الشاعر محمد أبو عبدالله :

أنا لا أصنع التجربة لكنني أعيشها.

الشاعر محمد أبو عبد الله … يكتبُ قصيدته بعدسةٍ مكبرة كي يرى واقعا آخر غير الذي نعيشه، ولكنه كثيرا ما يُغمِضُ عينيه من نفسه و ليس عنها حيثُ يُراهن على الأشياء القادمة كلما ابتعدت و على الآتي الذي لا يقترب إلا من خلال دائرة اللغة التي يُطلق سهام معناه في حالةِ توتر دائم؛ و هكذا نمرُّ معه في ديوانه (نبوءة و هواجس غفران) مع أن انفتاحنا على وعيه الشعري هو دخول حقيقي على فضاءاته النصية خارج النص ، و محاولة غير أكيدة في محاورة رجل يؤمن بحوارات الهامش بمقدار عمقه و بمدى استدراجه لنا في التوغل بأبعاده سواء عبر السؤال أو استفهامات خفية يفهمها هو ليُجيبنا بكل دهاءٍ ؛ فتريثوا قليلا مع أبو محمد عبد الله : * الشعر حقيبة التذكارات غير المرئية. هكذا يقول كارل ساندبرغ؛ أنت ماذا تقول ؟ الشعر هو لحظةٌ تكرر نفسها وتهرب منك مرارًا، لحظةٌ تريدك أن تصطادها بالرصاصة الوحيدة التي تملكها غير مكترث إن كان الوقت هو الوقت أم لا. في رأيي حين تجدك التجربة - أي تجربة - لن تستطيع تجاوزها إلا أن تفتح لها  في وجدانك ما يخلد أصالتها، والحب فيه من العفة والطهارة ما يكفي عن ما يمكن أن يكون بعده، بل ربما أن الشعر يخاف على هذا الحب فيحميه مما قد يشوه طهره ودفأه، أو ربما حتى يهدد بقاءه  * يغيب المكان والحنين في قصائدك، وتحضر الحبيبة/ القصيدة كوله على شكل حام؛ هل تهرب من الحقيقة لعالم الأحلام من اجل ان يمر الوقت؟ أنا لا أصنع التجربة لكنني أعيشها، وربما أورط نفسي بها، وكل قصائدي هي تجارب مرت مني، وهذه المجموعة عبارة عن تجربة زمنية كانت مليئة بمجريات فتحت لنفسها حضورًا شاسعًا في كل النصوص تقريبًا. وأعتقد أنه رغم حضور كثير من الحنين وتزاحم زوايا المكان على قلبي إلا أن أحداث هذه الفترة كانت أقوى وأكثر حدة.  * ما سر عدد السنوات في شعرك، سبع نقلات/سنينها التسع/ الثلاثون/؛ كأنك و الوقت في حرب ضروس، لماذا لا تعيش وتدع الساعة تدق وقلبك يسعى؟! العمر باغت أحلامي كأن بهِ وجهاً تشتت بين الهم والفرجِ والرحلة الآن لا يغني تحايُلها على السنينِ نوايا أي منعرجِ الوقت كائن خصم، هو أيضًا رفيق الدرب!، مهما ادعيت فهمك له ستظل مقتنعًا أنك تحبه وتهابه في ذات الحدث، هذه العلاقة بين الشاعر والوقت لا بد أن تبقى متحركةً هكذا حتى يجد الشاعر ما يقدح نشوة الشاعرية عنده، لا بد أن يهادنه في حربه معه، ويباغته أثناء هذه الهدنة  * (وحدي افتش في عن نفسي/ وافتحني على المجهول/ لم اعرف بأن الشك معجزة اليقين/ وانني لغز تكشف في مفاهيم الحياة) ؛ مالصعب الذي يحيرك فيك وإلى اين تأخذك خطى الشعر؟! هذا النص ولد بعد معاناة النتيجة من السبب، أتعلم كيف يتملكك شعور أنك الآن صنعة نفسك وأنك تتقدم بخطىً جيدة وتعلم أنك نسختك الآن هي أفضل نسخة عن نفسك التي كنت تريدها، لكنك مع هذا دائمًا تشتاق لنسختك القديمة التي هي ليست صنعتك أصلا؟ أليس هذا لطيفًا ومرعبًا في نفس الوقت؟!  * هل سبق وخنت نفسك، وكيف ينبغي لك الحياة دون خيانة؟! خنتُ نفسي كثيرًا، الشاعر عادة يكون على معبر رفيع جدًا بين ما يريده هو من نفسه، وما يريده الواقع منه، ربما من الخارج يبدو الاختيار سهلا جدًا، أليس كذلك؟! لكن من الداخل ستعرف أن توصيف الألم من هذه الحيرة صعب جدًا إن لم يكن مستحيلا، يكفي أن أسألك كيف تشعر حين يقدم لك الخيار الذي لا تريده ما تريده تمامًا؟! خنت نفسي كثيرًا .. وقررت كثيرًا أن أتوقف، لأن النتيجة وإن كانت أقل بهرجة من أختها إلا أنها تملؤك بذاتك وتطهرك من شعور تمقته ربما في المستقبل. الحياة دون خيانة؟ حسبنا التاريخ * الجرس الموسيقي في شعرك حاضر وبقوة مثل إيقاع الفلاح في ارضه؛ متى سيتسنى لك خلق موسيقاك الملونة؟! أتعلم يا أبا فدوى أنك لست أول من يخبرني بذلك! ولست أول من يسألني هذا السؤال؟ صحيح أنني مأخوذ بالموسيقى لكنني لست مترددًا في خوض مغامرة مختلفة، المشكلة عندي هي أنني ما زلت أراني غير قريب من هذا النوع من التجارب لأحصل على الجودة المقبولة، لي محاولات أكيد، وهي غير متعمدة أبشرك، حتى أن في بعضها خروجًا واضحًا عن الموسيقى ناهيك عن مجرد تلوين الموسيقى، لكن التجربة تحتاج أن تختمر لكي يثق قلبي بها، وأسند روحي عليها * (وماهمني ان اجرب قبل الوصول لعينيك عشرين موتا/ وما خفت ان يستغل الضياع طريقي لأني احبك../ اكثر من اي حب/ ولا يخطئ القلب / حين يحب!!) ؛ هل سبق وجربت موتا يا محمد؟!! كل نص بالنسبة لي هو موت جزئي مُلِح، وكأنه موت بالتقسيط، موت مؤجل، أنت في كل نص تحكم على جزء منك أن يغادرك ربما للأبد، تخرج منتشيًا بعد النص هذا صحيح! لكنك تترك شيئًا كبيرًا منك في عالم لا تعرفه، وهذا الموت أصعب من الموت دفعة واحدة.