
شاهدت وغيري المقابلة التلفزيونية التي جرت مع الأستاذ عبدالله جمعة الدوسري رئيس شركة (أرامكو) السابق. والمقطع الذي اقتطع من المقابلة والخاص بالمقال المطالب بتعليم البنات والذي تسبب كما يذكر الجهيمان وغيره بإيقاف الجريدة وسجن رئيس تحريرها. أحببت أن أعقب على ما ذكر لما سمعته من الأستاذ عبدالكريم الجهيمان رحمه الله ومن غيره. والجريدة بأعدادها الأربعة والأربعين التي صدرت بالدمام من عام 1374هـ إلى عام 1376هـ والتي سميت بجريدة الظهران ثم تحولت إلى أخبار الظهران من العدد السابق رأس تحريرها في بدايتها الأستاذ عبدالله الملحوق ومن العدد الثامن عشر الصادر بتاريخ 1 ربيع الأول 1375هـ تشرين الأول 1955م أصبح الجهيمان رئيساً للتحرير بعد أن كان مديراً لها، وأصبح سعود العيسي سكرتيراً للتحرير. ومن العدد الثلاثين الصادر بتاريخ 19 صفر 1376هـ الموافق 25 سبتمبر 1956م تنتهي علاقة سكرتير التحرير، ويصبح الجهيمان مدير الجريدة ورئيس تحريرها، سبق أن نشر في العدد الرابع والعشرين مقالاً في زاوية في شؤوننا 13 نصفنا الآخر.. بقلم الدمام- م البصير، يطالب فيه بتعليم البنات وكان ذلك بتاريخ 1/6/1375هـ 15/1/1956م وتتوقف الجريدة عن الصدور بعد العدد التاسع والعشرين الصادر بتاريخ 5 رجب 1375هـ الموافق 17 فبراير 1956م، ولمدة سبعة أشهر ونصف لتصدر تحمل رقم ثلاثين بتاريخ 19 صفر سنة 1376هـ الموافق 25 سبتمبر 1956م وتنشر في صفحتها الرابعة والأخيرة «شكر واعتذار، توقفت هذه الصحيفة عن الصدور مدة كنا نظن أنها لن تطول. وقد تلقينا من قرائنا الأعزاء رسائل متعددة يأسفون فيها على توقف صحيفتهم ويحثون القائمين على إعادة إصدارها وكان يحز بخواطرنا من الأمل على توقفها أكثر مما يحز بخواطرهم، ولكن الأمور مرهونة بأوقاتها، وها نحن نعود إلى إصدار صحيفتهم المحببة، راجين أن يجدوا فيها ما يزيل ما بنفوسهم من عتب وما يحقق ما يصبون إليه من آمال.. التحرير». وفي العدد التالي 31 نجد الجريدة تنشر في الزاوية نفسها في شؤوننا 21 لا تهيب.. ولا أوهام..! بقلم ابن أحمد يؤيد فيها ما ورد بمقال البصير في العدد الثلاثين. اكتب هذا وأمامي أعداد الصحيفة الأربعة والأربعين التي صدرت وقت الجهيمان، وكانت علاقتي بالجهيمان قد توثقت، وممن دعاه إلى كتابة سيرته أو مذكراته والتي نشرها عام 1415هـ 1995م (مذكرات.. وذكريات من حياتي) والتي ورد في صفحاتها 178-182 الدعوة لتعليم البنات والتي قال إنه تلقى مقالاً بتوقيع محمد بن عبدالله ووجد المقال معتدلاً «.. أنه يدعو إلى تعليم الفتيات كما يتعلم الصبيان.. وعندما قرأه المسؤولون استغربوا نشره واستغربوا هذه الدعوة الجديدة لتعليم الفتاة..» إلى أن قال إنه حقق معه، وتحمل مسؤوليته، ولاموه على عدم عرضه على الرقابة [والرقابة وقتها رئيس محكمة الظهران الشرعية، هو الذي يجيز أو يمنع النشر]، «.. وقالوا إن الدعوة إلى تعليم الفتيات أمر سابق لأوانه الذي تخطط له الحكومة ولهذا فأن نشره فيه تسرع يؤاخذه عليه..!!» فتم قفل الجريدة وإيقاف رئيس تحريرها.. لمدة 21 يوماً، «وهكذا حصل فلم أشعر ذات يوم إلا بالجندي يفتح لي الباب فجأة.. ويقول لي خذ فراشك واذهب إلى أهلك.. هكذا بلا سؤال ولا جواب ولا تأنيب ولا عتاب». بعد الإفراج عنه عاد للرياض والتحق بوزارة المعارف مديراً للتفتيش وانضم إلى صديقه الأستاذ حمد الجاسر للكتابة بجريدته اليمامة، فنجده ينشر المقال نفسه (نصفنا الآخر) أو قريباً منه في العدد 125 وتاريخ 21/11/1377هـ وبالعنوان السابق. ونجد المقال يتصدر كتابه (اين الطريق؟) والذي صدر عام 1381هـ وهو يضم مقالاته التي نشرها بصحيفة اليمامة في الأعوام 77-78-1379هـ. سألت الجهيمان بعد هذا هل لا زلت تقول إن سبب إيقاف صدور الجريدة هذا المقال؟ قال نعم. قلت إن الجريدة استمرت بالصدور بعد المقال من العدد الرابع والعشرين إلى العدد التاسع والعشرين ثم توقفت لأكثر من سبعة أشهر. وبعد عودتها للصدور نجد مقال (لا تهيب. ولا أوهام) في العدد الحادي والثلاثون بقلم ابن أحمد، يؤيد المقال السابق للبصير ويختتمه بقوله: «فأنني أتوجه مع الأخ البصير إلى سمو وزير المعارف بالرجاء الحار لدرس هذه الناحية الهامة ناحية تعليم الفتيات.. والبدء فيها بخطوات متزنة.. وأخيراً أشكر للأخ م. البصير إذ حبب إلي الولوج في هذا الموضوع، وأنا لا بنت لي ولا ولد، وأعده أن ألتقي معه مرة أخرى..». وعندما ألححت عليه ليتذكر أسباب توقيف الجريدة.. إذ كيف توقف الجريدة لسبعة أشهر بعد صدور عدة أعداد وبعد عودتها تنشر مقال ابن أحمد ليؤيد المقال السابق؟ وبعد ذلك اعتذر لتبخر ذاكرته ونسيانه بعد بلوغه التسعين من عمره. وبعد سنوات تجري الصحفية أسماء العبودي مقابلة مع إسحاق الشيخ يعقوب بجريدة الحياة ليقول ضمن ذكرياته إن سبب إيقاف أخبار الظهران نشرها المقال (الاستعمار وليد الاستثمار والرأسمالية) لمن سمى اسمه محمد خلف الأنصاري، الخبر. وهو اسم مستعار. عدت للجريدة فوجدت المقال بالعدد الثالث والأربعين الصادر بتاريخ 16 رمضان 1376هـ 16 ابريل 1957م. وهو يستعرض أساليب الاستعمار الغربي وافتعاله الحروب ومنافسة الدول الرأسمالية حول المستعمرات، «.. وهكذا شبت الحروب الاستعمارية العالمية التي آخرها الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة المانيا والقضاء على كل أطماعها، وكان من نتائج هزيمتها تقسيمها إلى قطاعات تحتل كل قطاع فيها إحدى الدول الكبرى التي شاركت في الهزيمة وهي إنجلترا وفرنسا وأمريكا والاتحاد السوفيتي..». واختتم مقاله بالإشارة إلى الاتحاد السوفيتي، وقال: «.. وعلى ذلك فإن دول أوروبا الشرقية لا تتبع أي دولة أخرى، والاتحاد السوفيتي لا يستثمر هذه الدول لأن هذا يتنافى مع طبيعة نظامه الاقتصادي..». وهكذا وبصدور العدد التالي الرابع والأربعين بتاريخ 29 رمضان 1376هـ الموافق 29 ابريل 1957م تتوقف أخبار الظهران لأربع سنوات- لتعود بعدها برئيس تحرير جديد هو الأستاذ عبدالعزيز العيسى. وقد اختتم العدد 44 بـ (أخبار الظهران تدخل عامها الثالث) «بهذا العدد تنهي أخبار الظهران عامها الثاني من الكفاح والجهاد في سبيل مليكنا وبلادنا ومواطنينا وتستعد في العدد القادم لاستقبال عام جديد من عمرها المديد أن شاء الله». واختتم المقال بالإشادة بدور القارئ وتشجيعه ومؤازرته، ثم التهنئة بعيد الفطر المبارك. وفي الختام لعلي أشكر الأستاذ عبدالله جمعة على التذكير بهذه المناسبة التي مضى عليها ثلاثة وسبعون عاماً، وهي ما عاناه روادنا في مشاق عند مطالباتهم وكفاحهم من أجل المضي نحو المستقبل متسلحاً بالعلم والمعرفة. ولعلي بالمناسبة أذكر بعد الترحم على أرواح من رحل منهم وأخص أساتذتنا الجهيمان. وجبر جمعة الدوسري الذي زرته بمنزله بالخبر ضحى يوم الثلاثاء 13/3/1422هـ وسجلت معه مقابلة ضمن برنامج التاريخ الشفوي لمكتبة الملك فهد الوطنية، وعلى مدى أربع ساعات تحدث عن سيرته والمحطات المهمة في حياته من الطفولة والتعليم، وهجرة الدواسر إلى البحرين والعودة للمملكة، وبدايات تأسيس الدمام والخبر، العمل بأرامكو، واهتمامه بالفلك والموسيقى والشعر وابتعاثه لأمريكا وغيرها. وكانت زيارتي للمنطقة الشرقية مرافقاً لأستاذنا الجهيمان الذي دعاه الأستاذ صالح أبو حنية مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام لتكريمه بمناسبة اختياره في العام الماضي الشخصية المكرمة بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة والاحتفاء به رائداً للصحافة بالمنطقة وكان تكريمه بحفلات خطابية في الجمعية، وفي إحدى مزارع القطيف احتفى به إعلامها وعدوا مآثره وذكرياتهم معه أثناء صدور أخبار الظهران والذي احتفى به الأستاذان حمد المبارك وفوزان الحمين في منازلهم. أكرر شكري وتقديري للأستاذ المهندس عبدالله جمعة ولعله عندما ذكر مقال شقيقه جبر هو المقال الأخير بتوقيع ابن أحمد- الخبر. أما المقال الأول فهو بلا شك للجهيمان- فقد كان أسلافنا يلجؤون إلى الأسماء المستعارة عند ذكرهم لمواضيع قد يلامون عليها. رحمهم الله.