الحب و الحياة .

تتأمل الطرقات من شرفة منزلها في ليلٍ بارد و فارغ و ثقيل، لا شيء يوحي بقرب نهايته و كأن العمر كلّه سيتوقف هنا، ترفع رأسها إلى السماء بلحظة خاطفة يمر على ذاكرتها كل شيء و اللا شيء معًا، تتنهد.. تعود إلى الواقع على صوت ( أم كلثوم ) يصدح من خلفها: “ أنت لو حبيت يومين كان هواك خلاك ملاك”. تتبسم، و تجلس على الكرسي، ترفع كأس الشاي الذي بَرَد وهو يحن لإلتقاطتها. تسند رأسها على ظهر الكرسي و بين يديها كأس الشاي، و تغرق في تأمل: إلى أي المدى للحب سطوة على التغير؟ و هل بالضرورة على هذا التغير أن يكون ( تهذيباً )؟ إذن هل للحب أثر على الأخلاق؟ هل هذا الأثر سلبي أم إيجابي؟ أظنه موضوعّا يستحق البحث و الدراسة! قد يجبر الحب شخصًا على أن يكون أكثر قلقًا أو غضبًا أو حزنًا، ربما مدفوعًا بالحنين أو الخيبة أو عدم اليقين، ولا أظن أن تلك نتيجة ( إيجابية )حُسمت فرضيات الدراسة دون بحث أو تقصٍ . ثم يرد صوت في نفسها عليها: تلك عواطف! قد نكتشفها من خلال الحب و قد نتعرف عليها قبله أو بعده! و قد تخدمنا و قد تستخدم ضدنا و ما يحصننا من الخيار الثاني هو مدى وَعينا في حقيقة و طبيعة مشاعرنا ومدى فهمنا لدور الآخر و حدوده و مدى تقبلنا لطبيعته و حقيقته! ربما بإمكاننا القول بإن الحب بوابة نمو شخصي، و نافذة للحياة. و متى تسبب المأساة العاطفية شرخاً في الشخصية و متى يصدر هذا الجُرح جوهرا؟ هل يعود لطبيعة الشخصية أم مستوى الخبرات أم أسلوب التربية؟ أم دور الطرف المقابل أم مكانته و مستوى التوقعات؟ متى نرتقي بالجرح لعوالم أبعد من أبصارنا و أسمى و متى يسقطنا في قاع التأنيب و الأسى؟ لا أعلم. لكني أعرف يقينًا أن الحب هو لبُ الخلق الحميد، والقادر على الحُب قادر على العطاء و الصفح و الضحك و رؤية الجمال.. ماذا تريد أكثر من مُحب لتحيا الحياة؟ و كيف تصبح لذاتك ذلك المحب! إن وقعت في الحب مرة فلن يخرج منك أبدًا، فما أعرفه أن غياب المحبوب لا يعني تهدمّ الحب.. و إن القلب الذي عرف الحب على حقيقته لن يخافه و إن لُسع منه... و أن من حمل الحب بصدره يومًا لن يقدر على لفظه أبدًا، سوف يتسع لحب الذات و الشجر و السماء و الله في السماء، و في صدورنا و أقوالنا و كل ما يصادفنا من رحمة تصور حُب الله لنا، من حنانه المحيط بنا.. الجمال الذي أودعه من حولنا، عطاياه التي لا تنفد رغم تقصيرنا، صفحه و عفوه رغم تخبطنا و ضعفنا، فيكبر الحب في نفسك كل لحظة و كل يوم لكل فرصة ( حياة ) لكل معنى خيّر، لكل لحظة احسان أو تأمل.. الحب قربةً إلى الله إن إتسع.