ناقد سرقه الإعلام

ليس كتاب “أصوات: في الأدب والفكر والاجتماع” للأديب والإعلامي المعروف محمد رضا نصر الله كتاب سيرة أو مذكرات أو نقد أدبي أو مقالات أو سجالات، وهو ذلك كله في آن معًا. هذا هو الانطباع المجمل الذي خرجت به من قراءتي لهذا الكتاب الممتع. يضم الكتاب الذي قدم له د.نزار عبيد مدني، وزير الدولة للشؤون الخارجية السابق، مجموعة كبيرة من المقالات التي كان الكاتب ينشرها في زاويته الشهيرة التي استمرت طويلا في جريدة الرياض. ولكن محتويات الكتاب لا تقتصر على تلك المقالات كما سيتبين لنا من تقدمنا في قراءة مقالات الكتاب التي اتضح أن بعضها كانت محاضرات أو دراسات نقدية، مثل مقالته التي حملت عنوان “قراءة أولى في شعر أبي البحر الخطي” التي تكشف النقاب عن ناقد أدبي متمكن من أدواته وملم بموضوعه، وعارف بأساليب النقد ومدارسه. وقد كان من الممكن لذلك الناقد أن يثري المشهد النقدي المحلي لو لم تخطفه أضواء الإعلام والصحافة من الانصراف إلى النقد الأدبي ودراسة النصوص الأدبية. نطالع في صفحات الكتاب أيضًا ما يدخل في باب السجالات الثقافية والنقدية التي ترتفع نبرتها وحدتها أحيانًا بين الكاتب وبين بعض أعلام المثقفين العرب والسعوديين، مما ضمن بعضه في الكتاب، موردًا بعض مقالات من ساجلهم وخاض معهم في حلبة الأفكار المتصارعة، من أمثال عبدالوهاب المسيري وسميح القاسم محمد حسين زيدان وأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري. يعج الكتاب كما هو متوقع من كاتب وإعلامي عتيد ومتشعب العلاقات في كل أرجاء العالم العربي بالعديد من أهم الأسماء ذات الوزن الثقيل في ثقافتنا العربية، متقاطعًا مع أفكارها ومحللًا لآرائها ووجهات نظرها من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونزار قباني وفدوى طوقان والجواهري والقصيبي ومحمد جابر الأنصاري ومحمد عابد الجابري. كنت أتمنى لو أن الكاتب قد قدّم لكتابه هذا بما يمهد للقارئ الخلفية التاريخية لتجربته ومسيرته الطويلة مع الكتابة، وأسباب اختياره لهذه المقالات على وجه التحديد، ليقيني بأن ما كتبه يفوق ويزيد على ما ضُم بين دفتي هذا الكتاب الممتع والمفيد. كما تمنيت لو أنه ذكر تاريخ نشر كل مقالة، لوضعها في سياقها التاريخي الذي يجعل الصورة أكثر وضوحًا وجلاء أمام عيني القارئ.