د فرج الله أحمد يوسف..

مساجد فلسطين تحت الإحتلال الصهيوني.

هذا كتاب مهم ، فمساجد فلسطين تتقاسم التطهير العرقي مع إنسان فلسطين على يد الدولة الصهيونية. ونقصد هنا المناطق التي احتلتها اسرائيل عام ١٩٤٨م . المساجد أوقاف إسلامية، أوقفت أرضا و بناءَ من حكام فلسطين أو مواطنيها عبر القرون لأغراض الصلاة والعبادة وتلاوة القرآن، ولذا فإن تعامل الدولة الفلسطينية معها كأملاك غائبين أسوة بالعقارات التي هُجر أهلها إنما هو حيلة للاستيلاء عليها من قبل الدولة الصهيونية، إيقاف الأراضي أمام أي قانون يمنع انتقالها إلى الصهاينة، ولكثرة الأوقاف في فلسطين أصدرت الدولة العثمانية ضمن قانون الأراضي عام ١٨٥٨م حظرا لتحويل الأراضي التي تعود ملكيتها إلى بيت المال إلى وقف، وهذه الأراضي تشمل معظم الأراضي الزراعية في فلسطين وغاباتها وبذلك حد القانون من انتشار الأوقاف، وعندما احتلت بريطانيا فلسطين تدخلت في قوانين بيع الأراضي حتى تسمح بانتقال ملكيتها تحايلا إلى الوكالة اليهودية، وهنا تنبه الصهيوني وايزمان إلى أن السماح بتحويل أراضٍ إلى أوقاف يمنع انتقالها إلى تصرف الصهاينة دولةَ أو أفرادا وكتب إلى السلطات الإنجليزية معترضا على إنشاء مزيد من الأوقاف في فلسطين، مما يعني أن الدولة الصهيونية أو أي دولة أخرى لا يحق لها التصرف بالمساجد أو الأراضي الموقوفة عليها بغير ما أوقفت له، و هذا أمر معتبر في القانون الدوليِ. يقدم الكتاب قوائم بالمساجد والمصليات التي كانت في كل قضاء من أقضية فلسطين، و يوضح ما آل إليه حالها، المعمور منها أربعٌ وخمسون مسجدا، وهذه لم تبق معمورةً لأن دولة الاحتلال التي يفرض عليها القانون الدولي المحافظة على معابد الأديان التي كانت موجودة ساعة احتلال الأرض وصيانتها وحفظ وظيفتها، لا بل لأن المتبقي من فلسطينيي الداخل بعد التهجير استطاعوا الحفاظ عليها، وأنشأوا لذلك جمعيات، استثمرت أوقات وجهد المتطوعين لتطهير المساجد وتأهيلها تحريرها أحيانا وصيانتها، بالمقابل فقد تم هدم ١٤٩ مسجدا وإغلاق ٣٦ مسجدا، وتحويل ستة مساجد إلى متاحف، واثنين إلى حظائر أبقار، وواحد الى حظيرة خيول، ثلاثة إلى مرافق تجارية، وخمسة عشر مسجدا الى كُنُس لليهود، وأربعة إلى حانات خمر وقمار ودعارة، وأصبح واحدٌ منها صالة احتفالات وثانٍ مقرا لحزب سياسي، وثالثٌ مقرا لإحدى البلديات، واستولت شركتان على اثنين منها. إيلان بابيه المؤرخ الصهيوني التنقيحي يذكر في كتابه عن التطهير العرقي في فلسطين عددا من المساجد وما حدث لها. يقول بابيه (ثمة تحفة معمارية هي جامع صرفند الواقعة على الساحل بالقرب من حيفا، وكان عمر هذا الجامع مائة عام عندنا أعطت الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر لهدمه في يوليو عام ٢٠٠٠ متجاهلة التماسا رفع إلى رئيسها آنذاك ايهود باراك يرجون عدم إقرار هذا العمل التخريبي المتعمد) . حاولت مؤسسة الأقصى لعمارة المقدسات الإسلامية إعادة بناء المسجد، لكن دائرة الأراضي في الكيان الصهيوني ترفض السماح بإعادة البناء، ولا زال المرابطون من فلسطينيي الداخل يدافعون عن أنقاض مسجد صرفند، يتجمعون بالمئات لصلاة الجمعة فيه، ويقيمون فيه صلاة التراويح في بعض ليالي رمضان. قامت السلطات بحفر الطريق العام الذي يؤدي إلى المسجد من قرية الفيديوس العربية، الحفر كان حتى عمق متر، لكى يحول بين السيارات وبين الوصول إلى المسجد، ولكن الفلسطينيين أعادوا بجهودهم الذاتية تعبيد الطريق، وأقيمت بعد ذلك صلاة الجمعة فيه عدة مرات، فقام أوباش الصهاينة بسرقة أثاث المسجد، وحيث إن الكتاب يغطي الفترة حتى نهاية عام ٢٠٠٩ م، فلا نعلم التطورات اللاحقة. يشير بابيه إلى ما حصل في قرية عين حوض التي طردت السلطات الصهيونية أهلها منها عام ١٩٤٨م، تحولت القرية إلى مرسم للفنانين اليهود وحُول مسجدها إلى حانة بونانزا، أهل القرية العرب أعادوا التجمع على أرض غير مملوكة لأحد وأسموا المكان الجديد “عين حوض” وبنوا بها مسجدا جديدا. رفضت السلطات الصهيونية الاعتراف بالقرية الجديدة ويعنى هذا حرمانها من التوسع والخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والمرافق، وظل الناس على صمودهم مدة سبع وخمسين سنة، عندها اعترفت السلطات الصهيونية بالقرية ولكن على أن تكون مساحتها ثمانين دونما، قام الأهل بتخطيط قريتهم لتحتضن مجتمعا متكاملا بناسه وخدماته على مساحة ٢٥٠ دونما خططته شركة هولندية، وهكذا يستمر الصراع. ويشبه هذا ما حصل مع مسجد خليل دهمش في يافا، فقد نفذ الإرهابي موشى ديان مذبحة قُتل فيها مائة فلسطيني رجالاً ونساء وأطفال، كانوا قد لجأوا للمسجد في يوليو ١٩٤٨م ، استولت الدولة على المسجد وحولت سوره الخارجي إلى محلات تجارية، عمل من بقي من سكان اللد من الفلسطينيين على شراء المحال التجارية التي أقيمت في المسجد وكلفهم ذلك مبالغ طائلة، وهكذا بعد حوالي خمسين سنة من المذبحة تملكوا مسجدهم مرة أخرى وعاد المصلون يعمرونه بالتقوى. قرية روبين تقع جنوب يافا وكانت مصطافا لأهل المنطقة، استولى الصهاينة عليها وعلى أرض اوقافها البالغ مساحتها خمسة وثلاثين دونما، وأقاموا على الأرض عدة مستعمرات، ثم حولوا المسجد إلى كنيس باسم كنيس النبي روبين بن يعقوب، استمرت جهود فلسطينيي الداخل لاستعادة المسجد، استطاعوا أن يقيموا صلاة الجمعة فيه لأول مرة بعد ستين عاما من إغلاقه. وهنا تجمع أوباش الصهاينة وتمادوا في الاعتداء عليه وإقامة صلواتهم فيه، فتجمع فلسطينيو الداخل من المدن المجاورة، وتطوعوا بإعادة تأهيل المكان وأدوا فيه صلاة الجمعة. وحصل مثل هذا بخصوص مسجد السكسك، الذي تمكن فلسطينيو الداخل من اعادة الصلاة فيه بعد غياب ٦١ عاما. إثر ذلك قام مجموعة من الصهاينة بالشكوى من الازعاج الذي يسببه لهم الأذان في مساجد مدن الساحل أي اللد والرملة ويافا. ولكن فلسطينيي الداخل تمكنوا من إدارة حملة قانونية منعت إسكات الأذان، كان الدفاع سهلا،” إذا كان الأذان يزعجكم و هو لا يسمع إلا أربع دقائق يوميا، فلماذا لا يزعجكم ضجيج الطائرات التي تقلع وتهبط من مطار اللد وتمر فوق رؤوسكم على مدار اليوم” ؟ طًرد أهل قرية عكبرة، ودُمرت قريتهم عام ١٩٤٨م، استقروا في قرية قريبة اسمها الجاعونة، ومن ثم عادوا بالتدريج إلى قريتهم المدمرة، وأعادوا بناء بيوتهم، لم تعترف السلطات الصهيونية بقريتهم مدة سبعة وثلاثين عاما، خلالها ظلوا صامدين يعيشون دون أي خدمات، عام ٢٠١٠ م تم لهم بناء مسجدهم ليكون أول مسجد ينطلق فيه الأذان على جبال كنعان بالجليل الأعلى في فلسطين. يفصل إيلان بابيه في محاولات الفلسطينيين لإصلاح أحد المساجد فيقول: يتم منع الوصول إلى هذه الأماكن المقدسة بألاعيب رسمية أكثر منها بالقوة، كما هو الحال بالنسبة لجامع حطين، بحسب ما هو شائع بنى صلاح الدين هذه العمارة المدهشة سنة ١١٨٧ م تخليدا لذكرى انتصاره على الصليبيين، أراد أبو جمال من قرية كفر حنا البالغ من العمر ٧٣ عاما إقامة مخيم صيفي لأطفال فلسطين للمساهمة في إعادة المسجد لسابق عهده وفتحه للصلاة، لكن وزارة المعارف خدعته، إذ وعده موظفون رفيعو المستوى أنه إذا ألغي المخيم فإن الوزارة ستتبرع بالمال اللازم لأعمال الترميم، وعندما قبل العرض أغلقت الوزارة المكان بالأسلاك الشائكة… ثم أقدم أعضاء الكيبوتس المجاور على إزالة جميع الأحجار بما في ذلك حجر الأساس، و هم يستخدمون الأرض لرعي أغنامهم و أبقارهم. يقول مؤلف الكتاب إن مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في منطقة الناصرة استطاعت عام ٢٠١٠ القيام بأعمال ترميم وصيانة واسعة للمبنى، رغم اعتراض الشرطة الصهيونية بحجة أن المسجد ومحيطه يقعان في ملكية دائرة أراضي إسرائيل، ولكن تم ترميم المئذنة وجدران المسجد وإصلاح مجرى عين المياه الجارية بجانب المسجد، وكان الصهاينة قد خربوها حتى تتجمع المياه على أرضية المسجد فتضعف اساسيات جدرانه. عند قيام الكيان الصهيوني كان العرب يمتلكون ٦٦ قرية تقع على ٨٤٪ من مساحة قضاء القدس، أما الصهاينة فصار لهم ست مستعمرات تقوم على مساحة ٢٪ من القضاء، والباقي أراضٍ حكومية وأراضٍ تملكها الكنيسة الأورثوذكسية، استطاع الصهاينة احتلال الجزء الغربي من القدس وتم تشريد سكان ٣٩ قرية و ثمانية أحياء من المدينة ودمر ثلاثة عشر مسجدا، مرت ستون عاما حتى ٢٠١٠م عندما نظمت الهيئة المقدسية رحلة لشباب مخيم شعفاط لتفقد القرى المدمرة، وجدوا أن ٣٨ قرية بقيت على دمارها لم يسكنها أحد، يعني أن الصهاينة هجروا السكان ودمروا القرى لا لكى يُسكنوا مكان اهلها احدا، و لكن لتفريغها من الفلسطينيين. وهكذا أعيد تأهيل مسجد قرية عين كارم وفتح للصلاة مدة ثلاثة أسابيع، لكن السلطات الصهيونية أعادت إغلاق المسجد واعتقلت كل من شارك في فتحه. عملت المؤسسات التي أقامها فلسطينيو الداخل لاستعادة الأوقاف والآثار الإسلامية، ونجحت في إدارة مواجهة مع السلطات الصهيونية من خلال التقاضي ضد الإجراءات التعسفية بالتعاون مع المراكز التي تعمل لحماية حقوق فلسطينيي الداخل، ومن خلال العمل التطوعي، وقد المحنا إلى بعض نجاحاتها، ولذا أصدر وزير دفاع الصهاينة قرارا بإغلاق أبرز هذه المؤسسات “ مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية” في أغسطس ٢٠٠٨م. وقد صادرت السلطات من مقرها الكثير مثل: ملفات تخص الأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية، وملفات توثق الانتهاكات الصهيونية للمقدسات، و ٣٠٠٠ ملف تضم مسحا شاملا للأوقاف الدينية، ملفات الخرائط التفصيلية للأوقاف، ملف للوثائق والمستندات الخاصة بكل الأماكن، مستندات ملكية الأوقاف الصادرة في عهد الدولة العثمانية، أفلام وثائقية عن عمليات التدمير والتهجير الاسرائيلية للقرى والسكان… إلخ. ولأن الحاجة أمُ الاختراع فإن المؤسسة كانت تحتفظ بأرشيف كامل في مكان آخر، كما كانوا قد استبقوا قرار الإغلاق بإنشاء مؤسسة أخرى باسم “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث”، سرعان ما استطاعت مواصلة العمل. نرى أن الصهاينة لم يدعوا فرصة لتنغيص حياة الفلسطينيين إلا اهتبلوها، وهكذا يتعين على الفلسطينيين استمرار المقاومة عشرات السنين ليتفادوا الإقلاع والتهجير.