن السلطان” في صالة “داما آرت” بجدة عام 2023، والثاني معرض “مكان” في “جاليري تجريد” بالرياض هذا العام. أما مشاركاتها الخارجية فتتضمن مهرجان الفن التشكيلي العربي الثاني في دبي بالإمارات، مهرجان الإبداع للفنون التشكيلية في شرم الشيخ بمصر، المعرض الجماعي في مدينة جانسك في بولندا، المعرض الدولي للفنانين المعاصرين في صالة “بيير آلان” في باريس بفرنسا، بينالي “سارّيا” العاشر في إسبانيا. نالت الفنانة سحر العديد من شهادات الشكر والتقدير، أبرزها تكريمها في معرض “حداثة الخيل” برعاية النادي الفني بجامعة الملك سعود بالرياض، وهي عضو في عدد من الجمعيات المتخصصة، ومنسقة الفنون التشكيلية بجمعية الثقافة والفنون بجدة، وعضو في عدد من لجان تحكيم المسابقات وتقييم المعارض، وقد قدمت ورش عمل في بيت الفنانين التشكيليين، كما ساهمت في إعداد مشروع القبة التراثية في جمعية الثقافة والفنون بجدة، بالإضافة إلى مشاركاتها في الندوات واللقاءات في مجال الفنون التشكيلية، ولها أعمال مقتناة لدى المهتمين بالفنون. وفي آخر أنشطتها الفنية، شاركت عناني في معرض “مختارات عربية” الخامس عشر في أتيليه جدة للفنون الجميلة في أكتوبر الماضي، كما شاركت في المعرض الجماعي التشكيلي (فضاءات ملونة 4) بمعهد الفنون جاليري، وفي المعرض التشكيلي بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني الـ 94 الذي أقيم في فندق إنتركونتننتال بجدة، ومعرض رمضانيات الـ 15 في أتيليه جدة، ومعرض (لوحة في كل بيت) الجماعي الـ 15 بأتيليه جدة عام 2023. فلسفتها الحرفية واشتغالاتها الفنية وبتعبير صادق، أفصحت أ. سحر عناني لـ “اليمامة” عن جمال فلسفتها في أعمالها، قائلة: “الفن إما مهارة في تجسيد الواقع أو مهارة في تجسيد الخيال أو قدرة فائقة في تجسيد المشاعر على سطح منجزنا البصري باشتغال وتعبير متفرد من خلال الشكل واللون والذي هو تعبيرنا الصادق، والذي يجسد لغتنا الباذخة؛ فللأماكن حضور في لوحاتي بفضائها الواسع كالمدن والأحياء بعماراتها وشوارعها وأزقتها وتبدل وتطور وتغير تلك المدن في صيرورة زمنية متتالية تحمل تفصيلات وحكايات ودفء حركي يجدد اشتغالاتي الفنية من الانغماس في الأشكال إلى تدمير ذلك الشكل لصالح اللون مستعيرة تلك الدلالات اللونية وتجنيس اللون كمفردة تتنامى وتتحول إلى مفهوم ثم إلى صورة تخاطب العالم أجمع بلغة عالمية تلامس الإحساس، ولا تنفك عن مرجعيتها الثقافية؛ لتخبر الآخر بتلك المسافات الجمالية المتتالية”. وتضيف: “والذي يجسد علاقتي بالأماكن علاقة حنين وذكريات تستدعي المشاعر وتنمي الإحساس وتكوّن الوجدان وتلامس القلب والروح.. إنها طبوغرافية المكان الساحر ذات الموروث الشعبي والبنائي والجغرافي المتفرد ممتزجةً بذلك الزمن المتسارع نحو تلك الثقافات المختلفة والمتنوعة”. لذا – والحديث لعناني-: “أعمد مراراً لتكثيف الجمال وصناعة الدهشة من خلال التعمق في اللون وأسراره وأثره البالغ في السلوك الإنساني. أعتقد أنه كلما حررنا ذواتنا من الرتابة وانغمسنا في الأدب والفنون واكتشفنا مواطن الإبداع لدينا، كلما استشعرنا نشوة الحياة وجمالها”. نجاح كبير لمعرضها الأول (مدن السلطان) حظي المعرض الشخصي الأول للفنانة سحر عناني بنجاح كبير حيث تلقت إشادات واسعة على تميزها ولوحاتها الفريدة، ومن ذلك ما قالته الدكتورة حنان الحجار في حديثها لصحيفة (المدينة): “في مساء من الخيال حلقت بنا الفنانة سحر عناني عبر تاريخ البنفسج، بعد أن تعالى دلاله الروحي فتفوق على باقي الألوان، انسجام لوني استفزني اللون، للغوص في خفاياه بعمق المعنى وسيادة المضمون، لكل لوحة قصة تم نسج ألوانها من كواليس الحكايا العتيقة استقلت كل لوحة بنوتة بنغم خاص، يرتفع “التون” فيها وينخفض بقدر سريان صوت اللون كجدول ماء، أنصت إلى الصوت الآتي من خلف نقاط الضوء بلون البرتقال وروح التوت، ليمضي مؤذنًا بدخول غير مسبوق، يسمح للمتلقي بالحضور بسكون داخل القصور، فيما يتسلق الأخضر الجدار، ليتمكن من استكمال الحلم، الألوان في اللوحة تعج بالغموض السابق لمرحلة البناء، انسيابية رافقت فرشاة الفنانة فبدت تنسج مدنها على وسادة من حرير، فيما يختبئ تحت هذا السكون نغم يخترق صمت الحكايا التي تتردد فوق موجات لون البنفسج المزرق، بطاقته العالية ليطفو مخاطبًا المحتوى الأعمق، ويجمع بين الحكمة والقوَّة تواضع سمح للونين بالانصهار ليكونّ “معزوفة لونية “يتردد صداها في المكان يعلو ليتفوق على السطور المكتوبة، يحفز الخيال للغوص في الأعماق ليترك أثرًا وحسَّاً إبداعيًا يتردد حتى بعد أن تغادر المكان”. معرض مكان.. سطوة اللون عن تجربتها في معرض “مكان” وهو معرضها الشخصي الثاني الذي أقيم في الرياض، قالت سحر في حديث لصحيفة (الجزيرة): “يحلّق بي المُتخيّل البصري والتكون الفني عاليًا متآزرًا مع الذات المفارقة، في حالة سريالية تستحضر مفهوم الزمكان بلون فيروزي يتداخل مع إضاءات وانحناءات تلك النوافذ والأبواب المطلة نحو مستقبل واعد، ويحيل ذاتي للاستقلال والهدوء والسلام والتحرر من سطوة دلالات اللون الأزرق والأخضر إلى دلالات جديدة تستحضر تلك المشهديات الهاربة من الذاكرة إلى حنين متجدد يفيض بكامل مشاعره وإحساسه”. تميزت الأعمال المعروضة في هذا المعرض بالأسلوب التجريدي البسيط وطغيان اللون الأزرق على غالبية اللوحات التي حملت معها ذكريات الأبنية القديمة والتراث والزخارف، في طابع زاهٍ مميز شكل رونقًا فريدًا من تمازج الزمان مع المكان، وعكس الطابع الحجازي والهوية السعودية في لوحاتها التي بلغت 30 لوحة أغلبها بالألوان الزيتية. وقالت عناني في تصريح لها لصحيفة (الشرق الأوسط) عن سر تميز لوحاتها وطغيان اللون عليها: “إنه ذلك السر الخفي الذي يسكن فؤادي، وهو الصوت الجهوري وهمس الروح الذي يسكن روحي ويتسامى بمفهوم المكان إلى مفاهيم عليا تنقلني زمانيًا من جمال المبنى إلى جمال المعنى. تم تحطيم الشكل لصالح اللون كي أحلل تلك المشاعر الفياضة لدلالات سيكولوجية وانفعالية تخاطب العالم أجمع”. وعن أعمال الفنانة سحر عناني، قال الكاتب والروائي السعودي عبده خال في صحيفة (الرياض): “يجتاحني اللون الأزرق، ويدفع بي لاستذكار بداية الخليقة، حين كان الأزرق يؤثث لصياغة الكون بتفاصيله المترعة بالجمال، والفنانة سحر عناني، سكنت ذلك اللون كي تجدل المكان، والزمن في ضفيرة الظل والضوء، لتجسيد نفسها كشخصية آمرة للون بكن ليكون، من أعماقها تنبعث اللوحة بزمانها ومكانها اللا مرئي، فما نراه ما هو إلا حضور وجود تلك الأشياء من خلال سحر ذاتها، الخالقة من الأزرق تموجات بقية الألوان إذ أن لها مقدرة في جعل تموجات اللون منتجًا لبقية الألوان، فتصبح اللوحة حوارًا داخليًا بين المرئي والمشاهد.. ولذا تنبه فمهما كانت اللوحة محتفلة بلون آخر، فإن حقيقتها ما هو إلا ركض حثيث نحو الأزرق.. الأزرق، وفي هذا استعادة للخليقة الأولى”.