دَرْبان الدَّرْبانِي

جوّابُ آفاقٍ على عُبْرِ أسفارٍ يسمِّيها (مَبْرُوكَهْ) التي لم يرض لها عنوانا -وإن كان أغلى ثمنا منها- إلا (س ر ع ١). إنه سيد الطرق، الفارس المقبل المدبر معا: (دَرْبان الدَّرْبانِي)، الذي إذا انطلق انطلاق السَّهْم لا يكاد يعوقه شيء عن سيره الخاطف حتى يبلغ الرَّمِيَّة: لا عَوَرُ مصابيحَ أو عماها؛ فهو يسير دائما في موكب من بوارِق (ساهر). لا عارضٌ يفجأ؛ فهو يكاد يَنْفُذُ من سم. لا منعطفاتٌ خطرةٌ ولا تقاطعاتٌ؛ فيداه دوما متقاطعتان، وهو يعرف كيف يتجاوز المانع ولو سدَّ ذي القرنين أو سورَ الصِّين العظيم. في يوم نظامه وهو كبيضة الدّيك: يهبط مؤشّر سرعته قريبًا من المئة عند بعض (المطبّات)، ويتوقّف لمدة عشر ثوانٍ كاملةٍ عند بعض الإشارات. في يوم سعْدِه هذا: ينبض مصباحه الخلفي الجانبي الأيمن؛ ليتّجه اتجاه قلبه ويدع العقول خلفه حيارى!! ويتوسط المسارات التي لطالما راوغ فيها. ويتوقفّ في وسط الطّريق المنعطف إليه،وهو الذي كان ينعطف دون تمهُّل أو التفات؛ كأنه الشنفرى برقبة (عرفاء جيأل)!! ومهما قيل فيه فهو يعدِّل المثلّثات المقلوبة، ويجدِّد إيمان المسلمين كلما لمع شهابه. انتهى. الشخصية الافتراضية سيسجل التاريخ أن ابن هذا الزمن يعيش بشخصيتين، الأخرى منهما لها كينونتها وحكمها الذاتي في عالم افتراضي لا يُدخل من بواباته السحرية (وهي مواقع التواصل الاجتماعي) إلا حبوا بأصابع الأيدي على الشاشات! وما جذب الناس إلى هذه المواقع الحرية المطلقة التي كانت تكفلها بادئ الأمر؛ فدخلوها بأسماء مستعارة، يرسمون شخصياتهم ويلوّنونها كما يشاؤون، ويسيئون بها وكأنهم من أهل بدر، ويحسنون فيعُمّ إحسانهم. وأصبح لكل منهم إمارة على موقع افتراضي وإن لم يكن له مفحص قطاة في وزارة الإسكان. وهكذا وجد فيها الناس بديلا مثاليا عن الواقع؛ فانصرفوا إليها وبذلوا فيها أكثر أوقاتهم. ولكن مع تسرب الأشرار إليها واستغلالهم جو الحرية فيها أصبحت خطرا أمنيا يجب معالجته وإحلال النظام في أبعادها كافة؛ فكانت التحديثات كل سنة تنتقص من مميزات الحرية على حساب الشعارات التي تطمئن المستخدم بأن بياناته في خبء الشيفرات الجينية لمالك الشركة! وبما أن الإجراءات ستصبح أشد فيما يتعلق بالهوية والتحقق منها، والاطلاع على البيانات سيصير شرطا أساسيا لتقديم الخدمة،والتسريبات والاختراقات التي تبدد الخصوصية لن تتوقف - ستردم الهُوَّة بين عالمنا وذلك العالم شيئا فشيئا؛ حتى لا فضل لافتراضي على واقعي بشيء؛ ويؤول الأمر إلى أن يعود الناس إلى واقعهم بالسلاسل، وستموت كثير من الشخصيات الافتراضية لكن أعمالها ستدون في صحيفة من حرك عرائسها.