المرأة.. نبض التغيير.

ليست المرأة نصف المجتمع فحسب، بل هي القلب النابض، والشريك الأساسي في بناء الأسر والقادرة على تربية الأجيال. لاسيما وأنها تُسْهِم بجهود عظيمة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد أثبتت “المرأة” عبر التاريخ أنها قادرةٌ على تحمل المسؤوليات الجسام، سواء في الأوقات العادية أو حين الأزمات، حيث كانت دائمًا في الصفوف الأمامية لمواجهة التحديات. منذ فجر التاريخ، كانت “المرأة” شقيقة الرجل، وشريكة له في الزراعة، ورعي الماشية، ومع كل ذلك، واجهت تمييزًا مجحفًا بَخَسَ حقوقها في العديد من المجتمعات. وقد عانت النساء عبر العصور الخوالي من الاضطهاد والاستعباد، بل سُلِبْنَ حق اختيار شريك حياتهن أو الموافقة عليه - على أقل تقدير - ففي بعض المجتمعات، كانت “المرأة” تُجْبَرْ على الزواج المبكر، وتُحْرَم من الميراث، كما واجهت قيودًا اجتماعية وقانونية جعلت من الصعب عليها ممارسة دورها الكامل في المجتمع. وكانت نظرة المجتمعات إلى المرأة تتراوح بين التقدير والاضطهاد، حسب الثقافة السائدة. فبعض الحضارات أعطت المرأة مكانة قوية مثل “مصر القديمة” و “إسبرطة” بينما كانت في أماكن أخرى تعامل كممتلكات شخصية مثل “اليونان القديمة” وقد استمرت معاناة المرأة في القرون الوسطى، فقد كانت تواجه تهميشًا قاسيًا، لكن مع ظهور حركات التحرر في القرن العشرين، بدأت “المرأة” في انتزاع حقوقها شيئًا فشيئًا. واستطاعت بعض النساء تفكيك هذه القيود، وكان لهن دور حاسم في تحقيق التغيير. ومع سطوع شمس الحضارة، زاد الوعي بأهمية دور “المرأة” وأصبح النضال من أجل حقوقها جزءً من الحركات الاجتماعية الكبرى في العالم، فبدأ دور المرأة يتغير حتى وصل إلى ما نراه اليوم من محاولات لتحقيق المساواة بين الجنسين. ففي العصر الحديث برزت شخصيات نسائية تركن بصمات واضحة في مسيرة الكفاح من أجل حقوق المرأة. من بين أولاء الماجدات “روزا باركس 1913م - 2005م” أيقونة النضال ضد التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية، التي رفضت التخلي عن مقعدها في حافلة نقل عام، لصالح البِيْض، مما أشعل فتيل حركة الحقوق المدنية هناك في عام 1955م. ومن “العالم العربي” رائدة الحركة النسوية المصرية “هدى شعراوي 1879م. -1947م.” التي قادت حركةً باسلة لتمكين المرأة المصرية سياسيًا واجتماعيًا. ومن العالم الإسلامي الناشطة الباكستانية “ملالا يوسفزي” المولودة في عام 1997م. التي ناضلت في مواجهة “حركة طالبان” الأصولية، من أجل حق الفتيات في التعليم. والتي أصبحت أصغر حائزة على “جائزة نوبل للسلام” هذا ورغم الانتصارات التي أحرزتها المرأة في العديد من المجالات، لا تزال التحديات قائمة، حيث تعاني النساء في بعض مناطق العالم من تمييز ملموس في سوق العمل، وفجوات واضحة في الأجور. كما أن نسبة تمثيل المرأة في المناصب القيادية لا تزال دون المستوى المنشود. ومع ذلك، لا يمكن إنكار الإنجازات البارزة التي حققتها النساء في مجالات متنوعة، في العلوم والطب والسياسة والاقتصاد، وأصبحت المرأة اليوم أكثر قدرة على التعبير عن نفسها، والمطالبة بحقوقها، وتحقيق إنجازات غير مسبوقة لتحقيق مستقبل أكثر إنصافًا. يُعَد “إعلان ومنهاج عمل بكين” لعام 1995م. أحد أهم الوثائق الدولية التي عززت حقوق المرأة عالميًا، حيث قدم خارطة طريق لتحقيق المساواة بين الجنسين، وركز على قضايا عدة، أبرزها الحماية القانونية، وتمكين المرأة اقتصاديًا، وإشراكها في العملية السياسية. في اليوم الثامن من شهر مارس من كل عام، يحتفل العالم بـ “اليوم الدولي للمرأة” وهذه مناسبة سنوية تعزز الوعي بحقوق المرأة، وتبرز إنجازاتها العظيمة، وتعلن الاعتراف بدورها المحوري في جميع مجالات الحياة. إن هذا “اليوم” ليس مجرد مناسبة احتفالية تردد فيها الشعارات الجوفاء، بل هو دعوة للعمل الجاد من أجل ترسيخ قواعد العدالة وقِيَم المساواة بين الجنسين، خاصة في ظل التحديات المستمرة التي تواجهها النساء والفتيات حول العالم. كما يمثل فرصة لمراجعة التقدم المُحْرَز، وتسليط الضوء على القضايا التي لا تزال تعيق المرأة، وتجديد العهد بمواصلة النضال من أجل عالم أكثر عدلًا وإنصافًا. معًا، يمكننا أن نصنع مستقبلًا لا تُترك فيه أي امرأة أو فتاة منزويةً في مكان هامشي خلف الركب، بل تكون شريكًا أساسيًا في التنمية والتغيير.