هل القراءة فعل نخبوي؟

هل القراءة فعل محصور في فئة معينة من الناس يشترون الكتب ويهيمون في القراءة دون غيرهم؟ لا يفترض أن يكون الأمر كذلك أبدًا؛ لأن القراءة للجميع نظريًّا، وهي أيضًا عمليًّا؛ بناء على المستويات المتفاوتة للكتب؛ التي يزيد عددها على 120 مليون كتاب في مختلف الأزمان والجغرافيا، والتي يناسب بعضها النخب بناء على موضوعاتها، وبعضها الآخر يناسب عامة الناس. ولا تناسب الكتب عامة الناس فقط، بل تناسب حتى صغار السن والأطفال، وحتى الرضع هناك من الكتب ما يناسبهم، وينبغي توفيرها لهم حسب قدرة كل أسرة. وعندما نحصر الكتب في النخبة فإننا نحكم بالجهل على الشريحة الكبرى من الناس، كما نحكم بالإعدام والغبار على العدد الأكبر من الكتب التي كُتبت في الأصل لعامة الناس. ولا يمكن بالتأكيد أن نعني أن جميع الناس في مستوى واحد من كم أو نوع أو مُدد القراءة خلال فترة زمنية معينة؛ فبينما يستطيع بعضهم أن يقرأ عدة ساعات في يوم واحد، قد لا يستطيع آخرون أن يقرؤوا هذه الساعات خلال عام كامل، وبينهما يتفاوت عدد الساعات حسب همة ونشاط ومشاعر كل منا، وكذلك حسب الوقت المتاح لكل شخص وحسب ميزانيته المتاحة لذلك. وكون القراءة فعلًا نخبويًّا أم لا هو سؤال لا نفترض إجابته بنعم أو لا، بل في الطيف الواسع والعريض بينهما، الذي ينبني على معرفة اتساعه معرفة مدى انتشار وثبات القراءة كعادة راسخة في أي مجتمع. وكلما قلت نخبوية القراءة في أي مجتمع عنى ذلك اتساع نطاق شعبيتها لتغطي مختلف شرائحه وطبقاته وفئاته. وهي أيضًا ما تقرر عدد دقائق أو ساعات القراءة كل يوم، وهي ما تقرر حجم مبيعات الكتب، وهي أخيرًا ما تقرر ما تمنحه من قيمة وأهمية للعلم. ومن أجل أن نجعل القراءة متاحة للجميع، ولكي نزيد من مدد القراءة في مجتمعاتنا، فإننا بحاجة إلى خطوات متوازية تتضمن السعي لتوفيرها لهم عبر ملاحقة الناس بالمكتبات العامة في كل حي، أو بحافلات صغيرة تحمل الكتب إلى الناس في الأسواق والحدائق والتجمعات العامة، وإقامة فعاليات ومسابقات قرائية متنوعة وبأساليب متجددة؛ من أجل اجتذاب مختلف الشرائح إليها. كما أن المؤلفين ودور النشر مدعوون لخفض أسعار الكتب لأدنى حد، أو توفير طبعات اقتصادية تناسب محدودي الدخل، جنبًا إلى جنب مع إنتاج طبعات فاخرة. وأخيرا ينبغي أن تكون لدينا شريحة واسعة من الكتاب تكتب لعامة الناس وليس للنخبة فقط، وأن تخفف من الألفاظ الصعبة والنخبوية التي تنفرهم من القراءة وعالم الكتب مع بقاء الدراسات والبحوث المعمقة والكتب النخبوية والتي لا غنى لنا عنها.